تتصاعد حدّة التوتّر العسكريّ بين الهند وباكستان على أرضيّة الهُجوم الدمويّ الذي شنّته خليّة انتحاريّة تابعة لجيش محمد الإسلاميّ المُتشدّد، واستهدف قافلة عسكريّة هنديّة في كشمير ممّا أدّى إلى مقتل 44 جنديًّا، وإصابة 20 آخرين، وذلك يوم 14 من شهر شباط (فبراير) الحالي.
الهند اختَرقت الأجواء الباكستانيُة في منطقة كشمير التّابعة لها، وقصفت قاعدة تابعة لجيش محمد، فردّت الباكستان بإسقاط طائِرتين هنديّتين، وأسرت أحد طيّاريها، بينما أكّد بيان عسكري هندي إسقاط إحدى الطائرات الباكستانيّة.
تبادُل القصف الجويّ وإسقاط الطائرات هو أخطر خرق لاتّفاق وقف إطلاق النّار بين البَلدين الذي جرى توقيعه عام 2003، ممّا أدّى إلى إغلاق الأجواء وعدد كبير من المَطارات في البَلدين.
لا أحد يُريد الحرب بين البَلدين النّوويين، ولكن هُناك جِهات خارجيّة بينها الولايات المتحدة لا تُريد الاستقرار في المِنطقة، وتُمارس ضُغوطًا غير مسبوقة على باكستان، بِما في ذلك إيقاف حواليّ مِلياريّ دولار سنويًّا من المُساعدات بحُجّة أنّها لا تقوم بِما هو مطلوب منها لمُحاربة الإرهاب في أفغانستان، أيّ الدخول في حرب ضِد حركة طالبان.
القيادتان الهنديّة والباكستانيّة تتحلّيان بأعلى درجات ضبط النفس، ومُحاولة تطويق الأزمة، ولكن مُتشدّدين في الجانبين يستغلّان وسائل التواصل الاجتماعي للتّصعيد والانتِقام، خاصَّةً في باكستان، حيث يتّهم هؤلاء عمران خان، رئيس الوزراء، بالجُبن لأنّه لم يرُد على القصف الهنديّ لقاعدة تابعة لجيش محمد داخل الأراضي الباكستانيّة.
السيد خان الذي يحظى بدعمٍ غير مسبوق من جنرالات المُؤسّسة العسكريّة، أكّد أنّه سيرُد في الزمان والمكان المُلائمين ردًّا على دعوات التّحريض لتطويق الأزَمة بأسرعِ وقتٍ مُمكنٍ، ولكن لم تتحرّك أيّ من الدول العُظمى لبذل أيّ جُهود وِساطة تلبيةً لمطلبه هذا، وخاصَّةً الولايات المتحدة.
باكستان والهند خاضَتا ثلاث حروب بسبب الأزَمة الكشميريّة عام 1948، 1965، و1971، وأسفرت هذه الحُروب عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص من الجانبين، ودُخول البلدين في سِباق تسلّح نوويّ، الأولى (الهند) بدعمٍ روسيّ، والثانية (الباكستان) بدعمٍ أمريكيّ.
هذا التوتّر سينعكِس سلبًا على خُطط الرئيس خان لجذب الاستثمارات الخارجيّة لإنقاذ اقتصاد بلاده من الأزمات التي يُعاني منها، وربّما ستزداد هذه الأخطار تفاقُمًا إذا ما لجأت الهند إلى قطع مياه الأنهار (ستلج، بياس، ورافي) الأمر الذي سيُفاقم من أزمة البلاد المائيّة الخانِقة.
في المُقابل ستُعاني الحكومة الهنديّة من هذا التوتّر، خاصّةً أنها على أبواب انتخابات تشريعيّة جديدة، فأيّ تصعيد من جانِبها سيصُب في مصلحة الجماعات الإسلاميُة المُتَشدّدة التي تُطالب بالحُلول الدمويّة لاستعادة كُل كشمير ذات الأغلبيّة الإسلاميّة وعلى رأسها جيش محمد الذي هاجم البرلمان الهنديّ عام 2001، ونفّذت خليّة تابعة له هُجوم مومباي الشّهير.
لا نستبعِد وجود أصابع أمريكيّة استخباريّة خلف هذا التّصعيد، وللضّغط على باكستان ومُؤسّستها العسكريّة الحاكِم الفعليّ للبلاد تحديدًا، ثأرًا وانتقامًا من هزيمة أمريكا في أفغانستان، ومن قبل حركة طالبان التي باتت تملُك اليد العُليا في الميدان بِما يُؤهلها لفرض شُروطها في مُحادثات السلام الجارية حاليًّا في الدوحة، وأبرزها انسحاب أمريكي غير مشروط من كُل أفغانستان وفي غضون أشهر، وبِما يؤدّي إلى قِيام إمارة أفغانستان الطالبانيّة الإسلاميّة مُجدّدًا، والسّر المكتوم الذي يعرفه الجميع أنّ المُخابرات العسكريّة الباكستانيّة هي التي أسّست طالبان من قبائل البشتون القويّة ذات الأغلبيّة القبليّة، وهي التي دَعمتها وما زالت تدعمها بطُرقٍ مُباشرةٍ أو غير مُباشرة.
في هذه الأزَمة الباكستانيّة الهنديّة فتّش عن أصابع الفِتنة الأمريكيّة.. واللُه أعلم.