أكد عسكريون فرنسيون أن حرب اليمن كشفت للغرب القدرات العسكرية المتواضعة للتحالف العربي بقيادة السعودية، فالحرب المستمرة لمدة ثلاث سنوات بين التحالف العربي الذي يضم قوات عسكرية من 8 دول، وبين مليشيات غير منظمة "الحوثيون" في اليمن يعني أن هذه القوات الهائلة بعتادها الكبير والمتطور تفتقر إلى القيادة العسكرية السليمة، فهي جسم ضخم بلا عقل ولا رؤية ولا خبرة عسكرية من أي نوع، فالحرب غير متكافئة من حيث القوة.
وأضافوا في تصريحات لـجريدة الشرق القطرية أن تكتيك الجيش واللجان الشعبية
في اليمن هي الرابحة حتى الآن، ولهذا السبب تراجع الغرب عن دعم قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، كما تراجعوا عن رهانهم على هذا التحالف لضمان النفوذ الغربي في المنطقة، وهذا الأمر بدا واضحاً من خلال العلاقات الأوروبية الخليجية مؤخراً، وقريباً سوف تتغير موازين اللعبة في المنطقة.
هزيمة نكراء
وفي هذا الإطار، قال ديدييه لاندرو، الضابط السابق بالجيش الفرنسي، والأستاذ بالمدرسة العسكرية الفرنسية – أكاديمية حكومية- سابقاً لـ"الشرق"، إن حرب اليمن التي بدأتها قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في مارس 2015 حققت فشلاً واضحاً وفق جميع المقاييس العسكرية، لا سيما أن قوة الخصمين المتحاربين غير متكافئة من ناحية العدد أو التجهيزات، فقوات 8 دول وأسلحتها المتطورة التي لا حصر ولا عدد لها، وميزانية هذه القوات اللامحدودة كانت كفيلة بإنهاء الحرب في أسابيع قليلة لو أن هناك قيادة عسكرية حقيقية تمتلك موهبة التكتيك الميداني والقيادة العسكرية لهذه القوات.
وأوضح أن الشواهد التي أمامنا تؤكد أن السعودية والإمارات فشلتا في قيادة هذه الحرب وتخطي المربع صفر خلال ثلاث سنوات، أمام مليشيات محدودة العدد والعتاد، معلوم موقعها وقادتها وأماكن تمركزها وخططها العسكرية ومراكز تحركها، والقضاء عليها بكل هذه الإمكانيات لا يحتاج إلا لأسابيع قليلة، وهذا وفق القواعد والقوانين العسكرية "هزيمة نكراء" جعلت الغرب يتوقف أمامها، ويسحب ثقته من هذا التحالف العربي بقيادة السعودية كقوة كان يراهن عليها لمواجهة إيران.
بلا خبرة
وأضاف لاندرو، بأن الحرب في اليمن تختلف عن الحرب على تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، فقوات الحوثي وفق النظريات العسكرية تختلف تماماً عن عصابات الإرهاب ومليشياتها في العراق وسوريا، فالحوثيون قوات معلومة القيادة والتمركز والتسليح، ومعروف تحركاتها ونفوذها منذ البداية، وكانت تعمل حتى وقت قريب مع قوات النظام في اليمن، ويسهل ضربها والسيطرة عليها لو توافرت القيادة العسكرية الحقيقية، مؤكداً أنه لا يوجد قيادة عسكرية تمتلك الخبرة، جميعهم هواة لم يمروا بتجربة حقيقية من قبل، وثانياً أن هناك خيانة داخل قوات التحالف نفسها، وتعارض مصالح جعل الهزيمة من نصيب قوات التحالف.
جسم بلا عقل
من انبه، أشار فرنسوا كافادا، الخبير العسكري والقائد السابق بقوات حفظ السلام الفرنسية بأفريقيا، إلى أن قوات التحالف العربي جسم ضخم وميزانية كبيرة جداً، لكنها بدون عقل عسكري، ورؤية قتالية حقيقية، فمعركة اليمن نظرياً سهلة للغاية، والقضاء على قوات الحوثي نظرياً أيضاً سهلة وبسيطة، خاصة أن قوات النظام في اليمن ضمن التحالف، مما يعني أن قوات التحالف العربي لها موطئ قدم وأماكن تمركز عسكري داخل اليمن، وهذا يجعلها تربح نصف الحرب قبل دخولها، وبالرغم من ذلك لم تربح شبراً واحداً في الحرب خلال ثلاث سنوات، بل انطلقت لتقصف بعشوائية متناهية كل مكان، دمرت البنية التحتية للبلاد ولم تضعف شوكة الخصم، هذا يعني أن هذه القوة العسكرية الهائلة للتحالف العربي بلا عقل، قوة مفرطة عشوائية، دكت البلاد بالكامل في أسابيع قليلة دون تحقيق أي نتيجة.
وأشار إلى أن النتيجة هزيمة محققة وفق جميع المقاييس العسكرية، والآن لا يستطيعون الانسحاب من الحرب، ففلول الحوثيين لم يقض عليها ولن يقضى عليها بهذه الطريقة، والتراجع عنها للخلف وترك الساحة لها سوف يعني هزيمة للتحالف في المستقبل ووصول هذه الفلول إلى عقر دار السعودية والإمارات، والانتقام على أراضيهم بدلاً من اليمن، ولذلك لا يمكن الانسحاب على هذا الوضع، أي أن السعودية والإمارات تورطتا في المستنقع، وأصبح الانسحاب مستحيلاً، والمضي قدماً وفق هذا التكتيك أيضاً مستحيل.
قوانين الحرب
وأضاف كافادا، أن قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات اغترت بالقوة وخدعتهم الرؤية النظرية للحرب، فدخلوها دون حسابات عسكرية دقيقة وكأنها "مشاجرة" وليست حرباً تحكمها قوانين قوة الخصم، وقوة الطبيعة، وقوة الحلفاء، ومدى الدقة في التعامل مع هذه العناصر هي الفيصل في الحرب وهي أيضاً المحدد لزمن الحرب ونتائجها، وكل هذا لم يكن في حسبان قوات التحالف، والنتائج تؤكد هذا، هم انطلقوا ليدكوا الأرض بالطائرات فقط، بشكل هستيري وعشوائي وكأنهم في مهمة تدريبية، والنتائج مفزعة على المستوى الإنساني والعسكري.
ضعف الخبرة
بدوره، أكد جان بير جيريمي، الكولونيل السابق بوزارة الدفاع الفرنسية والخبير العسكري بمركز "فرساي للدراسات السياسية والأمنية" في باريس، على أن نتائج الحرب على اليمن مخيفة للغرب، فقد كشفت عورة قوات التحالف، وظهر ضعفها وفقر خبرتها، هذا يعني أن تعويل الغرب على قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات كقوة مواجهة لإيران كان خطأ، والحلول العسكرية بمجملها خطأ سياسي واستراتيجي، الحلول السياسية هي الأفضل والأقرب لضمان السلام ولحماية المصالح في المنطقة.
وشدد جيريمي، على أن قوات التحالف العربي بقيادة السعودية خسرت المعركة عسكرياً، وسياسياً أيضاً، وجولاتهم الخارجية تجيء الآن للبحث عن مخرج سياسي من الأزمات التي استنزفت قواهم عسكرياً ومادياً وسياسياً فالهزائم في كل مكان، في اليمن ومع قطر ولبنان، والواضح للغرب الآن أن التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات يفتقر للرؤية والخبرة العسكرية والسياسية والنتيجة فشل في كل اتجاه ووفق جميع المقاييس.