ليلة حالكة مرّت على رجب طيب أردوغان أمس. لم يتوقّع أكثر المتشائمين من فريقه التعرّض لانقلاب عسكري. مرّت ساعات وبقيت الصورة ضبابية عند الرئيس وحكومته والدول الغربية. بدأت المسألة بـ«تمرّد مجموعة صغيرة» لتظهر أنها محاولة انقلاب جدّية أُجهضت مع ساعات الصباح الأولى. في النتيجة تبيّن أن «السلطان» أثبت أنّه روّض جيلاً من الضباط الأوفياء... رغم أنه كان يعتقد أنّه ممسك بكل مفاتيح اللعبة. «ثمرة» أتاتورك ظهرت في عدد من «الانتحاريين» الذين قرروا العودة بتركيا إلى «عهد العسكر»... لكن الكلمة الأخيرة كانت للحاكم الأوحد
عام 2014 صدر حكم بالسجن مدى الحياة لقائد انقلاب عام 1980 الجنرال كنعان افرين مع قائد القوات الجوية الأسبق تحسين شاهين كايا لدورهما في انقلاب عسكري و«قلب النظام الدستوري».
بدأ الأمر عند نحو الساعة الحادية عشرة من مساء أمس، عندما أعلنت مجموعة انقلابية في الجيش التركي، أنها استولت على السلطة، وصرّحت في بيان بثّه التلفزيون الرسمي حظر التجوال وفرض الأحكام العرفية.
عاد اسم فتح الله غولن إلى الظهور مجدداً مع اتهامات رجب طيب أردوغان جماعات مقربة من الأول بالتورط في محاولة الانقلاب ضده
هو اسم معروف لكل الأتراك، ولمتابعي شؤون الإسلام السياسي في المنطقة، لأنك لا تكاد تذكر الحركة الإسلامية التركية من دونه، خاصة عند ذكر نجم الدين أربكان، الذي اختار المواجهة المباشرة والانخراط في اللعبة السياسية الديموقراطية، فيما فضّل هو «الكفاح بكل نشاط».
«قاهر الجيش» يتذوّق طعم الانقلاب
الرجل الذي سعى جاهداً في خلال الأعوام الأخيرة إلى تكريس زعامته السياسية في تركيا، وكان كل شيء في تصرفاته ولغته يؤكد حلمه بالتحوّل إلى الزعيم التركي الأوحد، كان مصيره السياسي فجر اليوم مجهولاً. خلال ساعات مرّت بطيئة، كان قادراً ربما على إدخال تغييرات في مسار الأمور، كما كان بالإمكان سقوطه في أيدي «مجموعة الانقلابيين».
الخوف من الانقلابات الذي كان يلاحقه وحزبه «العدالة والتنمية» طوال أكثر من عقد في الحكم، كأنّه بدا فجأة على محيّاه حين ظهر على التلفاز من خلال الهاتف المحمول. حاول التأكيد أنّ «منفذي محاولة الانقلاب» لن ينجحوا، ودعا مواطنيه إلى النزول إلى الشارع. وقال، عبر قناة «سي أن أن تورك» المقربة منه: «لا أعتقد أبداً أن منفذي محاولة الانقلاب سينجحون»، مشدداً على أنه سيظل الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد، وأن الانقلابيين سيدفعون «ثمناً باهظاً جداً».
طبعاً، لم يكن بالإمكان التكهن بما كانت ستؤول إليه الأمور. لكن صورة ذلك الرجل الذي حكم تركيا بيد من حديد وتحوّل خلال مرحلة «الربيع العربي» إلى ملهم لكثير من الحركات الإسلامية، وإلى مفاوض أتقن ابتزاز الاتحاد الأوروبي في خلال الأشهر الأخيرة عبر قضية اللاجئين، كادت أن تختصر الكثير من تاريخ هذه المنطقة، وأن تعيد إلى الصدارة مشهد الانقلابات المؤسسة لمرحلة عربية وإقليمية حاسمة منذ منتصف القرن الماضي.
"الاخبار"