تحاول إيران عبر مفاوضاتها النووية مع الغرب التوصل إلى صيغة تضمن قبولها في المنطقة، مع قلقها من تمكن التنظيمات المتشددة التي تجتاح الشرق الأوسط من الاقتراب من حدودها بعد أن ساهمت في إيجادها ودعمها ماليا وتنظيميا.
شكك محللون وأوساط سياسية في جدوى فكرة الرئيس الأميركي باراك أوباما في التنظيم الذاتي لتوازن القوى في الشرق الأوسط، عبر مسعاه إلى دمج إيران في المجتمع الجيوسياسي، بينما الشياطين المنفلتة من عقالها مازالت تؤرق المنطقة.
وتتصاعد هيمنة التنظيمات المتطرفة والخطابات الطائفية كشياطين منفلتة تُحركها أحزاب وجماعات تُسيطر على مقاليد الحكم في عدد من الدول العربية والإسلامية.
ويوصف المحور الطائفي الذي بنته طهران والممتد من بغداد إلى بيروت بالعدواني والعابر للحدود بعد الاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 وهو الذي قبلت به دول المنطقة، باعتباره أمرا لا مفر منه.
واعتبر أوباما أن إيران التي لها مصلحة في حل مشاكل الشرق الأوسط، وليست لها بواعث لزعزعة استقراره، يمكنها أن تكون عامل تغيير في المنطقة، لكنها تجاوزت ذلك. فقد قطعت شوطا بعيدا في مشاكلها، وهي تسقط كل يوم إلى أعماق جديدة من العنف.
وسبق أن أثار الرئيس الأميركي فكرة التوازن التنافسي في الشرق الأوسط، ليحل محل الصراع الطائفي داخل الإسلام، والحروب التي تشن بالوكالة عبر المنطقة، وتبقي على هذا الانقسام.
وقال الرئيس “إنه إذا أمكن التوصل إلى اتفاق حول إجراءات وقائية مرضية بخصوص طموحات طهران النووية، وما يتبع ذلك من توافق أوسع حول إعادة دمج إيران في العالم، عندئذ يمكنك أن ترى التوازن وهو يتطور بين السنة، أو الأغلبية السنية في دول الخليج وإيران، حيث سيوجد تنافس، وربما ستغيب مشاعر الارتياب بين هؤلاء، عوضا عن نشوب حروب نشطة أو حروب تجري بالوكالة بين الطائفتين”.
وقال المحلل ديفيد غاردنر المتخصص في شؤون الشرق الأوسط إن فكرة فك الارتباط بين تشكيلة الدول الفاشلة والوحشية الطائفية وثورة الجهاديين الواثقين من أنفسهم إلى درجة أنهم يعتقدون أن كل قوة مسلحة في بلاد المشرق ستتلاشى أمام هجومهم، تعبير عن تفاقم الأوضاع في العراق وسوريا.
ووصف غاردنر في تقرير له بصحيفة فاينشال تايمز فكرة إعادة دمج إيران التي مازالت مستمرة بالنسبة إلى أوباما، في مسعى منه إلى تحقيقها تاريخيا مثلما كان التقارب الأميركي مع الصين في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، بغير القابلة للتحقيق واقعيا بسبب مساعي طهران إلى الهيمنة على المنطقة وتحريك أحزاب تابعة لها.
وقارن بين “داعش” و”إيران” في إشارة إلى المسعى العدواني والطائفي للتنظيم المتطرف، ورغبة طهران في الاعتراف بها كقوة إقليمية شرعية.
واستخدمت القوى الإقليمية الطائفية لتعزيز أسلحتهما (إيران وداعش) في صراعهما، علما وأن “داعش” تُخطط الآن لتدمير كل المقامات التابعة للسنة والشيعة.
وأصبحت إيران دولة ثيوقراطية بعد الثورة الإسلامية التي جرت في عام 1979، تهدف إلى تصدير ثورتها إلى دول الجوار، وهو أحد الأسباب التي دعت إلى اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980.
ويعد أحد عناصر التفكير الإيراني، المرئي في المحادثات النووية القائمة مع الغرب، أنهم يريدون ضمان الاعتراف بهم كقوة إقليمية شرعية، ومع ذلك يُعبر الإيرانيون عن قلقهم من الطائفية الهادرة عبر الشرق الأوسط التي تقترب للإحاطة بحدود إيران، بينما غالبية الأحزاب والميليشيات الطائفية تتحرك وفق أجندتهم، وتحظى بالدعم المالي والتنظيمي من قبلهم.
ويتمثل ذلك في أنه عندما كانت القوى المعاونة لقوات القدس بقيادة قاسم سليماني الذي يُعتبر رأس حربة خارجية للحرس الثوري الإيراني، منها القوات شبه العسكرية لحزب الله اللبناني، تفتح الطريق من دمشق إلى الساحل السوري بإخراج الثوار المناهضين لبشار الأسد منه، كان سليماني يتباهى بأنه “لن يتمكن أحد من أخذ مركز القيادة من إيران كقائدة للعالم الإسلامي لعشرات السنين المقبلة”.
واستخدم حزب الله كقوة ضاربة في سوريا، وارتد ذلك في شكل صدمات على لبنان وعمل على زعزعة استقراره، بينما عمل الحليف السابق لإيران في بغداد، نوري المالكي الذي أزيح من منصبه في وقت سابق، على إفراغ الجيش العراقي من كوادره، وملأه بالفاسدين المُعينين، وصولا إلى تقليد الأسد بإلقاء البراميل المتفجرة على الفلوجة.
"العرب اللندنية"