اثارت جرائم التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن صراعا كبيرا داخل الولايات المتحدة الامريكية، تركز بين البنتاغون والكونجرس بشأن صفقة ضخمة وتسليح ضخمة مع السعودية، تدرس وزارة الخارجية الأمريكية الموافقة عليها بأكثر من مليار دولار. إلا أن هذا الأمر خلق صراعات حادة بين أركان النظام الأمريكي، فهناك فريق ممثلاً بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد يحاول بشراسة التصدي لجهود فريق آخر من كلا الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) في الكونجرس، الذي يحاول من جهته وضع حد لدعم واشنطن للرياض بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
ويضغط أعضاء الكونجرس للتوصل إلى قرارٍ يقولون إنَّه قد يمنع واشنطن من منح السعوديين "شيكاً على بياض" في الصراع الدائر في اليمن التى بحسب الأمم المتحدة، قُتِلَ 10 آلاف مدني وأُصِيب 40 ألفاً في المعركة، الأمر الذي أدَّى إلى واحدةٍ من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
وهرع كبار مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ووزارة الخارجية إلى الكونجرس الأسبوع الماضي لتحذير أعضاء الكونجرس، في جلسة سرية مغلقة، من أنَّ الإجراء الذي يرغب مجلس الشيوخ في اتخاذه قد يُضر بالعلاقات مع السعودية على نحوٍ خطير.
طبيعة الجدل الدائر
ويُصرَّ البنتاغون على أنَّ جميع مساعداته العسكرية هي مساعدات غير قتالية، مثل إرشاد القوات الجوية السعودية إلى تبنِّي طرقٍ للقصف من شأنها تقليل عدد القتلى المدنيين. لكن في الوقت نفسه، تتودد شركة التعهُّد الدفاعي الأمريكي رايثيون إلى كلٍ من أعضاء الكونجرس ووزارة الخارجية الأمريكية من أجل السماح لها ببيع 60 ألف قطعة ذخيرة دقيقة التوجيه لكلٍ من السعودية والإمارات، العضو الآخر في الحملة الجوية على اليمن، في صفقاتٍ تُقدَّر بمليارات الدولارات.
وأشار مايك لي السيناتور الجمهوري عن ولاية يوتا الذي شارك في طرح مشروع القرار، أمام المجلس الأسبوع الماضي إلى أنَّ "الحكومة الأمريكية تزعم بأنَّها غير منخرطة في الأعمال العدائية ما لم يُطلق العدو النار على أفراد القوات الأمريكية الموجودين على الأرض". وأضاف: "انَّها (الحكومة الأمريكية) توسِّع الخيال، وتُمدِّد اللغة الإنجليزية إلى ما وراء نقطة الانهيار، عند إشارتها إلى أنَّ القوات العسكرية الأمريكية غير منخرطة في الأعمال القتالية في اليمن".
وعن القرار الذي يرغب مجلس الشيوخ اتخاذه، قالت إليزابيث وارن، السيناتورة الديمقراطية عن ولاية ماساتشوستس، إنَّ القرار سيسمح لعمليات مكافحة الإرهاب المدعومة أمريكياً ضد تنظيم القاعدة في اليمن بالاستمرار، لكنَّه "يضمن ألَّا تمنح الولايات المتحدة السعوديين شيكاً على بياض لقصف اليمن وجعل الأزمة الإنسانية هناك أسوأ".
جلسات نقاش حادة
وترصد نيويورك تايمز حدوث جلسات استماع وصفتها بالحادة للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، اتهم بعض أعضاء الكونجرس البنتاغون بالتواطؤ في حملة القصف الجانِحة التي تقودها السعودية. في حين قالت السيناتورة الديمقراطية عن ولاية هاواي، مازي هيرونو: "إنَّنا نُمكِّن السعوديين من مواصلة معركتهم هناك".وردَّ الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة الأمريكية الشرق الأوسط: "لسنا طرفاً في هذا الصراع". مما دفع مازي للرد مجدداً: "نحن نساعدهم، إنَّنا نمكَّن السعوديين من القيام بذلك".
ويقول مسؤولو البنتاغون إنَّ المستشارين الأمريكيين لا يقدِّمون موافقةً مباشرةً أو غير مباشرة على اختيار أهداف القصف أو تنفيذ عمليات قصفها. لكنَّهم في المقابل يُقدِّمون المشورة في ما يتعلَّق بإجراءات الاستهداف وتسهيل عمليات فحص قائمة المباني التي "لا ينبغي قصفها"، مثل المساجد والأسواق. ومؤخراً، ساعدوا السعوديين في تحسين فعالية استخدامهم لأنظمة باتريوت المضادة للصواريخ.
ووصف تقريرٌ مُقدَّم إلى مجلس الأمن في يناير الماضي "التدابير الوقائية" التي يتَّخذها التحالف بكونها "غير كافية وغير فعَّالة إلى حدٍ كبير"، وقال التقرير إنَّ "استخدام الأسلحة دقيقة التوجيه هوَ مؤشرٌ قوي أنَّ الأهداف المقصودة كانت هيَ بالفعل تلك التي تعرَّضت للقصف الجوي".
طبيعة الصفقة السعودية
وعن الصفقة التي تسعى المملكة لعقدها، حيث ترغب الرياض في شراء المزيد من الأسلحة الموجَّهة بدقة. قال ويليام هارتونغ، وهو مدير مشروع الأسلحة والأمن بمركز السياسة الدولية بواشنطن، إنَّ الصفقة ستكون "ضخمة بمعايير تجارة الذخائر بين الولايات المتحدة والسعودية، وستكون قطعاً بين أكبر الصفقات المعقودة بالنسبة لأنظمة الدفاع التي ستتضمنها على الأرجح، إن لم تكن الأكبر على الإطلاق".
ولطالما ربطت مجموعات حقوق الإنسان الأسلحة أمريكية الصنع بالنزاع الدائر في اليمن. وقال تقريرٌ نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش في مايو 2017 إنَّ ذخائر من صنع شركة رايثيون قد استُخدِمت في أربع هجماتٍ على الأقل شنَّها التحالف بقيادة السعودية على أبرياء.