عكس إقدام عدد من السفارات الغربية على تعليق أنشطتها في اليمن بشكل متزامن تبلور موقف دولي إزاء الانقلاب، وأن الدول الغربية رفضت الوقوع في شراك الحوثيين الذين يلعبون على عامل الوقت لشرعنة سيطرتهم على السلطة.
وأغلقت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا سفاراتها في اليمن جراء مخاوف أمنية إذ تهدد سيطرة الجماعة الشيعية على مقاليد السلطة بدخول البلاد في حرب أهلية شاملة، فضلا عن أنها توفر فرصة من ذهب لتنظيم القاعدة المتشدد ليعيد ترتيب أوراقه وأن يقدم نفسه كمدافع عن سنة اليمن في مواجهة الهجمة الشيعية المسنودة من إيران.
ويحمل الانسحاب الدبلوماسي أكثر من إشارة، أهمها أن الدول الغربية لم تعد متحمسة لاستمرار الحوارات التي يجريها المبعوث الأممي جمال بنعمر ما دامت قد خرجت عن غطائها السياسي، وهو المبادرة الخليجية، وهو ما يقطع الطريق على الخطة الحوثية باللعب على الخلافات بين الدول لتأبيد سيطرة الميليشيات على المشهد.
ويسحب هذا القرار الجماعي المفاجئ البساط من تحت أرجل الحوثيين الذين كانوا يتوقعون أن تسير الولايات المتحدة في خطتهم، مستفيدين من التقارب بين واشنطن وطهران، لكن الأميركيين فضلوا مراعاة مصالح حلفائهم الخليجيين المعارضين للتغول الحوثي على الانسياق وراء ورقة المجموعة الشيعية التي قد يكون دورها محدودا في مواجهة القاعدة.
ويؤشر رفع الدبلوماسية الغربية يدها عن رعاية الانتقال السياسي على أن اليمن لم يعد أمامه إلا الخيار العسكري لحسم الخلافات، وأن هذا قد يفتح البلاد على الفوضى، كما يعطي غطاء للمزيد من التدخل الإيراني في الشأن اليمني.
وفشلت مشاورات سياسية سابقة أجراها المبعوث الأممي جمال بنعمر بين مختلف الأحزاب في التوصل إلى حل للأزمة الناجمة عن استقالة الرئيس وحكومة خالد بحاح، بسبب إصرار الحوثيين على أن يكون الحوار تحت سقف “الإعلان الدستوري” الذي فرضوه بالقوة.
وشهدت العاصمة اليمنية صنعاء ومدن أخرى الأربعاء تظاهرات حاشدة؛ إحياء للذكرى الرابعة لـ”ثورة 11 فبراير”، ورفضا للإعلان الدستوري لجماعة الحوثيين.
وشاركت في المسيرات المعارضة للحوثيين، شخصيات يمنية بارزة من بينها عبدالله نعمان الأمين العام للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، ووزير الثقافة في الحكومة المستقيلة أورى عثمان، والناشطة الحقوقية اليمنية بشرى المقطري.
وأكد المحلل السياسي اليمني عبدالله إسماعيل في تصريح لـلعرب اللندنية” أن أكبر عقبة تواجه الحوار هي تمسك الحوثيين بكل ما حققوه من أهداف عسكرية أو سياسية، وأن الكثير من تحركاتهم يأتي في سياق المراوغة وكسب الوقت.
وأضاف إسماعيل أن “الإعلان الانقلابي الذي قام به الحوثيون كان خطوة مراوغة أخرى تجعل المتحاورين يتخلون عن السقف السابق الذي كانوا يطالبون به – عودة الأمور إلى ما قبل 21 سبتمبر – ليكون السقف الجديد هو إلغاء البيان الانقلابي.
وأضاف أن الجماعة الشيعية المرتبطة بإيران تهرب من ضغط الشارع وضغط الإقليم والضغط الدولي الذي حققته استقالة الرئيس هادي والحكومة إلى الحوار لإسكات الأصوات الإقليمية والدولية ليس إلا.
وأكد الباحث والمحلل السياسي ياسين التميمي أن هناك مؤشرات حرب واضحة، وأهم هذه المؤشرات مغادرة دعاة التسوية والحوار، وانسحاب السفراء الأجانب، لافتا إلى أن بوادر الانتفاضة الشبابية ستحشر الميليشيا في زاوية ضيقة وتحولها إلى قاتل غاشم للثوار السلميين.
وكشف القيادي البارز في الثورة الشبابية ياسر الحسني عن خطوات تصعيدية لمواجهة التعنت الحوثي، لافتا إلى أن “الخطوات القادمة ستكون كبيرة ومؤلمة ولن نعلن عنها لأن الانقلاب الحوثي يسعى إلى إفشال أي برنامج احتجاجي معلن عنه مسبقا”.
وتوقع الحسني استمرار المظاهرات والمسيرات والوقفات والسلاسل البشرية حتى استعادة الدولة وإسقاط الانقلاب والخروج بالبلاد من هذا الوضع الشاذ.
واعتبر المحلل السياسي ثابت الأحمدي أن القوى التقليدية (الأحزاب) باتت عبئا على الشارع اليمني، متوقعا صعود فريق ثالث ينقلب على الجميع ويعيد الكرة إلى مرمى الشعب لأن كل القوى السياسية قد فشلت وبلا استثناء، في إشارة إلى الحركات الشبابية التي بدأت تجمع نفسها.