موسكو- شددت روسيا أمس إجراءاتها بحق تركيا ردا على إسقاطها مقاتلة روسية قرب الحدود السورية عبر إعادة فرض نظام التأشيرة على الأتراك، واتهمتها بـ"تجاوز الحدود"، في حين تسعى أنقرة إلى إحياء الاتصالات بين البلدين لاحتواء التوتر.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للصحفيين بعد مباحثات مع نظيره السوري وليد المعلم "تم اتخاذ قرار بوقف نظام الإعفاء من التأشيرة مع تركيا. هذا القرار سيصبح نافذا في الأول من كانون الثاني (يناير) 2016".
ويأتي هذا القرار غداة دعوة وزارة الخارجية الروسية جميع مواطنيها الموجودين على الأراضي التركية إلى العودة لروسيا بسبب "التهديد الإرهابي الراهن في تركيا".
وأضاف لافروف "الأمر ليس انتقاما، التهديد فعلي"، وذلك بعيد اتهامه أنقرة بأنها "تجاوزت حدود ما هو مقبول" عبر إسقاطها الثلاثاء المقاتلة السوخوي 24 قرب الحدود السورية.
وكانت الطائرة الحربية عائدة من مهمة قتالية في شمال غرب سورية. وأعلنت تركيا أن المقاتلة انتهكت مجالها الجوي وقد حذرتها "عشر مرات في خمس دقائق"، في حين أكدت موسكو أنها كانت تحلق في الأجواء السورية ولم يتم تحذيرها قبل استهدافها.
وقتل أحد طياري المقاتلة فيما كان يهبط بمظلته فيما انقذ الاخر بعد عملية خاصة مشتركة للقوات الروسية والسورية. وكانت عملية إنقاذ أولى أسفرت عن مقتل جندي روسي.
ومنذ الحادث، تتهم روسيا تركيا بأنها على صلة بجهاديي تنظيم "داعش" وتطالبها بالاعتذار.
وأكد لافروف أمس أن "عددا كبيرا من المقاتلين انتشر انطلاقا من تركيا في اتجاهات مختلفة".
وكرر أن روسيا "تدعم بقوة" اقتراح الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند باغلاق الحدود بين تركيا وسوريا، املا ب"تنفيذ هذه المبادرة".
وأضاف "نحن مقتنعون بأنه مع إغلاق هذه الحدود، سنكون قادرين على تنفيذ قسم كبير من المهمة القاضية بالقضاء على الإرهاب داخل الأراضي السورية".
من جهته، رحب المعلم بتصريحات نظيره الفرنسي لوران فابيوس حول إمكان مشاركة الجيش السوري في مكافحة تنظيم داعش.
وقال المعلم خلال مؤتمر صحفي مع لافروف "ان كان فابيوس جادا في التعامل مع الجيش السوري والتعاطي مع قوات على الارض تحارب داعش فنحن نرحب بذلك"، مشيرا إلى أن ذلك "يتطلب تغييرا جذريا في التعاطي مع الأزمة السورية". وأكد أن "جيشنا جاهز للتنسيق مع أي قوات تقوم بالتشاور معه في سبيل مكافحة الإرهاب".
وكانت روسيا أعلنت الخميس أنها تعد اجراءات عقابية اقتصادية بعد الحادث الجوي، الاخطر بين البلدين منذ بدء التدخل الروسي في سورية.
ويمكن أن تشمل هذه التدابير تجميد مشاريع مشتركة وفرض قيود تجارية فضلا عن قيود على استخدام اليد العامة التركية في روسيا.
وفي دلالة أوضح على الغضب الروسي، قال رئيس مجلس النواب سيرغي ناريشكين أمس، إن روسيا لها حق الرد العسكري بعد أن أسقطت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي طائرة روسية في وقت سابق هذا الأسبوع.
وفي مقابلة مع محطة "ديجي24" التلفزيونية الرومانية قال ناريشكين "هذا قتل عمد لجنودنا وينبغي ان يكون هناك عقاب لهذا الفعل".
وتابع "نعلم من قاموا بذلك وينبغي محاكمتهم عليه، وفي الوقت ذاته سيكون هناك رد من الجانب الروسي قطعا بما يتماشى مع القانون الدولي، وإلى جانب ذلك فإن موسكو لها الحق أيضا في الرد العسكري".
وقال ناريشكين، إن موسكو خصصت موارد عسكرية إضافية لتعزيز أمن الطائرات الحربية الروسية.
وأضاف "تم تخصيص موارد عسكرية لنظام اس400 تريامف وهو نظام الدفاع الصاروخي الأكثر تطورا ويلعب دور الحفاظ على سلامة الطائرات الروسية خلال تحليقها وسلامة قواتنا العسكرية والجوية التي تضطلع بمهمة تدمير البنية التحتية الإرهابية لما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية، وغيره من التنظيمات التي تعمل في سورية".
وجدد زعماء العالم أمس دعوتهم الجانبين إلى تفادي التصعيد، وأكدت وزارة الخارجية الصينية هذه الرسالة ايضا.
إلا أنه لا يبدو في الوقت الراهن أية انفراجة للوضع حيث قال يوري اوشاكوف وهو مساعد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن الأخير رفض التواصل مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لرفض أنقرة الاعتذار عن إسقاط طائرة حربية روسية.
وقال اوشاكوف للصحفيين لدى سؤاله عن سبب رفض بوتين الردّ على اتصالات أردوغان "نرى عدم استعداد تركيا لمجرد الاعتذار عن واقعة الطائرة"، وهو ما أكدّه الرئيس التركي أيضا رجب طيب أردوغان في مقابلة تلفزيونية.
وأضاف المسؤول الروسي، أن الكرملين تلقى طلبا من أنقرة يتعلق باجتماع محتمل بين الرئيسين خلال قمة للمناخ في باريس في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) وأنه سيتم إبلاغ بوتين بذلك في وقت لاحق.
وذكر اوشاكوف أن بوتين سيجتمع في باريس مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لبحث الأزمة السورية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مضيفا أنه سيجتمع ايضا مع المستشارة الألمانية انغيلا ميركل لإجراء محادثات عن سورية وأوكرانيا.
ونظم نشطاء موالون للحكومة الروسية امس مسيرات مناهضة لتركيا مع تصاعد الغضب بشان اسقاط مقاتلة روسية بنيران تركية على الحدود السورية.
وفي شبه جزيرة القرم، تجمع عدد من الشباب حول دمية من القش وضع عليها وجه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وعلقت وسط ساحة سيمفيروبول الرئيسية.
وفي موسكو وضع نشطاء من جناح الشباب في حزب رودينا المحافظ، دمية مطاطية بحجم اردوغان في نعش، وسلموها للسفارة التركية.
من جانبه، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن امله بان يلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين "وجها لوجه" خلال قمة المناخ التي تفتتح الاحد في باريس، وذلك بهدف بحث الحادث الجوي الذي ادى الى تدهور العلاقات بين البلدين.
وقال أردوغان "لا أريد أن تضر هذه المشكلة بعلاقاتنا". وأكد أيضا أن الجيش التركي "كان يجهل جنسية" الطائرة الحربية ولم "يتعمد إسقاط طائرة روسية" بل عمد فقط إلى "تطبيق قواعد الاشتباك" المعمول بها.
وفي وقت تستمر المطالبة الروسية بتقديم اعتذار، كرر أردوغان رفضه هذا الأمر، معتبرا أن انتقادات موسكو "مرفوضة".
كذلك، اتهم روسيا حليفة النظام السوري بـ"اللعب بالنار" عبر الاستمرار في دعم نظام الرئيس بشار الأسد.
ورد لافروف مؤكدا أن "روسيا ستواصل تقديم كل الدعم الضروري لسورية في معركتها لتدمير الإرهاب".
وأكد رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو ان بلاده "ستعمل" مع روسيا "لاحتواء التوتر"، وذلك في مقال نشرته صحيفة تايمز البريطانية أمس.-(وكالات)