لا صوت يعلو فوق صوت المال في الانتخابات الرئاسية الأميركية. خلاصة يمكن التوصل إليها انطلاقاً من اعتبارات عدّة، لا تقل أهمية عن العناصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تدفع باتجاه اختيار رئيس وترجيح كفّة مرشح على آخر
بصرف النظر عن نتيجة أي انتخابات رئاسية منذ إنشاء الولايات المتحدة إلى اليوم، فإن كل شيء يبدو متغيّراً، بدءاً من المرشحين مروراً بالظروف المؤثرة، وصولاً إلى آراء الناخبين، فيما الثابت الوحيد هو المال، الذي يبقى عصياً على أي قيود، لدرجة أنه يمكن تغيير قواعد اللعبة من أجل تأكيد حريته.
قبل أيام، أُعلِن أن حملة المرشحة الديموقراطية حققت رقماً قياسياً من حيث الأموال التي حصلت عليها في سباقها الانتخابي. فوفق التقديرات، حازت 1.3 مليار دولار، بينما حصل المرشح الجمهوري دونالد ترامب على 795 مليون دولار. الأرقام تتكلم هنا، فهي قد تعني أن الرئيس الأميركي يصل عبر الأصوات الناخبة، وعبر رنين العملة (إلا إذا قلب دونالد ترامب، وخطابه، المعادلات).
وبتفصيل هذه الأرقام، يتبيّن أن أثرياء الولايات المتحدة وأصحاب الشركات الكبرى يريدون أن تكون كلينتون هي الرئيسة. فقد حصلت هذه الأخيرة على 556 مليون دولار من طريق حملتها، فيما حصلت من طريق الحزب الديموقراطي ولجان جمع التبرعات المشتركة على 544.4 مليون دولار، أما عبر اللجان السياسية أو ما يعرف بـ Super Pacs، فقد حصلت على 188 مليون دولار.
ترامب من جهته، حصلت حملته على 248.3 مليون دولار، بينما وصله من طريق الحزب ولجان التبرعات المشتركة 486.7 مليون دولار، وعبر لجان العمل السياسي 60.1 مليون دولار.
ولمن لا يعرف ما هي لجان العمل السياسي، فقد دخل هذا المصطلح على القاموس الدستوري الأميركي، بهدف إعطاء التمويل السياسي صفة رسمية تحت صندوق دعم لحملة مرشح معيّن. إلا أن هذا المصطلح وغيره من التعديلات على القانون الانتخابي، منذ عام 1971 إلى اليوم، أوجدت وسائل يمكن من خلالها أن تتجاوز الحملات الرئاسية القيود المفروضة، فيما تُمكّن الجهات المانحة من الالتفاف على القانون، بتقديم الأموال للأحزاب، أو لجان العمل السياسي وليس إلى المرشحين مباشرة.
وفي الاستحقاق الحالي، رجّحت كفة التمويل السياسي هيلاري كلينتون. وقد أسهمت في ذلك أسماء أثرياء تداولها الإعلام الأميركي، في خلال الأشهر الماضية. ومن هؤلاء:
1. توماس سيتير: (منح) 67.3 مليون دولار. هو مليادير مناصر لحماية البيئة، ومدير سابق لما يسمى «صناديق الاستثمار»، وقد أعلن دعمه لكلينتون في بداية حزيران، استكمالاً لعلاقة طويلة الأمد مع عائلة كلينتون.
2. ميريام وشيلدون أدلسون: 52.7 مليون دولار. قطب الكازينو وزوجته كما يسميان في الإعلام الأميركي، كانا من أبرز الممولين لحملة عام 2012، ودخلا متأخرين إلى حملة هذا العام بتمويل الانتخابات لمجلس الشيوخ وحده بمبلغ 20 مليون دولار، فيما منحا نسبة تافهة لترامب تصل إلى 5 ملايين دولار، وفق تقرير لموقع «بلومبرغ».
منحت جماعات الضغط
في 3 أشهر 11 مليون دولار لكلينتون وصفراً لترامب
2. دونالد سوسان: 39.1 مليون دولار. هو مدير ما يسمى «صناديق الاستثمار»، وقد سخّر معظم أمواله للجان العمل السياسي الداعمة لكلينتون.
3. فريد آيشانير: 34.3 مليون دولار: وهو مالك أحد المنظومات الإعلامية، وقد بدأ هذا الأخير عمله صحافياً، وكان من أهم الممولين لحملات الحزب الديموقراطي منذ عام 1990. وصفته صحيفة «واشنطن بوست» بأنه ممول كبير للجان العمل السياسي الداعمة لكلينتون ولمرشحي الحزب لانتخابات الكونغرس.
4. روبرت مرسر: 21.2 مليوناً. مدير إحدى شركات التكنولوجيا الكبرى، كان قد موّل اللجان الداعمة لمرشح الحزب الجمهوري تيد كروز في خلال الانتخابات التمهيدية، إلا أنه حالياً يموّل جهود كلينتون الانتخابية.
5. مايكل بلومبرغ: 20.1 مليوناً. ملياردير ومدير تنفيذي ومؤسس شركة «بلومبرغ. ل. بي» والعمدة السابق لمدينة نيويورك، استخف بترامب، فيما أعلن دعمه لكلينتون في خلال مؤتمر اللجنة العام للحزب الديموقراطي في تموز. هو واحد من ثمانية أغنى رجال في العالم، بثروة تقدر بـ42.5 مليار دولار، وفقاً لمجلة «فوربس».
6. بول سينجر: 19.8 مليون دولار. كان من أبرز الممولين للجان الداعمة للمرشح الجمهوري ماركو روبيو خلال الانتخابات التمهيدية، فيما دعم أيضاً إحدى أبرز الجماعات المعارضة لترامب، على حدّ تعبير صحيفة «واشنطن بوست».
7. جورج سوروس: 19.5 مليون دولار. مدير أحد صناديق الاستثمار التي تبرعت بمبلغ 3 ملايين دولار للجان السياسية التي تعمل على تحريك أصوات الناخبين البيض، لمصلحة كلينتون والحزب الديموقراطي.
8. داستين موسكوفيتز وكاري تونا: 17.3 مليون دولار. ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن موسكوفيتز وزوجته قادمان جديدان إلى عالم الممولين السياسيين. وأوضحت أن موسكوفيتز المؤسس المساعد لموقع «فايسبوك»، قدّم أموالاً طائلة للجان السياسية الأساسية الداعمة لهيلاري كلينتون.
9. حاييم سابان: 13.5 مليون دولار. وهو قطب إعلامي، مولود لعائلة من المصريين اليهود، معروف بدعمه التاريخي للديموقراطيين. وكان قد أكد أن احتمال فوز ترامب يعد كارثياً لإسرائيل.
يمكن إضافة تفصيل آخر يقف وراء إعلاء شأن كلينتون على ترامب في التمويل السياسي، ومنها ما كانت قد ذكرته صحيفة «واشنطن بوست»، الشهر الماضي، عن أن جمعيات الضغط قدمت 11 مليون دولار لكلينتون، منذ شهر تموز (أي منذ إعلان الترشيح الرسمي) حتى شهر أيلول، فيما لم يحصل ترامب على «قرش واحد» في الفترة ذاتها.
في المحصلة، يمكن اختصار دور هذا المال، عبر مطوّلة كتبها مايكل مونيتا مؤسس «وول باك»، وهي جمعية تدعو إلى إدراج قيود على المال السياسي. ويرى مونيتا أنّ هذا التمويل يكرّس أمرين:
*الهيمنة: أي إنه عندما يُسمح للمال بالدخول إلى السياسة، يمكن رجال الأعمال والشركات أن تؤثّر أو تنال السيطرة على السياسيين، بينما يتمكن هؤلاء الذين يملكون الأموال من ترجيح دفة سياسة معيّنة، من أجل الاستفادة اقتصادياً، أو الحصول على المزيد من السلطة ضمن المجتمع.
*المحسوبية: يشير مونيتا إلى مواقف عدة تجعل المرشحين السياسيين مدينين لأفراد، لذا هناك احتمال كبير في أن يتمكن هؤلاء من إمرار خدمات (من بينها التعيينات السياسية والمواقف). وتتجلى أيضاً المحسوبية السياسية في توزيع المناصب الحكومية والعقود للمفضلين.
لعلّ هذا العرض يشير إلى تاريخ من الفساد الناتج من دخول المال السياسي مضمار «الرئاسيات الأميركية»، لينعكس ذلك بتبادل مصالح بين المرشح والداعم... فالاثنان يحصلان على السلطة في النهاية.
الاخباراللبنانية