|
ربما لا يكثر الكلام في بلادنا وفي كثير من الأقطار العربية حول شيء كما يكثر حول التنمية، تنمية الإنسان، وتنمية المعارف، وتنمية الموارد، لكن كلما قيل ويقال في هذا المجال يبقى محض كلام لا صلة له بالواقع ولا يتمكن من الانتقال إلى خانة العمل والإدراك بأهمية التنمية الشاملة كفعل يومي لا كلام في الجرائد ووسائل الإعلام الأخرى. وبالمقابل فإن التنمية التي أثبتت وجودها، والتي تتنامى في بلادنا وفي كثير من الأقطار العربية هي تنمية المشكلات. وهذا النوع من التنمية لا يكف عن التطور والنمو والتحول إلى كابوس يومي للمواطنين أيَّاً كان موقعهم في الحياة. واللافت أن النمو الاقتصادي والثقافي والاجتماعي في هبوط بينما المشكلات تتنامى وتتسع أثارها ومنتجاتها بوفرة منقطعة النظير. وأن كل ذلك يتم بجهودنا الشخصية نحن أبناء الأمة الغارقة في الجهل والفقر والفساد. ورغم أن الله تعالى قد منّ على بعض أبناء هذه الأمة بثروات واسعة فإن استغلالها في بعض الأقطار لا يتم لتنمية الإنسان والارتقاء بالجميع وإنما يذهب الجانب الأعظم منه إلى شراء الأسلحة وإلى الحروب. ويمكن في هذا الصدد أن يُقدم العراق كنموذج صارخ على هذه التنمية الخاسرة.
ويمكن القول أن المشكلات في هذا البلد -أقصد بلادنا- تتكاثر كما تتكاثر العفونات والحشرات الضارة، ونموها المتصاعد لا يحتاج إلى كثير أو قليل من الجهد يكفي أن يفقد أحدهم إحساسه الوطني فينطلق داعياً إلى تنمية الفرقة وتفكيك الوطن ليجد حوله العشرات والمئات وربما الآلاف بين من يستجيبون لندائه ويسيرون وراءه كالأغنام، ويكفي أن ينطلق آخر من عقال المروءة والوطنية، داعياً إلى قطع الطريق أو قطع التيار الكهربائي أو أنابيب النفط أو الغاز فيجد من يستجيب له في سرعة البرق دون أدنى تفكير بما سينتج عن ذلك الفعل الإجرامي من مشكلات للناس وللوطن. وأظن أن دعاة المشاكل وتنميتها وإعادة إنتاجها في حياتنا من عام إلى آخر لو قد غيروا اتجاههم ودعوا إلى مشروع اقتصادي أو إلى بناء مدرسة أو مستشفى أو إصلاح طريق لما استجاب لدعوتهم سوى نفر قليل أو لا يستجيب لها أحد وعلى العكس من ذلك الدعوة إلى التدمير وخلق المزيد من المشكلات التي أرهقت كاهل الوطن منذ سنوات. ربما لأن الدعوة إلى الشر باتت في واقعنا، أيسر وأسهل من الدعوة إلى البناء، ولهذا فقد اتسعت مساحة المشكلات، واتسعت معها دوائر التخريب والفوضى والانفلات.
والسؤال الذي يمكن استخلاصه من الإشارات السابقة هو: هل ما يحدث في بلادنا وفي أغلب الأقطار العربية ناتج عن تصرفات ذاتية وعن انعكاس لعوامل داخلية أم أن الداخل والخارج يتحملان مسؤولية هذا الذي يحدث؟ والإجابة على السؤال ليست من الصعوبة بمكان، وتكاد تكون على لسان كل مواطن يحمل قدراً ولو ضئيلاً من الوعي وخلاصتها تشير إلى أن ما حدث ويحدث هنا في بلادنا وهناك في الأقطار العربية ليس في منأى عن العامل الخارجي الذي يمهد له ويفتح له الأبواب عامل داخلي لا يستطيع أن يثبت وجوده في غياب هذا الكم من المشكلات هو الذي يشغل الناس ويجعلهم ينصرفون إلى الحديث عنها والتفكير في أثارها دون بحث أسبابها ومصدر تكوينها. وإذا ما استمر التعاون بين الخارج بكل أطيافه وألوانه والداخل بكل أطيافه وألوانه فإن أقطارنا العربية لن تخرج من منطقة تنمية المشكلات ولن تدخل مرحلة التنمية الحقيقية مهما كانت حجم الأحلام والحديث عن التغيير والمستقبل الجديد.
ولعل ما يثير الأسى ويبعث على الانسحاق هو هذا النجاح المبهر في صنع المشكلات وتطوير الأساليب المناسبة لكي تبقى هذه المشكلات في ذروة الشأن الوطني حتى لا يتجه القادرون إلى العمل وينصرفون إلى الدخول في المعارك الجانبية وما يصدر عنها من إنهاك لجسد الوطن وروحه ومن تشتيت للجهود والبحث في أسفار التاريخ عن مخزون الخلافات لنبش أو إحياء ما أندثر من حكاياتها، وما يصدر عن ذلك كله من تنام للمشكلات واستنطاقها والاتجاه الدؤوب إلى تنميتها واستثمارها فيما لا يعود بالخير على أحد حاضراً ومستقبلاً.
الواو المسافر أحدث دواوين الشاعر الكبير الحارث بن الفضل
ليس عنوان الديوان لغزاً يمتحن به الشاعر ذكاء قرائه وإنما هو تعبير رمزي يختزل سفر الروح في عوالم الصفاء والنقاء. وقصائده جميعاً بوح وجداني ورحلة في عالم الإشراق والتجلي. وهذا ما عوَّدنا عليه شاعرنا الملهم الكبير الحارث بن الفضل الذي استطاع في فترة قصيرة من عمره الإبداعي أن يحتل مكانة بارزة في ساحة الشعر محلياً وعربياً. وصار له نهجه وأسلوبه الخاص في كتابة القصيدة المغمورة بضوء المكان والزمان –الديوان صادر عن وزارة الشباب ويقع في 135 صفحة من القطع المتوسط.
تأملات شعرية:
للتوحش أدنى وأقصى
وهذا الذي تشهد العين
أقصاه،
قتلٌ بلا سببٍ
ودماءٌ تراق بلا سببٍ
أو كتابٍ مبين.
القتيل أبي وأخي
وابن عمي.
وحين سألتُ عن القاتلين،
قيل لي هم: أبي وأخي وابن عمي
فمن ذا نحاكم يا أهلنا
أو ندين؟!
في الأربعاء 05 فبراير-شباط 2014 10:25:42 ص