أكّدت دراسة جديدة صادرة عن معهد واشنطن على أنّ تنظيم “الدولة الإسلامية” سوف يدعم شنّ المزيد من “الهجمات العقابية” على غرار حادث أورلاندو، بل سيقوم بتوجيهها عندما يكون الأمر ممكنًا، في الوقت الذي يسعى إلى فرض نفسه على أنّه السلطة الوحيدة التي تتمتع بالصلاحية لتطبيق “الشريعة الإسلامية” في أراضي المسلمين، وفي الغرب أيضًا.
وأضافت: يشير الهجوم المأساوي على ملهى ليلي في أورلاندو الذي استهدف المثليين جنسيًا، إلى أنّ (داعش) وذئابه المنفردة يسيرون على وتيرة متوافقة ويسبقون منافسيهم الجهاديين. فالتنظيم يتبنى العقاب كأداة سياسية لبث رسالته السياسيةوترسيخها والتفوق على زملائه الجهاديين. وبرأي الدراسة، يختلف تنظيم “الدولة الإسلامية” عن غيره من الجماعات المتطرفة، ليس فقط لأنّه يشجع على الجهاد، بل لأنّه يطبق قانون العقوبات الإسلامي، في الجَلْد وعقوبة الإعدام على وجه التحديد.
ويمكن القول، أردفت الدراسة، إنّ الترويج للعنف الذي يتبعه “داعش” في دعايته، رمي مثليي الجنس من أسطح المنازل بسبب “مذهب المتعة” الذي يعيشونه، وحرق طيار أردني بتهمة “الردة”، وذبح الأقباط بسبب “الشرك” الذي أدانه الرب، هو من أسلوب مختلف عما شهدناه سابقًا، ويمكن تشبيهه بنوع من الإرهاب “العقابي”. وهذا النوع من العنف هو الذي يمنح (داعش) علامته التجارية الفريدة ويستحث الصرخات من رؤساء الدول العربية وليس فقط من نظرائهم في الدول الغربية.
وأوضحت الدراسة أنّه كان الكثير مما فتئ الغرب يتوقعه من الجهاديين هو وقوع هجمات إرهابية واسعة النطاق على رموز القوى المالية والسياسية والعسكرية الغربية أوْ على “أهداف سهلة” في المراكز المدنية الكبرى، ويقينًا أنّ (داعش) قد وجّه وألهم قيام هجمات مماثلة على الأهداف السهلة في باريس وبروكسل وسان برناردينو. ومع ذلك، بحسب الدراسة، يشير الهجوم الذي وقع في أورلاندو، إلى تخلّي تكتيكات (داعش) في الغرب عن الأشكال “التقليدية” للنشاط الإرهابيّ، فالتنظيم يسعى الآن وراء إنزال العقاب، وللأسف قد يتبع ذلك قيام التنظيم بالمزيد من الهجمات على غرار حادث أورلاندو. ومهما كانت الخلفية الشخصية لعمر متين، فقد استهدفت جريمته التي أُلهِمت من عمليات (داعش) إلى معاقبة مثليي الجنس من الرجال.
وبقدر ما يعاقِب هذا الهجوم بعض الأفعال الجنسية المثلية بالإعدام وفقًا للشريعة الإسلامية، فإنّه يشبه نسخة لإرهابي مجرم وخطير يفرض عقوبات الجَلْد والإعدام المستمدة من الشريعة الإسلامية. وفي الواقع، تابعت الدراسة، فإنّ حملة إطلاق النار الطائشة التي قام بها متين تتوافق مع أنشطة (داعش) في العراق وسوريّة، وهدف التنظيم في إجبار المجتمع على السير وفقًا لفهمه للإسلام. ولفتت الدراسة إلى أنّ اهتمام (داعش) في عقاب الجَلْد له جذور في السرد الأصولي السني.
فالجهاديون يدّعون أنّ المجتمعات الإسلامية، وخاصة الدول ذات الغالبية المسلمة، قد ضلّت طريقها باعتمادها “القوانين البشرية”، وبالتالي أصبحت تشارك الرب، الذي له وحده الحق في التشريع، وعبر قيامها بذلك، فإنّ هذه المجتمعات الإسلامية وحكوماتها قد ارتكبت الردّة من خلال نسب أعمالها كمشاركة لله، وبالتالي تبنت الإشراك بالله، بحسب تعبيرها.
وهنا يأتي دور (داعش)، فعلى عكس الجماعات الجهادية الأخرى، يسعى التنظيم إلى إقامة “دولة إسلامية” وتوسيعها، لافتةً إلى أنّ الفرض المنهجي لما يؤمن قادة التنظيم بأنّه كان الإسلام الذي مارسه النبي محمد (ص) وأوائل أتباعه السنة هو الذي يشكل أولوية قصوى للتنظيم.
وبرأيها، كان هذا الاختلاف في الأولويات، في صلب الخلاف بين تنظيم “القاعدة” برئاسة أسامة بن لادن، الذي دافع عن وحدة الصف بين المسلمين لمحاربة الغرب، وبين تنظيم “القاعدة في العراق” (وفي وقت لاحق تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”) برئاسة أبو مصعب الزرقاوي، الذي دعا إلى تطهير المجتمع المحلي من الشيعة و”المنحرفين” السنة، أي الصوفيين والسنة التقليديين وغيرهم، وقد تحوّل مقاتلو الزرقاوي في وقت لاحق إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”، وأقاموا الخلافة المعلنة ذاتيًا في العراق وسوريّة في حزيران (يونيو) 2014. وبعد مرور عامين على خلافته، أوضحت الدراسة، ومرور عدة أشهر على إتّباع أسلوب التوجيه أوْ إعطاء الإلهام لشن هجمات مروّعة على “أهداف سهلة” في أوروبا والولايات المتحدة، يشير الآن تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى نيته بدء موجة جديدة من أعمال العنف في الغرب لتطبيق “العقاب” على تعبيرات “الانحراف القانوني عن الإسلام”. ووفقًا للوثائق المتسربة الخاصة به حول هذا الموضوع، قالت الدراسة، تشمل هذه الأعمال التي “تعاقَب” من قبل تنظيم “داعش”، شرب الخمر والمثلية الجنسية والسرقة والزنا والكفر والردة.
وخلُصت الدراسة إلى القول إنّه بطبيعة الحال، سوف تعتمد كيفية تعريف التنظيم لهذه “التجاوزات” والأساليب التي يختارها لـ “معاقبتهم”، على إستراتيجية الجماعة كمنظمة، فوحشية تنظيم “الدولة الإسلامية” تهدف إلى معاقبة “السلوك المنحرف” بقدر ما تهدف إلى إجبار السكان على الرضوخ والإذعان في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم، وتجنيد آخرين من الخارج للانضمام إلى قضيته، على حدّ تعبيرها.