كشف الأديب الإسرائيليّ التقدّمي، يتسحاق لاؤر، النقاب في مقالٍ نشره اليوم الأحد في صحيفة (هآرتس) العبريّة، كشف النقاب عن أنّه في الرابع والعشرين من شهر أيّار (مايو) من العام 1948، وقبل الاجتياح المصريّ لقطاع غزّة، تسلل مستعربان إسرائيليان إلى القطاع وقاما بتسميم آبار مياه الشرب لنشر أمراضٍ خطيرةٍ بهدف قتل أكبر عددٍ من السكّان، ومن اللاجئين الذين كانوا يتوافدون إلى المنطقة بعد تشريدهم، وأضاف أنّ الفلسطينيين تمكّنوا من القبض عليهما وإعدامها، ولكنّه تساءل في الوقت عينه لماذا لم تُطالب إسرائيل بإعادة الجثتين لا في الاحتلال عام 1056 ولا في الاحتلال عام 1967، وما زال الأمر مُستمّرًا حتى اليوم حتى اليوم، على حدّ قوله.
ورأى الأديب الإسرائيليّ أنّ هذه الحداثة وحوادث أخرى تؤكّد تمسّك إسرائيل بنظرية القتل الجماعيّ ضدّ الفلسطينيين، التي ما زالت تُطبّق حتى يومنا هذا. ولفت إلى أنّه في اليسار الإسرائيليّ يعشقون اقتباس الرثاء الذي ألقاه موشيه ديّان على قبر روعي روتنبرغ، والذي يرى فيه اليسار كم هي “مسكينة الصهيونيّة”: نحن نطرد، نحن نُجوّع، وأنتم تُحاولون الردّ، وعليه نجد أنفسنا مضطرين إلى الدفاع عن أنفسنا من الـ”مُتسللين” والـ”فدائيين” والـ”مخربين” وباقي الـ”غرباء”، وشدّدّ الأديب لاؤر على أنّ هؤلاء الـ”مُخرّبين” في هذه الأيّام هم عناصر حماس، الذين يتظاهرون على جدران الغيتو، وعليه فإنّ الحكم عليه هو الإعدام، مُوضحًا في الوقت عينه أنّ هذه هي عمليًا النظرية الكولونياليّة الصهيونيّة: نجن بشرًا، وأنتم جراثيم”، على حدّ وصفه.
وتابع الأديب الإسرائيليّ قائلاً إنّه على مدار السنوات لم تتوقّف في إسرائيل ظاهرة عرض البرامج والخطط من المؤسسة الأمنيّة والسياسيّة لتفريغ قطاع غزّة، ولنقل سكّانه إلى صحراء سيناء، وبالمُقابل أمر أقطاب إسرائيل بتفعيل الجيش الإسرائيليّ لتنفيذ المُهمّة، مُذكرًا أنّه في السبعينيات من القرن الماضي عندما كان رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأسبق، أرئيل شارون، وزميله، مئير دغان، رئيس الموساد الأسبق، يُسيطران على القطاع، انتشرت ظاهرة تحميل جثت “المُخربين (هكذا ورد في الأصل)، على مُقدّمة الجيب العسكريّ والطوفان بها في أنحاء القطاع، مُشدّدًا على أنّه مسموح لنا فعل كلّ شيءٍ، لأننّا لا نُريد القطاع في بلادنا، بلاد بتهوفن، والنور وساعات الفراغ، على حدّ توصيفه.
وساق قائلاً إنّ آلة القتل الإسرائيليّة ضدّ الفلسطينيين ضروريّة جدًا لحشد التأييد الشعبيّ من قبل الشعب، حيث يتحرّش الجيش بالفلسطينيين، ومن ثمّ يقوم بقتلهم، كما جرى في العام 2004 عندما قتل القناصّة خمسة فلسطينيين في حيّ الزيتون بغزّة. واعتمادًا على إحصائياتٍ رسميّةٍ، قال لاؤر إنّه من شهر أيلول (سبتمبر) من العام 2005 وحتى آذار (مارس) من العام 2006 قتل الجيش الإسرائيليّ في قطاع غزّة 64 فلسطينيًا، من بينهم 15 قاصرًا، وهكذا عمليًا، قال، تمّ إخراج نظرية الغيتو إلى حيّز التنفيذ من قبل إسرائيل.
وتابع قائلاً إنّ مُستوطنات غلاف غزّة تحولّت إلى منطقةٍ يقوم زعماء العالم بالحّج إليها، وباتت عنصرًا هامًا وجامعًا لكلّ الخريطة السياسيّة الإسرائيليّة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، مُشيرًا إلى أنّ عالم الاجتماع الفرنسيّ لويك فاكان وصف الغيتو على مرّ الزمان بأنّه بمثابة الواقي، وغلاف غزّة بات واقيًا مُستمرًا ومن “أجله” تقوم إسرائيل بالـ”عمليات العسكريّة”.
وأضاف أنّه منذ عملية “الرصاص المسبوك (2008-2009)، فإنّ حزب “ميريتس” والمؤسسات والجمعيات التابعة له يتحدّثون عن “كارثةٍ إنسانيّةٍ”، والجيش أيضًا “يُحذّر” من تنامي الأزمة، لافتًا إلى أنّ رئيسة حزب ميرتس، تمار زاندبرغ، قالت في مؤتمر هرتسليا: في القضايا الكبيرة التي تتصدّر الأجندة، فإنّ حزب “ميريتس” هو الحزب الأكثر تأييدًا وقربًا من الإجماع الذي تُقرّه المؤسسة الأمنيّة. ولفت إلى أنّه بتلخيصٍ شديدٍ فإن طموح القوى “المُعتدلة” في إسرائيل هو القضاء على الحكم المُستقّل في غزّة، وقطع أيّ ترابطٍ بين القطاع والضفّة الغربيّة، وتسليم المنطقة إلى “أصدقائنا” في المجتمع الدوليّ، لكي يُطالبونهم بحلٍّ لمشكلة القطاع، على حدّ قوله.
وخلُص إلى القول إنّ ما يجري هو الحرب الكولونياليّة، ولا تسمية أخرى لها، بين دولة عظمى عسكريًا، والتي تتمتّع بدعمٍ دوليٍّ واسعٍ ضدّ شعبٍ الذي يُصّر على العيش في ظروف غيرُ إنسانيّةٍ، واليسار الحقيقيّ لا يختار لأيّ شعب مَنْ يحكمه، الفلسطينيون في القطاع اختاروا حماس، عار شهر أيّار (مايو) تُعلمنا الفرق بين البربريّة وبين التضامن، قال ليئور.
“رأي اليوم” –