تنظر الدول العربية والخليجية إلى اتفاق الإطار الذي توصلت إليه القوى الغربية وإيران حول ملفها النووي بحذر بالغ لم تخفف من حدته دعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما زعماء دول مجلس التعاون إلى الولايات المتحدة لمناقشة المشكلات التي تواجه المنطقة، وأولها محاولات إيران الدؤوبة للهيمنة على مقدراتها.
ولا تخفي عواصم عربية تحفّظها على بنود الاتفاق معتبرة أنه قد يكون “سلاحا ذا حدين يفتح عين الغرب على تفاصيل البرنامج النووي مقابل إغلاق العين الأخرى عما يجري في المنطقة”.
وهذا الحذر، الذي عبر عنه مسؤولون كثيرون في منطقة الخليج، ظهر في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز خلال اتصال هاتفي تلقاه من الرئيس الأميركي باراك أوباما كبداية لبيع الاتفاق مع إيران لدول المنطقة.
ويدرك أوباما أن الحديث مع الخليجيين حول هذا الاتفاق لن يكون أريحيا إطلاقا، وهي بوادر ظهرت في حديث الملك سلمان إليه بعد ساعات من التوصل إلى الاتفاق.
وعبر العاهل السعودي للرئيس الأميركي عن الأمل في التوصل إلى اتفاق “نهائي ملزم” مع إيران يؤدي إلى “تعزيز أمن واستقرار المنطقة”، وفقا لمصدر رسمي.
ولا يبدو أن دول الخليج على استعداد لتفهم وجهة نظر الإدارة الأميركية حول الاتفاق النووي دون تقبل الأميركيين أيضا لتحفظات الخليجيين على تداعيات هذا الاتفاق على مساعي إيران التوسعية.
ويقول بعض المؤيدين لاتفاق الإطار، الذي قد يحد من طموح إيران النووية بشكل مؤقت، إنه ربما يحد أيضا من مخاوف الدول الخليجية التي طالما شعرت بعدم ارتياح تجاه البرنامج النووي الإيراني.
وتبدو الحقيقة أبعد من ذلك كثيرا، فالتحفظات العربية لا تنتهي فقط عند التأكد من منع طهران من امتلاك القنبلة الذرية، ولكنها في الأساس نابعة من تطوير برنامج نووي حتى وإن كان يعتمد عمليا على يورانيوم مخصب بأقل درجة ممكنة.
لكن عملية التخصيب تظل مسألة نسبية تختلف بين رؤية إيران أو رؤية خصومها المختلفين معها، وما يجمع كل هؤلاء الخصوم هو أن شرعية الاستمرار في تخصيب اليورانيوم التي حصلت عليها إيران بموجب هذا الاتفاق تحتاج إلى رد عاجل على الأرض.
وتخشى عواصم عربية عدة من أن يساهم استمرار طهران في تخصيب اليورانيوم على الأقل في دفع تطلعاتها لمزيد من محاولات الهيمنة الإقليمية التي ينظر إليها مسؤولون عرب باعتبارها أولوية متقدمة على البرنامج النووي.
لكن الأسوأ الذي من الممكن أن تواجهه المنطقة هو شعور إيران المتضخم بوزنها الاستراتيجي بعد حصولها على الضوء الأخضر للمضي قدما في برنامجها النووي ولو بمستويات أقل مما سبق.
ويقول مراقبون إن هذا الشعور قد يدفع إيران إلى تحولها بشكل أكبر إلى الفلسفة العسكرية التقليدية في نزاعاتها الإقليمية، وهو ما يهدد باندلاع مزيد من الصراعات المسلحة في المنطقة قد يعمقها الاستقطاب الطائفي الموجود أصلا بين الشيعة والسنة.
ومن ثمة جاءت دعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى زعماء الدول الخليجية للاجتماع في كامب ديفيد للنظر في القضايا الإقليمية، وهو اللقاء الذي يقول محللون آخرون إن الهدف منه هو بيع أوباما الاتفاق النووي لحلفائه الذين يشعرون أنهم تركوا وحيدين بعد التوقيع على هذا الاتفاق.
ورغم أن التسابق لامتلاك أسلحة نووية ليس حلا سريعا بالنسبة للدول العربية التي ليست لديها أي بنية تحتية نووية يمكن بناء برنامج متكامل عليها، لكن استمرار عجلة البرنامج النووي الإيراني في الدوران سيغذي دول المنطقة جميعا بدوافع مشابهة.
وهذه المخاوف عبر عنها الرئيس الأميركي في مؤتمر صحفي عقده مساء الخميس للإعلان عن التوصل إلى اتفاق. وقال “إذا قام الكونغرس بقتل هذه التفاهمات فإن اللوم سيقع على الولايات المتحدة التي لا تفي بالتزاماتها الدبلوماسية، كما أن التماسك الدولي سينهار”.
وقال عبدالعزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث ومقره جدة وجنيف “إذا امتلكت إيران قنبلة نووية فإن السعودية سيكون عليها أن تفكر بجدية في موازنة ذلك. السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي.”
ولم يغب عن الدول التي تفاوضت على الاتفاق المبدئي الإيراني أن المملكة وغيرها من دول الشرق الأوسط يمكن أن تسعى للحصول على نفس الشروط التي تحصل عليها إيران بموجب الاتفاق لإنشاء برامج نووية سلمية خاصة بها.
وقال جوزيف بحوت الباحث الزائر في مركز كارنيغي والمقرب من الإدارة الأميركية في تصريح لـ”العرب” إن عدم ربط إدارة أوباما الاتفاق النووي بسياسة إيران وممارستها بالمنطقة لن يدفعها إلى تغيير سياستها في سوريا أو وقف الدعم عن حزب الله.