عدم إقرار إنشاء قيادة عسكرية خليجية موحّدة خلال قمّة الدوحة الأخيرة لا يعني إلغاء المشروع المتفّق على حيويته والمختلف جزئيا على بعض جوانبه الإجرائية، بل تأجيل الفكرة لمزيد تقريب وجهات النظر بشأن تطبيقها.
كشف مصدر مطلع لصحيفة “العرب” أن التحفّظ العماني على إنشاء قيادة عسكرية موحّدة في إطار مجلس التعاون الخليجي، كان وراء تأجيل الإعلان عن القيادة المذكورة والتي دار الحديث حولها بكثافة خلال الأيام التي سبقت عقد القّمة في الدوحة، وبدا أن تعقيدات الظرف الإقليمي وما يحفّ بالمنطقة من تهديدات تدفع باتجاه إقرارها دون عوائق.
وقال المصدر المطّلع على كواليس صنع القرار داخل مجلس التعاون، في حديثه لـ“العرب” إنّه كان مقرّرا أن يخرج القادة الخليجيون من قمّة الدوحة باتفاق يقضي بإنشاء القيادة العسكرية الموحّدة وأن يكون مقرّها العاصمة السعودية الرياض، لكن القادة ارتأوا تأجيل الإعلان الرسمي عن ذلك حتى تتم تسوية بعض الإشكاليات خاصة مع الجانب العماني الذي تحفظ على عدة نقاط.
وأضاف ذات المصدر الدبلوماسي في اتصال مع “العرب” أن سلطنة عمان ترحّب بفكرة إنشاء الجيش الخليجي الموحّد لكّنها تعترض على بعض الآليات، موضحا أن الفكرة بحدّ ذاتها فكرة عمانية من أساسها تعود إلى فترة احتلال نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لدولة الكويت.
مسـاع تبذلهــا السعودية لعقد حوار استراتيجي بين دول الخليج والمغرب والأردن ومصر
وألمح المصدر إلى أن الاعتراض الأساسي لسلطنة عمان هو على إمكانية مشاركة مدربين وخبراء عسكريين من الجيشين المغربي والأردني في تشكيل الهيكل العسكري الجديد، وهو الأمر الذي تعارضه مسقط باعتباره ربما يتيح فرصة انضمام المملكتين لمجلس التعاون استنادا إلى دعوة خليجية لذلك في العام 2011. ومن جهة أخرى توقّع المصدر الخليجي أن يناقش مسؤولو الأركان في دول المجلس سبل تفعيل تشكيل القوة المشتركة في اجتماعهم خلال شهر فبراير القادم بقطر في ضوء ملاحظات القادة المُرَحّلة من قمة الدوحة.
واعتبر أن الخليجيين يدعمون إنشاء الجيش الموحد، على أن يحدّدوا على ضوئه آلية عمل قوة درع الجزيرة التي يرى السعوديون أنها النواة الأساسية لتحقيق القوة الدفاعية الموحّدة وتوسيعها لتضمن وجود طيران خاص بها. ويشكل الفيتو العماني على إنشاء القوة الخليجية الجديدة وجها من وجوه الاعتراضات المتكررة لمسقط على قرارات عدة لمجلس التعاون، بدءا من العملة الخليجية الموحّدة، إلى الاتحاد الخليجي الذي بسببه هددت عمان حينها بالانسحاب من المنظومة حال تحقيقه، وهو ما يفسره بعض المراقبين باعتذار السلطنة منذ ثلاثة أعوام عن استضافة القمم الخليجية.
ويرى مراقبون أن لدى دول الخليج فرصة كبرى لتكوين قوّتها الدفاعية من خلال الاستفادة مما تمتلكه القوات المسلحة السعودية من مقوّمات، وأيضا من العلاقات المشتركة بين الدول الخليجية وإيمانها التام بأن القوة ستحمي وجودها واستقرارها وتعزّز الترابط بينها والتعاون مع الدول الإسلامية ذات الوزن الكبير في المجال العسكري مثل باكستان، إضافة إلى دول عربية ذات شأن في المجال. ويأتي ذلك في وقت يتواصل فيه التعاون الدفاعي والاستخباراتي والأمني بين المملكة المغربية وعدد من الدول الخليجية على رأسها الإمارات، وفي ظل وجود عناصر من قوات الدرك الأردني في مملكة البحرين إضافة إلى التمارين المشتركة لعدد من القوات الخليجية في الأردن.
وتسعى منظومة التعاون الخليجي إلى تحصين دولها عبر تكتل عربي أكبر، مع سعي سعودي متواصل هذه الأيام إلى عقد حوار استراتيجي يضم دول الخليج والمملكتين المغربية والأردنية وجمهورية مصر العربية، في خطوة نحو الاندماج ووضع إطار متكامل للتعاون بين كافة الأطراف في ضوء مستجدات وأحداث أمنية إقليمية. ويرى قادة رأي خليجيون أن انضمام الأردن والمغرب لدول مجلس التعاون ولو بشكل جزئي ومتدرّج من خلال مجالات وقطاعات محدّدة على رأسها الأمن والاقتصاد، سيشكل قيمة مضافة متبادلة بين المملكتين من جهة ودول الخليج من جهة ثانية.
وكان قادة الخليج قد خلصوا في اجتماع الدوحة الأخير إلى إعلان ارتياح المجلس الأعلى للإنجازات والخطوات التي تحققت لبناء القيادة العسكرية الموحدة، ودعوا لتكثيف الجهود وتسريعها لتحقيق التكامل الدفاعي المنشود بين دول المجلس.
"العرب اللندنية"