عادت ظاهرة التعذيب في سجون القوات الموالية للإمارات بجنوب اليمن، إلى الواجهة مرة أخرى. وهذه المرة عادت هذه الظاهرة المتكررة التي تقف وراءها قوات موالية للإمارات، من محافظة أبين، مثيرة أزمة قبلية لازالت مستمرة على خلفية إعدام الشاب سعيد الصبيحي، الذي تتهم أسرته قائد الحزام الأمني السابق بمحافظة لحج وقائد أحد ألوية الدعم والإسناد حاليا، هدار الشوحطي، بإعدام نجلهم.
وقالت مصادر صحفية إن نقطة تابعة للحزام الأمني احتجزت الشاب أحمد عبدالله الزين في مدخل مدينة شقرة، قبل أيام، ونقلته إلى أحد سجونها، قبل أن يتم إبلاغ أسرته بوفاته شنقا. وأفادت المصادر أن الشاب أحمد الزين تعرض للتعذيب في سجون الحزام الأمني (تشرف عليها الإمارات) عدة أيام، قبل أن يلفظ أنفاسه تحت التعذيب، وينقل إلى مستشفى الرازي بمدينة جعار محافظة أبين، الأحد 4 مارس 2018.
ورفضت أسرة الزين دفن جثته، وطالبت بتسليم المتهمين بقتله، والكشف عن ملابسات مقتله، خاصة أن قيادة الحزام الأمني تقول إن الشاب انتحر، غير أن مصادر مقربة من أسرته تقول إن علامات تعذيب وُجدت على جثته التي لا تزال في ثلاجة الموتى.
وتطورت قضية الزين بعد فشل وساطة لإقناع أسرته بدفنه، وقام قبليون من آل العميسي بقطع الطريق الساحلي الرابط بين محافظتي عدن وحضرموت في مدينة أحور الساحلية. ولا يزال الطريق مقطوعا وعشرات الناقلات والسيارات منتظرة على الطريق، وسط إصرار العناصر القبلية على الكشف على المتهمين وتسليمهم للقضاء، مع استمرار حشد عناصر قبلية مسلحة إلى محيط المنطقة التي قطعت فيها الطريق. ووصل التوتر ذروته بعد انتشار قوة من الحزام الأمني في محيط النقطة التي نصبتها العناصر القبلية، ما ينذر بانفجار الوضع عسكريا، في حال حصل احتكاك بين الطرفين.
من جهة أخرى، توسعت دائرة الاغتيالات التي تستهدف القيادات الدينية في اليمن والقادة العسكريين، لتمتد من العاصمة المؤقتة عدن، إلى وادي حضرموت، جنوبي اليمن، لتثير الكثير من الجدل والتساؤلات حول المستفيد من حالة التدهور الأمني في مناطق وادي حضرموت التي ظلت بعيدة عن دائرة الصراع في اليمن. وشكل اغتيال العلامة عيدروس بن عبدالله بن سميط، أحد أبرز الوجوه الدعوية الصوفية، في منطقة تريم بحضرموت شرق اليمن، فاجعة هزت أرجاء اليمن، ليثار السؤال القديم الجديد حول من المستفيد من تلك الاغتيالات ومن يقف وراءها.
وفي كل مرة، تشير أصابع الاتهام إلى الإمارات، لخدمة أجندتها في السعي للسيطرة على وادي حضرموت، آخر معاقل تواجد الجيش اليمني الموالي للشرعية، ونقطة النفوذ الوحيدة المتبقية للسعودية في الجنوب اليمني. وأعقب حادثة الاغتيال حملة إعلامية مكثفة من قبل أدوات الإمارات للمطالبة ببسط قوات النخبة الحضرمية (تابعة للإمارات) سيطرتها على وادي حضرموت، وتوجيه الاتهامات من جديد للمنطقة العسكرية الأولى الموالية للشرعية بالوقوف وراء هذه الاغتيالات والمطالبة بطردها.
ودعم تلك الحملة السياسيون اليمنيون الجنوبيون الموالون للإمارات، في خطة يراها مراقبون يمنيون، ممنهجة ومعد لها مسبقا، حيث دعا رئيس الوزراء السابق خالد بحاح إلى "استنفار مجتمعي لكي تكون النخبة لكل حضرموت وتحفظ البلاد والعباد"، وهي دعوة صريحة من الرجل لتسليم وادي حضرموت لقوات النخبة الحضرمية التابعة للإمارات. ودشن حلفاء الإمارات هاشتاج على مواقع التواصل الاجتماعي، "النخبة لكل حضرموت"، وطالبوا بإخراج المنطقة العسكرية الأولى التابعة للجيش اليمني، بتهم تعاونهم مع القاعدة، وانتماء معظم الجنود للمناطق الشمالية، وهو ما دفع الكثير من اليمنيين إلى توجيه أصابع الاتهام للإمارات المستفيد الأول من الاغتيالات وحالة الانفلات في وادي حضرموت. واستغرب ناشطون يمنيون التصعيد الإعلامي للمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات ضد حوادث الاغتيال في حضرموت، في حين تشهد عدن الخاضعة فعليا لسيطرة الحزام الأمني والقوات الإماراتية عشرات الاغتيالات، دون الكشف عن من يقف وراءها حتى الآن.
وسبق للقوات الموالية للإمارات في المحافظات الجنوبية أن ارتكبت عددا من الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان، وهاجمت نهاية يناير الماضي مسنودة بطيران إماراتي ألوية الحماية الرئاسية في عدن وأسقطت المعسكرات والمقار الحكومية وقصفت مخازن السلاح، كما حاصرت مقر الحكومة الشرعية في قصر معاشيق لولا تدخل السعودية في النهاية.
وبمواجهة تلك الحملة صرح أركان حرب المنطقة العسكرية الأولى، العميد الركن يحيى أبو عوجاء، مؤكدا أن قوات المنطقة الأولى بقيادة اللواء الركن صالح طيمس، تخوض حربا بلا هوادة ضد العناصر الإرهابية في حضرموت. وأضاف أن المنطقة الاولى هي الوحيدة التي لم تسلِّم لا للانقلابيين ولا للإرهابيين، ولولا قوات المنطقة لكانت سيئون سقطت قبل المكلا عقب سقوط صنعاء. وتعهد العميد أبو عوجاء بمساندة الجيش للوحدات الأمنية في القبض على العناصر الإرهابية التي ارتكبت جريمة اغتيال العالم الجليل الحبيب عيدروس بن سميط. وسبق حادثة اغتيال بن سميط، إطلاق القوات الإماراتية عملية عسكرية أسمتها "الفيصل"، للسيطرة على وادي المسيني غرب المكلا بحضرموت، وعقب يومين، أعلنت الانتصار على مسلحي القاعدة في الوادي، دون أي معارك حقيقية أو تغطية إعلامية تكشف حقيقة ما حدث، لكنها عملية فتحت الطريق نحو سيئون عاصمة وادي حضرموت بحسب متابعين. ويجمع اليمنيون على أن أطماع الإمارات لم تعد خافية على أحد، و تلميحات رئيس الحكومة في وقت سابق، فجرها وزير النقل صالح الجبواني، نهاية الشهر الماضي، ودعا بشكل صريح إلى "اتخاذ قرار سيادي يصحح العلاقة مع الإمارات". وقال إن الجيوش القبلية والمناطقية التي أنشأتها الإمارات هي سبب الوضع المزري في المحافظات المحررة. كما يرى محللون يمنيون، أن السعودية والإمارات تتبادلان الأدوار في اليمن، حيث تتعامل أبوظبي مع محافظات الجنوب والمناطق الحيوية الاستراتيجية الخاضعة لسيطرة قوات تابعة لها، وكأنها إمارتها الثامنة، فيما تركت المحافظات الشمالية للسعودية.
الشرق القطرية