يتفهم جيّدا عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني عددا من الإشكالات التي تواجه المستثمرين في بلاده، ما يضطره هذه المرة للحديث في التفاصيل الخدمية المطلوبة لإصلاح بيئة الاعمال في العاصمة عمان، الامر الذي يرتبط بصورة أساسية بقناعة عاهل البلاد مؤخرا من جهة بأن مستقبل المساعدات لبلاده بنحسر، ومن جهة ثانية لتهيئة البيئة الخصبة لمشروعات جديدة يتأمل جذبها ضمن مشاريع الصندوق الاستثماري.
توقيت الحديث المذكور يأتي بالتزامن مع بدء التحضيرات للمنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “دافوس″ والذي سيحتضنه الأردن مجددا في البحر الميت، وهو المؤتمر الذي يشكل فرصة بالنسبة لعاهل البلاد لترويج تطوّرٍ جنيني في عاصمة البلاد.
هذا من ناحية التوقيت العالمي، أما التوقيت المحلي وفي الوقت الذي تتحضر فيه البلاد لاجراء انتخابات بلدية في اب المقبل، فإن لقاء عاهل الاردن عمدة العاصمة المؤقت يوسف الشواربة، يرسل المزيد من الرسائل عن ضرورة عدم الارتكان للصفة المؤقتة للرجل وضرورة سير الاصلاحات في الاثناء، خصوصا مع دنوّ موسم الصيف السياحي بالنسبة لعمان.
وأكد الملك، خلال ترؤسه اجتماعا لمناقشة تطوير بيئة الأعمال في العاصمة عمان، ضرورة العمل على تسهيل الإجراءات أمام المواطنين والمستثمرين، لتمكينهم من تخطي العقبات التي ما زالت تقف أمامهم، لافتا إلى ضرورة تكثيف الجهود، لتحقيق أثر ملموس قبل موعد إجراء انتخابات مجالس المحافظات والبلديات القادمة.
الخدمتان الاساسيتان اللتان ذكرهما الملك هما “توفير الخدمات الإلكترونية”، و”تحسين خدمات النقل العام في عمان”، وهنا وفي سياق ذكرهما لا يتحدث عاهل البلاد عن خدمات ترفية وتكميل، بل اساسية جداً ويشكو منها المواطنون قبل المستثمرين بكل الاحوال.
الخدمات المذكورة، ليست وحدها التي تنقص عمان اليوم، رغم كونها اساسية، إلا أن اللافت في حديث عاهل الأردن خلال الفترة الماضية تحوّله من الأحاديث التي ترسم خطوطا عريضة للحالة، إلى الحديث في التفاصيل، ما يؤكد رؤيا نخبوية سياسية راسخة بأن الأدوات المتواجدة في مختلف مفاصل الدولة لا تلتقط بمعظم الأحوال رسائل الملك، أحيانا عن ضعف وأخرى عن خبث.
عدم الالتقاط لطالما عبر عنه رجال السياسة على مسامع “رأي اليوم” مرارا، باعتبار ضعف الأدوات يجعلها إما فعلا غير قادرة على رصد رسالات الملك، أو أنه يخيفها من تطبيق رؤى الملك التي قد لا تسلم هي منها. “عند طبقة الأدوات تتشوه رؤى الملك”، هو تعبير يتردد في الأروقة السياسية والاقتصادية على حد كبير.
من هنا يبدو أن عاهل البلاد ذاته قرر أن يغير استراتيجيته في الحديث للمسؤولين وتوجيههم مباشرة ولنقاط محددة لا يمكن معها المراوغة. وهنا أيضا رسالة من النوع القاسي والمرهق على الملك ذاته، خصوصا وهو يضطر الذهاب إلى تفاصيل التفاصيل فقط لكون الأدوات المحيطة به على الأغلب لا تعكس رؤاه ولا ترى ما يراه.
بكل الأحوال، لقاءات الملك ذات الطابع الخدمي لا تنحصر بالعادة في الرسائل الخدمية، ودوما ما تأتي تحت شعار “التأكيد والطمأنة” على استقرار الأردن للداخل من جهة، وعلى انشغال البلاد في شؤونها وانغماسها فيها من جهة ثانية، وبالتالي عدم رغبتها في التدخل في شأن جيرانها، وهنا ترسل عمان أيضا رسالتها الجديدة للنظام السوري على وجه الخصوص، خصوصا مع اقتراب موعد تمرينات الأسد المتأهب التي لطالما لفّها الغموض.