أدَّى الزَّعيم الماليزيّ مهاتير محمد اليوم الخميس اليَمين الدُّستوريّة لتَولِّي رِئاسة الوُزراء في البِلاد إثر فَوزِه الكاسِح والمُفاجِئ في الانتخابات البَرلمانيّة، وعَلى رأس تَحالُفٍ، ويا للمُفارقة، يَضُم أحزابًا كانت تُعارِضُه عِندما كانَ في السُّلطةِ قبل عَقدَين تَقريبًا.
الاحتفالات عَمَّت ماليزيا، وبانَت علامات الفَرحة على وُجوه الغالِبيّة السَّاحِقة، وسادَت أجواء التَّفاؤُل، لأنّ مهاتير استطاع خِلال تَولِّيه الحُكم في ماليزيا كرَئيسٍ للوزراء لأكثَر من 22 عامًا، أن يُقَدِّم تَجرِبَة اقتصاديّة وسياسيّة نَموذَجيّة، تُضاهِي نَظيرَتها في سنغافورة على يَد الزَّعيم المُؤَسِّس لي كوان لي، وجَعل من ماليزيا من أقوى نُمور آسيا، وحَقَّق مُعدَّلات نُمو فاقَت العَشرة في المِئة، ونَقلت ماليزيا من إحدى دُوَل العالم الثَّالِث إلى مُعسكَر الدُّوَل المُتقَدِّمة في سَنواتٍ مَعدودةٍ، ودُونَ أن تَفقِد هَويَّتها الإسلاميّة، أو تتخلَّى عَن مَواقِفها الرَّافِضة للاحتلال الإسرائيلي، رُغم الضُّغوطِ الشَّرِسَة التي مُورِست عَليها.
عَودة مهاتير إلى الحُكم على أهَمِيَّتِها، تُشعِرنا بالفَرح والحُزن في آنٍ، بالفَرح لأنّ ماليزيا تَحت قِيادَتِه ستَتخلَّص من أدرانِ الفَساد المُستَشرِية في البِلاد، وسَتعود إلى الطَّريق الصَّحيح اقتصادِيًّا وسِياسيًّا، وبالحُزن لأنّ مَدرسة مهاتير محمد لم تُخَرِّج تلاميذَ أكِفَّاء يَحمِلون الرَّاية من بَعدِه، ويسيرون على نَهجِه، فالرَّجُل يَعود إلى الحُكم وهو في سِن التِّسعين (92 عامًا) وبَعد أن غادَرَهُ طَوْعًا.
لا نَعتقِد أنّ هُناك رئيسًا يُمكِن أن يُحِب بِلاده أكثر مِن مهاتير محمد، وأن يُضحِّي بكُرسي الحُكم وهُو في ذَروة عَطائِه، لإفساحِ المَجال أمام الدِّيمقراطيّة الماليزيّة لإيجاد البَدائِل الشَّابّة، وعِندما أدرَك أنّ بِلاده في حَاجَةٍ إليه، قَرَّر العَودة، وتَحَمُّل المَسؤوليّة، وتَصالَح مع خَصمِه اللَّدود أنور إبراهيم، الزَّعيم المُعارِض الذي يَقبًع خلف القُضبان بِتُهَم يُشَكِّك البَعض في صُدقِيَّتها.
نُرَحِّب بعَودة مهاتير محمد إلى رِئاسة الوزراء بمُبايَعةٍ شَعبيّةٍ غير مَسبوقَةٍ، وعَبْرَ صناديق الاقتراع، في انتخاباتٍ حُرَّةٍ وشَفَّافَةٍ، ونَتضَرَّع إلى الله أن يَطول عُمُرَه، ويُحَقِّق الإصلاحات التي تَحتاجها البِلاد، ويَعمَل على تَصعيدِ قِيادَةٍ شابَّةٍ جديدةٍ تَقود البِلاد من بَعدِه.
“رأي اليوم”