طلب مساعدة الولايات المتحدة ومساهمتها بشكل ميداني في الحرب على تنظيم داعش في العراق، واقتراح تشكيل قوّة إسلامية لمواجهة التنظيم، مظهران لمحاولة عراقيين الاستنجاد بالخارج قطعا للطريق على مزيد من التدخل الإيراني في بلادهم في ظل تجارب مريرة ماثلة على الأرض جرّاء ذلك التدخل.
يدفع تنامي التدخل الميداني لإيران في العراق، ودورها المتعاظم في الحرب على تنظيم داعش، شرائح من العراقيين إلى التماس تدخّل خارجي مضاد، إقليمي ودولي، وذلك بدافع الخوف من أنّ ما يجري في بعض المناطق العراقية هو عبارة عن احتلال إيراني مقنّع يتمّ بأيدي ميليشيات طائفية تزداد قوّة وانفلاتا وتغوّلا على المدنيين في المناطق التي تستعيدها من يد تنظيم داعش.واتضّح خلال الأيام الماضية اتجاهان كبيران في التماس التدخّل الخارجي في العراق، بين من اتّجه رأسا إلى الولايات المتّحدة طالبا دعمها بالمال والسلاح وحتى بالحضور الميداني على الحدود مع سوريا، وبين من اقترح تشكيل قوّة إسلامية إقليمية لمواجهة تنظيم داعش في العراق، وقطعا للطريق أمام مزيد من التدخّل الإيراني.
ومثّل الاتجاهَ الأوّلَ وفد من محافظة الأنبار زار واشنطن مؤخرا طالبا من الولايات المتحدة تزويد المحافظة بالمال والسلاح، وإسناد مقاتليها ميدانيا. وحتى الأمس ما يزال أفراد من الوفد في أميركا بانتظار الردّ وموافقة حكومة بغداد على الخطوة.
وكشف عضو وفد الأنبار لدى واشنطن عبدالحكيم الجغيفي أمس أن الوفد طالب خلال وجوده بواشنطن الجانب الأميركي بتزويد المحافظة بسلاح نوعي وتواجد قوات برية أميركية على الحدود العراقية السورية لمنع تسلّل الإرهابيين.
وقال الجغيفي وهو قائم مقام قضاء حديثة “إن وفد الأنبار لدى واشنطن بحث مع مسؤولين كبار في الحكومة الأميركية مطالب محدّدة أهمها تزويد الأنبار بسلاح نوعي وفتح قناة للتواصل بين المحافظة وواشنطن بشكل مستمر”.
وأضاف أن “الوفد طالب الجانب الأميركي أيضا بأن يتواجد خبراء عسكريون ومستشارون أميركيون في قاعدة الحبّانية العسكرية شرق الرمادي مركز المحافظة لتدريب قوات الأمن ومقاتلي العشائر”.
وتابع الجغيفي، أن “الوفد طالب أيضا بإنزال قوات برية أميركية على الحدود العراقية السورية غربي الأنبار لغلق الحدود بين العراق وسوريا من أجل قطع إمداد تنظيم داعش لعناصره في العراق والأنبار بشكل خاص”.
أما الاتجاه الثاني فيتجلى في مقترح طرح أمام مجلس محافظة الأنبار بتشكيل قوة إسلامية إقليمية توكل لها مهمة التصدي لتنظيم داعش بديلا عن مقترح تشكيل وفد رسمي من المحافظة لزيارة إيران والطلب منها تقديم الدعم العسكري واللوجستي للقوات الأمنية.
عدوى المحاصصة الطائفية تتسرب إلى القوات المسلحة العراقية
بغ قالت مصادر عراقية إنّ المحاصصة الطائفية التي أصبحت من “مميزات” الحياة السياسية ومن أسس إدارة الشأن العام في العراق تسرّبت إلى عملية إنشاء جهاز حرس وطني، وإنّ اتفاقا سياسيا قضى بأن يتألف الجهاز من 50 ألف مقاتل سني و70 ألف مقاتل شيعي. وجاء الاتفاق حسما لصراع شرس دار حول إنشاء الجهاز الذي كانت فكرته الأساسية إنشاء قوّة يكون مقاتلو العشائر السنية نواتها الصلبة ويجري تمكينها من الدعم الحكومي الضروري لمواجهة تنظيم داعش، لكنّ دوائر عراقية نافذة اعترضت بشدة على الفكرة واقترحت إدماج الميليشيات الشيعية ضمن الجهاز.
وينتظر أن يصوت مجلس الوزراء العراقي اليوم على مشروع قانون الحرس الوطني ليتم لاحقا إرساله إلى مجلس النواب للتصويت عليه.
ونقلت وكالة الأناضول أمس، عن سبهان الجياد، عضو مجلس المحافظة، قوله “إن المجلس سيناقش الأسبوع المقبل مقترحا يقضي بتشكيل قوة إقليمية عسكرية إسلامية تضم إلى جانب العراق كلا من تركيا وإيران، وبلدانا عربية من بينها السعودية والأردن ومصر مهمتها قتال تنظيم داعش أينما وجد”.
وأضاف الجياد قوله “أنا من تقدّم بالمقترح كبديل عن المقترح الذي قدمه بعض أعضاء مجلس النواب عن محافظة صلاح الدين لتشكيل وفد رسمي لزيارة إيران والطلب منها تقديم الدعم للقوات الأمنية العراقية المتواجدة في المحافظة لقتال تنظيم داعش”.
وأخفق مجلس محافظة صلاح الدين، السبت الماضي في التوصل لاتفاق على تبني مقترح عضو البرلمان العراقي مشعان الجبوري بتشكيل وفد رسمي بموافقة الحكومة الاتحادية لزيارة إيران والطلب منها تقديم السلاح والعتاد والاستشارة العسكرية للقوات الأمنية في المحافظة.
وفي تصريح للأناضول، قال نيازي أوغلو، النائب بالبرلمان العراقي والممثل عن محافظة صلاح الدين “إن هناك تباينا بالمواقف من مقترح تشكيل وفد رسمي من المحافظة لمطالبة إيران بتقديم الدعم العسكري لقوات الجيش”.
وأضاف “الاجتماع الذي كان سريا، السبت، لم نتوصل من خلاله إلى اتفاق وأرجئ إلى الأسبوع القادم، على أن يكون هناك نقاش وقرار بحضور جميع المسؤولين”.
وأشار إلى أن “الوضع في محافظة صلاح الدين يختلف عما هو عليه في ديالى بشرق البلاد أو الأنبار بغربها أو نينوى بالشمال، فهناك قضاء سامراء الذي يحتضن مرقدي الإمامين العسكريين، ونحن لسنا واثقين من تأكيدات التحالف الدولي بقصف مواقع تنظيم داعش ونتخوف على مدينة سامراء من الهجمات، لذا لدينا الخيار الوحيد هو اللجوء إلى إيران لمدّ يد العون كما ساهمت في تحرير الكثير من الأراضي من قبضة داعش في ديالى وأطراف صلاح الدين”.
ويعارض طيف واسع من سنّة العراق طلب المساعدة الإيرانية للتصدي لتنظيم داعش في المحافظات ذات الغالبية السنية مثل نينوى وصلاح الدين والأنبار. ويتهم القادة السياسيون السُنة إيران بالتدخل السلبي في الشأن العراقي ودعم ميليشيات شيعية متهمة بقتل مدنيين.
وزادت المجزرة التي ارتُكبت مؤخرا في محافظة ديالى، بعد استعادة أجزاء منها من تنظيم داعش، من حجم الرفض للتدخل الميداني الإيراني في الحرب على تنظيم داعش، وذلك على خلفية توجّه أصابع الاتهام لميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران بالمسؤولية عن قتل ما لا يقل عن سبعين مدنيا في قرية بروانة.
وقد أصبحت مثل هذه الجرائم وغيرها من التعديات والانتهاكات من استيلاء على الممتلكات وتدمير للمنازل ملازمة لعمليات استعادة بعض المناطق العراقية من يد تنظيم داعش، كون الميليشيات الشيعية مساهم رئيسي وفاعل في محاربة تنظيم داعش، فيما سكّان بعض المناطق يتمّ اتهامهم باحتضان تنظيم داعش لأسباب طائفية ولمجرّد أن التنظيم محسوب على الطائفة السنيّة، وتجري في ضوء ذلك “معاقبتهم” بشكل جماعي من قبل الميليشيات خارج إطار القانون.