أقرّت دراسة جديدة صادرة عن مركز بيغن-السادات للأبحاث الإستراتيجيّة في تل أبيب، أقرّت بأنّ إسرائيل فقدت تغطيتها الإعلاميّة باللغة العربيّة بشكلٍ كاملٍ خلال المواجهات الأخيرة على طول الحدود بين قطاع غزة ودولة الاحتلال، لافتةً إلى أنّه يتّم التحكّم في الطيف الإعلاميّ المرئيّ للفلسطينيين من قبل فضائيّة “الجزيرة” القطريّة، بالإضافة إلى البرامج الدعائيّة والإذاعيّة والتلفزيونيّة الفلسطينيّة، على حدّ تعبيرها.
وأوضحت أيضًا أنّ مراقب الدولة الإسرائيليّة انتقد بشدّةٍ هذا القصور وحثّ الحكومة على سدّ هذه الفجوة، مشيرًا إلى أنّ الدولة العبريّة تُخفِق باستمرار في إنتاج بثٍّ إسرائيليٍّ رسميٍّ للجمهور المستهدف باللغة العربيّة، كما حدث أيضًا في عملية (الرصاص المسبوك)، أواخر العام 2008 وأوائل العام 2009، وبالتالي، شدّدّت الدراسة، يتحتّم على إسرائيل تصحيح هذا الفشل بهدف إيصال رسائل مباشرةٍ إلى الجمهور الفلسطينيّ.
وزعمت الدراسة أنّ التوترات الأخيرة على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل كانت نتيجةً للاحتجاج المُنظّم الذي بدأته قيادة حماس، ولم تكُن استجابةً شعبيّةً عفويّةً لأزمةٍ إنسانيّةٍ عميقةٍ أوْ ظروف حياةٍ بائسةٍ، كما أكّدت.
وجزمت الدراسة أنّه في حالة ما أسمتها بـ”أعمال الشغب خلال مسيرة العودة” المنظمة على طول الحدود بين غزة وإسرائيل، فازت حماس في المعركة الإعلاميّة، إذْ تمكّنت من تحويل انتباه العالم نحو البؤس “المزعوم” للفلسطينيين والسلوك الوحشي (المُفترض) للجيش الإسرائيليّ، الذي اتُهم باستخدام القناصة ضدّ “المظاهرات المدنية السلمية” وقتل الأبرياء ، بما في ذلك الأطفال.
وأشارت إلى أنّها لم تكُن هذه المرّة الأولى التي تخسر فيها إسرائيل معركة العلاقات العامة، رغم أنّها تمتلك “سلاحًا قويًا” وهو الحاجة للدفاع عن نفسها ضدّ عدوان واستفزازات حماس، وهي حركة إرهابية معترف بها، وعليه استطاعت حماس في أنْ تٌقبل كممثلة المستضعفين الذين يبرّرون كلّ عملٍ عندما يُواجهون آلة الحرب الإسرائيليّة، مُضيفةً إنّ ضعف الدولة اليهوديّة في مجال العلاقات العامّة يعكس نقصًا خطيرًا في الإلحاح حول الحاجة إلى تقديم وجهة نظرها للعالم، مُضيفةً أنّ هذا هو الفشل الأساسيّ، لأنه يهمل المجال الرئيسيّ لميدان المعركة الحديث، على حدّ تعبيرها.
وتابعت أنّ هذه الثغرة واضحة من حيث مُتطلّبات الحرب النفسية الأساسيّة، إذْ ليس لدى إسرائيل وسائل إعلامٍ تقليدية يُمكن الاعتماد عليها باللغة العربية لمواجهة حملات الدعاية التي تُديرها حماس والسلطة الفلسطينيّة بشكلٍ عامٍّ في قطاع غزّة أوْ الضفة الغربية، إذ أنّه يتم التحكم بشكلٍ كاملٍ في المشهد الإعلاميّ من خلال وسائل إعلام إذاعيّةٍ وتلفزيونيّةٍ فلسطينيّةٍ، يُمكن الوصول إليها من قبل الجماهير على جميع المستويات.
بالإضافة إلى ذلك، أكّدت الدراسة على أنّ إسرائيل لم تُكلّف نفسها عناء المنافسة في هذا المجال، فركزت بدلاً من ذلك على وسائل “متطورة” أكثر، أي قنوات التواصل الاجتماعيّ مثل فيس بوك وتويتر، مُوضحةً أنّه لا يُمكن اعتبار هذا التوجّه أذكى الوسائل التي يُمكن من خلالها الوصول إلى السكان في مخيمات اللاجئين وغيرهم من المواطنين العاديين في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة.
ورأت الدراسة أنّ عدم وجود أيّ وسيلةٍ للاتصال الإسرائيليّ المُباشِر مع السكان العرب الفلسطينيين كان أحد الأسباب التي أدّت إلى تكرار المواجهات العسكريّة غير الناجحة مع حماس في قطاع غزة، والتي كانت الإصابات المدنيّة في جميعها السبب الرئيسيّ للضغط الدوليّ على إسرائيل لإنهائها، قبل أنْ تُحقق أهدافها.
وتابعت الدراسة قائلةً إنّه يتحتّم على إسرائيل الاعتراف بأنّه يتم الحكم عليها وفقًا لصورٍ ومقاطع تلفزيونيّةٍ، بغضّ النظر عن الحقائق والظروف الفعلية، مُضيفة في الوقت عينه أنّه في المُواجهة غيرُ المُتكافئة يُمكن أنْ تخضع أيّ عمليّةٍ عسكريّةٍ، أوْ حادثٍ للتلاعب والتشويه من جانب الطرف الذي يعتبر من المستضعفين. وكما أكّد المحلل السياسيّ والفيلسوف الصينيّ سون تسو بحكمةٍ في كتابه (فن الحرب)، “لا يحتاج المرء إلى تدمير عدوٍ واحدٍ، إنمّا يحتاج إلى تدمير استعداده للمُشاركة في الحرب”، على حدّ قول الفيلسوف الصينيّ، الذي اقتبسته الدراسة الإسرائيليّة.
رأي اليوم”