تثير إجراءات التجنيد والتعبئة الاستثنائية التي شرع النظام السوري في تبنيها منذ أكتوبر الماضي استياء القاعدة الشعبية المؤيدة له، وامتدت موجة الغضب لتطال العلويين أيضا.
ويشن الجيش السوري حملة واسعة النطاق شملت المنازل والمقاهي والأماكن العامة لتجنيد الشباب السوري وتعبئة الاحتياطي العسكري لتعويض الخسائر البشرية الفادحة التي تتكبّدها قواته على مختلف الجبهات خلال الأشهر الأخيرة.
لكن سقوط قتلى ومصابين ليست هي المشكلة الرئيسية التي يعاني منها النظام في دمشق، بل تواجه قواته واقعا آخر يتمثل في فرار المجندين وانشقاق أعداد كبيرة منهم لصالح المعارضة المسلحة.
ويقول محللون إن هذه الإجراءات ربما تكون خطوة ضمن خطة التصعيد العسكري التي بدأ النظام في تطبيقها على عجل ضمن مسعاه لكسب أكبر مساحة من الأرض استباقا للمحادثات التي من المقرر أن تجمعه بقادة المعارضة في موسكو.
لكن هذه الإجراءات ربما تعود بنتائج عكسية لم يكن النظام يتوقعها وسط تصاعد الغضب المستعر أصلا بين طائفة العلويين، التي ينتمي إليها أبرز القادة في النظام السوري، إزاء عدد الضحايا الذي بات في نمو مطّرد.
يزيد صايغ: إن لم تنجح المفاوضات فسيكسر العلويون ظهر النظام
ويقول أندرو تابلر، الباحث بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى والمتخصص في الشأن السوري: “من الواضح أن هذه الإجراءات أشعلت ثورة مكتومة داخل صفوف القواعد الموالية للأسد، كما أنها أظهرت كم بات النظام أكثر يأسا من أي وقت مضى”.
ولم تتوقف حملة النظام على المدرجين ضمن قوات الاحتياط فقط، بل شملت أيضا اعتقال الفارين من التجنيد وفصل الموظفين الحكوميين الذين لم يؤدوا الخدمة العسكرية.
والتجنيد في سوريا إجباري، وتصبح الخدمة العسكرية، التي عادة ما تستغرق عاما ونصف العام، أمرا تلقائيا بمجرد أن يكمل السوري 18 عاما.
وأظهر تقرير صادر عن معهد دراسات الحرب الأميركي هذا الشهر أن عدد المجندين في الجيش السوري تراجع إلى أقل من النصف وأصبح حوالي 150 ألفا بعد أن وصل إلى 325 ألفا قبل اندلاع الحرب.
ويرى كريستوفر كوزاك، الذي كتب التقرير، أن جهود التعبئة المكثفة متصلة بشكل مباشر بانسحاب الميليشيات الشيعية المتشددة التي جاءت إلى سوريا من العراق وإيران وأفغانستان لتقديم الدعم للنظام، ثم انتقلت إلى العراق لمساعدة القوات الحكومية هناك على التصدي لتنظيم “داعش”، إلى جانب تخفيض عدد القوات من قبل حزب الله اللبناني تحت ضغط الجبهة الداخلية والخشية من انتقال المعركة إلى مناطـق نفـوذه في لبنان.
ولعب العسكريون الإيرانيون دورا كبيرا في إنشاء قوات الدفاع الوطني، وهي ميليشيا مكونة من مرتزقة مدفوعي الأجر من أجل القتال إلى جانب الجيش.
ويقول كوزاك “النظام يرى أن ميليشيا الدفاع الوطني لم تعد قادرة على الوفاء بمتطلبات المرحلة المقبلة التي يراها حاسمة، ومن ثمة لجأ إلى تعويض النقص البشري من خلال التجنيد الإجباري”
لكن يزيد صايغ، الباحث في معهد كارنيغي، يعتقد أن “الأزمة الاقتصادية التي تمر بها روسيا وإيران حاليا بعد انهيار أسعار النفط كان لها تأثير مباشر على دعمهما لنظام الأسد”.
وقال في تصريح لصحيفة واشنطن بوست الأميركية “موسكو وطهران ستدفعان الأسد إلى طاولة المفاوضات، لكن إن لم تنجحا في ذلك (وسط الإجراءات التعسفية) فربما يتسبب العلويون في كسر ظهر النظام”.