لوّح مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق، مجدّدا، بورقة استقلال الإقليم عن العراق، وذلك في خطوة لا تبدو منفصلة عن الأوضاع السياسية الداخلية للإقليم وما يميزها من تنافس شرس على موقع الرئاسة، ولا عن حسابات إقليمية –إيرانية تحديدا- ترى مصلحة في شق وحدة الصف الكردي بتوظيف التنافس التقليدي بين محوري أربيل والسليمانية.
وتأتي إثارة البارزاني لموضوع انفصال إقليم كردستان العراق في وقت يتعرّض فيه لضغوط شديدة لمنع ترشيحه مجدّدا لرئاسة الإقليم خصوصا من قبل رموز الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يسيطر عليه ورثة الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني وأيضا من قبل قادة حركة التغيير المنشقة عن الاتحاد، وذلك عبر محاولة الدفع بتعديلات دستورية يتم بموجبها الانتقال من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني، لكن أهم التعديلات المقترحة يمسّ منصب رئاسة الإقليم الأمر الذي سيعني عدم التجديد للبارزاني الذي تنتهي ولايته الحالية في التاسع عشر من أغسطس القادم، كما يعني وضع حدّ لطموحات نجله مسرور وابن شقيقه نيجيرفان في الفوز بمنصب الرئيس من بعده.
وتؤكّدمصادر عراقية وقوف إيران بقوّة وراء القوى المنافسة للبارزاني رغبة في شقّ وحدة الموقف الكردي بفصل الإدارة الكردية الحالية إلى إدارتين عبر إنشاء إقليم السليمانية حيث مركز الثقل التقليدي للاتحاد الوطني بزعامة الطالباني الأقرب إلى الحكم المركزي في بغداد بقيادة الأحزاب الدينية الموالية لطهران من جهة، والأبعد عن تركيا المنافسة لإيران بفعل تعاونه مع حزب العمال الكردستاني من جهة ثانية.
وبذلك تكون إيران بصدد محاولة إحياء العداوة القديمة بين معسكري البارزاني والطالباني والتي كانت وصلت حدّ نشوب الحرب بين فصيليهما في التسعينات القرن الماضي.
والهدف الأخير لإيران من وراء كل ذلك السيطرة على العراق بكامله بما في ذلك إقليم كردستان الذي يعمل البارزاني على فصله في شكل دولة مستقلة.
ويرى مراقبون أن تلويح البارزاني بورقة استقلال الإقليم بمثابة محاولة تصدير لأزمة داخلية بتقديم نفسه “بطلا قوميا” وزعيما للاستقلال.
وتدعم الظروف الحالية للعراق خيار البارزاني، حيث تتّبع الحكومة المركزية العراقية سياسات توصف بالمضادة للوحدة بتدعيم سيطرة شيعة البلاد على مقاليد الحكم في مقابل تهميش دور الطائفة السنية التي ينتمي إليها الأكراد. كما أن الحرب على تنظيم داعش دعمت دور أكراد العراق وأبرزت قوات البيشمركة الكردية كهيكل عسكري يمكن تحويله إلى جيش لدولة مستقلة.
وسبق للبارزاني أن شدّد على أن حدود الإقليم ترسم بالدم في إشارة إلى المشاركة الكردية الفاعلة في الحرب ضد تنظيم داعش.
وفي أحدث تصريح له بهذا الخصوص أوضح البارزاني في كلمة له خلال تفقده مواقع قوات البيشمركة الكردية على جبهات أربيل والموصل أن أكراد العراق أمام خياري “الاستقلال أو الخضوع”، منوها أنهم لن يختاروا الخضوع بأي شكل من الأشكال، ويفضلون الاستقلال، مضيفا “أن نضال أمتنا على مر التاريخ لم يكن من أجل بقاء الأكراد تحت نير الخضوع، فلم نقدم الشهداء كي نبقى تحت إمرة أحد”.
كما وجه رئيس الإقليم انتقادات لحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” و”حركة التغيير” دون أن يسميهما، على خلفية مطالبتهما بالانتقال إلى النظام البرلماني في حكم الإقليم.
ولفت البارزاني إلى أن “فرصة ذهبية” برزت للأكراد، وأنهم في قمة النجاح، مبديا استغرابه من “حديث البعض في هذه المرحلة عن ضرورة وجود إدارتين لكردستان”، مضيفا إن كانوا “غير راضين عن وحدة منطقة كردستان لهم الحرية في اختيار مكان آخر للعيش خارجها” على حد تعبيره.
وكان عماد أحمد المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الوطني الكردستاني قد اعتبر أن إقليم كردستان يواجه ظروفا حساسة ومشاكل جدية، رافضا ما وصفه بتجويع الاكراد لتحقيق مصالح سياسية.
وفي المقابل،وصفت حنان الفتلاوي رئيس كتلة ارادة بالبرلمان العراقي تصريح الحزب الديمقراطي الكردستاني بشأن السعي لطلاق بغداد بأنها تصريحات "فضائية وليست حقيقية"، مؤكدة ان الشعب العراقي تعب من مشاكل البارزاني وابتزازه للحكومات المتعاقبة.