الرئيسية -أخبار -تقارير -تحقيقات -مقالات -حوارات -المحررين -إرشيف -سجل الزوار -راسلنا -بحث متقدم
التاريخ : الإثنين 20 مايو 2024آخر تحديث : 08:58 صباحاً
اعتقال احد ملاك شركة الصلاحي للصرافة .... انفجار عنيف هز عدن قبل قليل .... بيان هام من وزارة الاتصالات .... عدن تشهد اول وفاة سببها انعدام الكهرباء .... وفاة شاب غرقا في شبوة .... رجل الكهف في سقطرى .... هذا مايقوم به الافارقة في شبوة .... الجراد يغزو اليمن قريبا .... تهديد صحفي في عدن بالتصفية اذا لم يتوقف عن الكتابة .... انتشار تعاطي المخدرات بين النساء في عدن ....
خيارات
طباعة طباعة
أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق
RSS Feed محلية
RSS Feed تحقيقات
RSS Feed ما هي خدمة RSS 
  ثورة14 أكتوبر .. وجبهة ( الحواشب - وردفان ) .. في عيون الصحافة
الأحد 21 أكتوبر-تشرين الأول 2012 الساعة 12 مساءً / إعداد/ عقيد ركن: عابد محمد الثور
 
  إن ثورة 14 أكتوبر 1963م كما يقول كثيرون وليدة ثورة 26سبتمبر 1962م ولكني لا أميل إلى هذا القول رغم علمنا بأن ثورة 14 أكتوبر جاءت بعد عام واحد من ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ، ونجاحها كان له الأثر الكبير على الثوار في الجنوب والذين استطاعوا تفجير ثورتهم ضد المستعمر البريطاني في أكتوبر , إلا أن الأحداث في الجنوب والمقاومة لم تكن وليدة ثورة سبتمبر فقط ، وإنما كانت مع دخول المستعمر البريطاني إلى أراضي الجنوب منذ بداياته ، واستمرت المقاومة منذ ذلك الوقت إلى قيام الثورة وسقط خلالها الكثيرين من شهداء أبناء الجنوب المدافعين عن وطنهم وأرضهم وكرامتهم, ورغم ما آلت إليه الأوضاع والظروف وخضوع كثير من السلاطين تحت راية الاستعمار البريطاني ، إلا أن الانجليز لم يستطيعوا السيطرة وإيقاف المقاومة أو ردعها , ولذا فإن هذه الثورة هي وليدة الحركات النضالية والمقاومة والرفض للمستعمر ومحاولته إلغاء الهوية الوطنية لأبناء الجنوب ، كلها كانت أسباب وعوامل تراكمية دامت لأكثر من مائة وثلاثين عاما توجها الأحرار بانطلاق الشرارة الأولى من جبال ردفان المنيعة وتوحيد الجبهات ضد المستعمر البريطاني في 14 أكتوبر 1963م, وكانت ثورة 26 سبتمبر المجيدة الداعم الأكبر لنجاح ثورة 14 أكتوبر الخالدة ، فقد كان العائق الأكبر لتحرير الجنوب هو ضعف وتأمر الإمامة في صنعاء, وحينما زال هذا العائق بمشاركة ثوار الجنوب فتحت لهم الطرق والأبواب لتحرير الوطن من هذا المحتل ونيل حريته .
جبهة الحواشب وردفان:-
أما موضوعنا فسنتطرق فيه لفترة محددة عن الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني وتحديدا من الفترة يوليو - اغسطس من العا1965م في جبهة الحواشب وردفان.
وللحديث عن مجريات الأحداث في هذه الفترة بعيون صحفية راقبت الأحداث ورافقت عن قرب صانعي تلك البطولات ، ووثقت لنا تاريخ تلك الفترة وما دار فيها لمقاومة المستعمر.
ولعل شخصيتنا التاريخية والوطنية المناضلة في تلك الفترة ومن تلك الجبهات العالم المجاهد السيد / محمد عبيد رحمه الله والذي سجل بتاريخه النضالي ضد المستعمر الغاصب أروع صور الفداء والبطولة والحكمة, وقد أطلق عليه الثوار بالأب الروحي والقائد العظيم.
فمنذ بداية الثورة المباركة في العام 1963م وحتى الاستقلال كان يهاجم الثوار من فترة إلى أخرى قصر الحاكم البريطاني في عدن وضربه بمدافع البلانسيت ، وكذالك القيام بتفجير أنابيب بترول القواعد العسكرية البريطانية في المنطقة ، ومحاصرة القاعدة العسكرية في عدن والقيام بهجوم شامل على مراكز الانجليز المسلحة ..
أن الاستعمار المسلح كان يحاول في يأس محاصرة قوات الثورة في بعض المناطق الجبلية بلا طعام ولا ماء ولا ذخيرة ، وتسميم آبار المياه ، في محاولة منهم لإجهاض الثورة وتأليب المواطنين وسكان المناطق في جبهات القتال ،ولكن الثورة لا تعرف الهزيمة وتواجهنا كثيرا من الأسئلة اهمها كيف مضت الثورة ضد المستعمر وانتصرت ، ومن هم هؤلاء الثوار؟ هذا ما سوف نتحدث عنه خلال تلك الفترة الوجيزة التي تم رصدها وتوثيقها في مدة بسيطة لا تزيد عن شهرين ومن قلب الحدث في جبهة الحواشب وردفان والتي كانت في الأصل جبهتين فتوحدت في جبهة واحدة بفضل ذلك القائد الشيخ المجاهد محمد عبيد .
فلم يعد كل شيء في الجنوب اليمني المحتل، كما كان من قبل ثورة14اكتوبر لقد تبدل الموقف تماما"!
فقد قام الانجليز بمحاصرة كل الطرق المؤدية إلى مداخل ردفان والحواشب في نهاية العام 1964م ، وأصبح المستعمر يراقب القادمين إلى الوديان والقرى والجبال في الجنوب اليمني المحتل أو الجنوب العربي كما كان يطلق عليه الانجليز ، وسرعان ما عمل بعض من الخونة والمرتزقة أصحاب النفوس الضعيفة بمساعدة المستعمر لقتل وحرب الثوار فيزرعون لهم الألغام الموجهة للمشاة والسيارات في الطرق الجبلية التي يسلكونها, وكما كان للمستعمر عيون وأعوان فقد كان كذلك للثوار من يساعدهم ويبلغهم بما يخطط ويزرع لهم من ألغام ومتفجرات فيسيروا ويسلكوا طرقاً ودروب أخرى فيعجز جنود المستعمر البريطاني عن الوصول إليهم.
فقد استخدم الثوار كل أساليب التكتيك والتخطيط الحربي والعسكري في تنفيذ عملياتهم القتالية بدقة وأحكام وحتى لا يقعوا فريسة سهلة خاصة وهم يعلمون أن قوات الاستعمار البريطاني قد جندت الكثيرين من الخونة لملاحقة ومتابعة ورصد تحركات الثوار والإبلاغ عنهم وأماكن تواجدهم, كما كان هناك الكثيرون من ابنا الوطن اليمني بشماله وجنوبه الغيورين الرافضين وجود المستعمر على أرضهم ووطنهم والمتحمسين لقتالهم وطردهم, إلا أن الثوار وحرصا منهم على أهمية بقائهم وحفاظا على سرية أعمالهم وتكتيكاتهم الحربية فقد استطاعوا ترتيب وتنظيم دخول الراغبين المتحمسين للمشاركة القتالية معهم عبر شخصيات موثوقة من المناضلين والثوار الذين أعطيت لهم مهام أخرى تساند وتحقق أهدافهم الوطنية لطرد المستعمر الأجنبي الغاشم والموزعين في أماكن ومناطق أخرى متفرقة آمنة, مهمتهم التأكد والتحقق من رغبة وصدق نوايا الراغبين في المشاركة والوصول إلى مناطق القتال والانضمام مع إخوانهم الثوار في الحرب والقتال ضد المستعمر الغاشم, خاصة لو كان المتطوعين الراغبين مشاركة الثوار في قتالهم ومعركتهم مع العدو سواء من أبناء الجنوب اليمني المحتل او من المناطق الشمالية وغيرهم من المراسلين والصحفيين العرب المتابعين والمهتمين بشئون وقضايا الأمة العربية, فقد كانت تعز هي نقطة اللقاء والانطلاق بعد أن يبقوا فيها لفترة قد تزيد عن ثلاثة أيام (قرابة الستين ساعة) يتم فيها التحقق والتأكد من حقيقة صدق ونوايا الأشخاص القادمين الراغبين في المشاركة والقتال, ليتم بعدها التحرك بهم نحو مناطق القتال في المناطق الجبلية الوعرة صعبة الدروب والمسالك في ردفان الغربية التي حاول الاستعمار البريطاني محاصرتها بقواته ، وفي مناطق الحواشب التي ظلت القوات البريطانية محاصرتها بدعم ومساندة قوات جيش الاتحاد المزيف أو جيش العملاء المضللين من أبناء الجنوب الخونة الذين يرفعون السلاح في وجوه أخوانهم.
فقد تمترس الثوار وصمدوا في هذه المناطق الجبلية الوعرة الصعبة المسالك التي كان اختراقها والوصول إليها غاية في الصعوبة.
وقد خصص الثوار أعالي جبال" شوكان", وهي المنطقة التي يستقبلون فيها ضيوفهم القادمين والواصلين من مدينة تعز سواء كانوا مجاهدين أو مراسلين صحفيين عرب أو مصورين وغيرهم, كما كان الوقت المحدد لخروج وتحرك هؤلاء من مدينة تعز يتم بعد غروب الشمس عادة ويستمر السير حتى شروقها في اليوم التالي, وكان الثوار يختفون مختبئين في النهار في جيوب الجبال حتى لا ترصد تحركاتهم الطائرات البريطانية التي كانت تحلق فوق جبال الجنوب طوال النهار, وهنا تبدأ المتاعب فمياه الشرب قليلة والآبار المنتشرة على طول الطريق سممها الانجليز، غير أن الثوار وضعوا في مناطق مختفية عن العيون أواني فخارية للماء يملؤها السكان الذين يعطفون على الثوار ولكنها أوان صغيرة ، وأحياناً كثيرة كانت تكشفها الدوريات الانجليزية فيحطمونها إذا لم تكون معهم مواد سامة يلقون بها داخل هذه الأواني!
وكان الثوار يمنعون الزائرين من تناول الطعام الذي يؤدي إلى العطش حفاظاً على ما تبقى لديهم من ماء يساعدهم للوصول إلى المناطق المراد الوصول إليها رغم الصعاب الكبيرة التي تواجههم في الطريق وأبرزها كثرة الثعابين وأشجار الشوك المرتفعة حتى الوصول إلى المناطق السرية للثوار وتعتبر هي الأكثر أمناً وحماية.
وتستغرق هذه الرحلة من أربعة إلى ستة أيام للوصول إلى مناطق الثوار السرية وتمتاز هذه المناطق بجبال ضخمة شاهقة متناثرة وأشهرها" جبال ردفان". والحاجب، وودنه والطاهرة والجسيمة والخلاء والقمر والشعرة، وجبلا القماعة والمحق" حيث تعسكر خلفها قوات بريطانية كثيرة.
كاشاني الجنوب المحتل:-
كان يتم استقبال الزوار بطلقات الرصاص في الهواء تعبيراً عن فرحهم والترحاب بهم وكان كثير من الثوار يهتفون بحياة الرئيس عبد الناصر والقومية العربية ، والجمهورية العربية المتحدة ، ويتم إعطاء صحيفة ماء لكل واحد كي " يتأصلوا أو يستحموا " كما يلفظها أبناء تلك المناطق وتذبح الذبائح ويتم إعداد الطعام وأبرز هذا الطعام العصيد وهو طعامهم الرئيسي والشاي الملبن وعلب الأناناس ، وبعدها يقوم الجميع لتأدية صلاة العشاء، يؤمهم السيد المجاهد العلامة محمد عبيد زعيم الثوار ، كما كان يسميه الثوار ويجلس الثوار مع الزوار لسماع محاضرته الدينية والتي تحثهم على الجهاد وفضله ويرتلون القران.
من هم هؤلاء الثوار؟
هل يؤمنون بالقضية التي يحاربون من أجلها؟ أم جاءوا طلبنا للرزق والأجر؟ هل يتسلحون إلى جانب البنادق والمدافع والقنابل بخلق طيب؟ أم تراهم كجنود الفرقة الأجنبية الفرنسية ، فشل أكثرهم في حياته الخاصة ، وخانة الحظ دائماً ، فلجأ إلى حمل السلاح والقتل ، يستعمله لحساب من يحتضنه ويحميه ويدفع له أجراً على ذلك
كانوا يقضون أيامهم كلها في الجبال سعيا خلف الانجليز؟ أم يعودون في إجازات قصيرة إلى أسرهم وبيوتهم؟ وهل لهم بيوت وزوجات وأبناء وأرض يزرعونها؟
كان الثوار يرفعون علم الجبهة القومية فوق أعلى منطقة في الجبال التي هم فيها وتظل مرفوعة مادام هناك زوار من غير أبناء المنطقة.
متجاهلين أن رفع العلم فوق القمة يعرضهم لأخطار حقيقية أبسطها قذفهم بصواريخ الطائرات الانجليزية التي تجوب سماء الجنوب اليمني في دوريات جوية استكشافية أكثر أيام الأسبوع.
ولكن المنطقة التي يرفع فيها العلم على بال قوات الاستعمار، و مقر القيادة يتبدل كثيراً وباستمرار.
الحوا شب وشيخها المجاهد:-
السيد المرحوم محمد عبيد أو "كاشاني الجنوب" كما أطلق عليه أحد قادة الجبهة القومية الذين تلقوا تعليمهم في القاهرة، كان في العقد الخامس من العمر ، وهو متحدث لبق، يحفظ القرآن ومستمع جيد للإذاعة ، عدا الأغاني فهو يحرم سماعها على الثوار ويتركهم فقط يستمعون إلى الأناشيد الوطنية ولكنهم كانوا يستمعون سراً إليها .
والشيخ محمد عبيد كان قبل خمس سنوات مضت شيخاً لقبائل الحوا شب، وكان يستمع عن طرق الراديو للقاهرة ، ويحدث مشايخ قبائله بسياسة الرئيس عبد الناصر ووجهات نظر الحكومة المصرية في الاستعمار البريطاني وكان عطوفاً على الفقراء والأطفال اليتامى ، وبدأ اشتغاله بالحركة التحريرية عندما جاء إليه شيوخ قبائل السعودي و القطيبي و ضمبري و عبدلي وبكري و محلقي وداعري ومزاحمي وأبن الشيخ و حجيلي يقولون له: أن الانجليزي طلبوا شباب القبائل كي ينضموا إلى جيش الاتحاد، ومن العار عليهم أن يعمل أولادنا جنودا تحت قيادة من يشربون الخمر ويرقصون مع النساء ولا يصلون في المساجد ولقد جاء إليه لطلب المشورة.
وكان يقول لهم الشيخ: " أن رفض هذا الطلب أمر لا نقاش فيه وأن وجود الانجليز ببلادنا أخطر من شرب الخمر والرقص مع النساء وعدم الصلاة في المساجد، وشرح لهم حقيقة ما يلعبه.
الإنجليز ينتقمون من الثوار بتسميم آبار المياه:-
الاستعمار البريطاني في الجنوب من خلال ما كان يسمعه من إذاعة القاهرة وخطابات الرئيس الراحل عبد الناصر وهروب شباب القبائل إلى الجبال بعيداً عن قراهم وعن أعين الانجليز وجواسيسهم ، وعندما علمت القيادة البريطانية بهذه القصة أرسلوا في طلب الشيخ محمد عبيد، فذهب الرجل إليهم وبرفقته عدد كبير من مشايخ قبائله الذين شهدوا وسمعوا قادة الانجليز يعرضون عليه "سلطنة " الحواشب وردفان الغربية ، وبناء قصر جديد له يليق بمنصب السلطان، وتقديم القمح والأرز والمال كل شهر بما يكفي رجاله، بشرط أن يكون في خدمة حكومة وقوات صاحبة الجلالة !
فرد عليهم الشيخ المجاهد بالرفض وأتخذ حمل السلاح والاشتراك مع القبائل في حماية بيوتهم ومزارعهم،
ولقد أحرق الانجليز بيت و حقل السيد محمد عبيد وقتلوا مواشيه، ثم طردوه من الحواشب كلها، عقاباً له لأنه قال لضابط القيادة البريطانية أمام رجاله:
- نحن نطالبكم بالخروج من بلادنا لأن الرئيس عبد الناصر قال الأرض لأهلها" وقال له أحد الضباط الانجليز:إما أن تقبل الآن وفورا " سلطنة " الحواشب أو تتحمل ما سيقع عليك ، ولن ينفعك عبد الناصر عندما تجد نفسك طريداً في الجبال.
علاقات الثوار:-
لقد علمهم السيد محمد عبيد أن الكفاح الوطني المسلح خلق وإيمان قبل أن يكون عمليات حربية موجهة ضد الاستعمار، ولذلك فهو يحرم على الثائر الذي ينسى تأدية فريضة الصلاة شرف الخروج إلى المعارك وبخصم جزء بسيط من أجر كل من الثوار وذلك للإنفاق على أبناء الشهداء وأسرهم وكان يخرج معهم في هجماتهم النهارية والليلية ، وقد أصيب بمرض في أمعائه فعالجوه في تعز حتى عاد الجبهة ، وهو لا يأكل حتى يفرغ الجميع من تناول طعامهم، ويقوم بواجب الحراسة الليلة مثل أي ثائر صغير السن ويتحدث معنا كل يوم في السياسية ، ويشرح لهم ما خفي على عقولنا وهو الذي يصدق على الأحكام التي يصدرها القادة ضد الخونة ، ولقد كان أبا رحيماً بهم.
من أغاني الثوار وأهازيجهم :-
وأغاني الثوار مرتبطة بواقعهم وحربهم التحريرية حيث يقول شاعرهم في إحدى أغنياته:
بالله يا طير مدنا بريش الجناح
وافعل مثل الهواء زامل وصياح
وقف قبال القيادة لأجل ترتاح
وقل لهم كيف الاستعمار سفاح
واعبر "جرانه" وبلغ لي خبر وضاح
بالمسك والعود والكافور تفاح
وسلم على صاحبي بإفصاح.
وهم يتغنون بهذه الأبيات الشعرية الشعبية وغيرها في نهارهم وأثناء زحفهم الليلي إلى معسكرات الإنجليز.
زراعة الألغام:
كان الثوار يقومون بزراعة الألغام في طريق إنجليزي يصل بين منطقة "سليك بردفان الغربية وجول عبيد" ثم يتفرع من هذا الطريق عدة طرق أخرى رصفها الإنجليز لاتصالها بمعسكراتهم المنتشرة هناك وهذه المنطقة يطلق عليها الثوار طريق الربوة وكانت الأنباء التي تصلهم تفيد بأن قافلة سيارات بريطانية ستمر بالربوة حتى منطقة أخرى يطلق عليها الحمراء و بها معسكر إنجليزي كبير،وكانت أناشيدهم تصافح الأذان واستعدادهم للمعركة يخاطب القلب وعندما تبزغ شمس الفجر عليهم ضحكوا في سعادة كانت الصخور النارية الأشبه بالسكاكين الحادة والثعابين النائمة التي تستيقظ على وقع أقدامهم فتعدو بينها والكلمات الحلوة ينطقونها دون ترتيب أو إعداد وكانوا يبلغوا المنطقة في الموعد المحدد لهم وينصرف بعض الثوار إلى بعض القرى ويعود الباقي إلى القيادة لانتظار الأوامر.
وكانت مهمة أولئك الثوار ترتكز علي مهمتين ، المهمة الأولى هي طلب بعض النساء ممن تربطهم بهن صلة القرابة للعمل كمتطوعات لعدة ساعات يقمن خلالها بمراقبة عملية انفجار الألغام في السيارات البريطانية على الطرق وفي الأماكن التي تم زرع الألغام فيها ، ويسجلن عدد السيارات والقتلى وبعد ذلك يلتقين بالرجال في مكان يحددونه مقدماً كي يخبرنهم بما حدث.
وتكمن المهمة الثانية والهامة بان يتحرك هولاء الثوار ويرابطون في مكان آخر قبل منطقة الألغام حيث تمر بهم القافلة البريطانية فيلقون عليها قنابلهم اليدوية ويشتبكون معها بواسطة المدافع الرشاشة والبنادق وسيدفع هذا الهجوم الغير متوقع بالعدو هرباً حيث تدخل القافلة منطقة الألغام فيتم القضاء عليها تماماً ، ورغم ذلك فنسبة احتمال نجاة الثوار في هذه المهمة لأتزيد عن 1% ومن أجل هذا السبب لم يكن مع هولاء الأبطال الفدائيين أي شخص آخر ممن يزورونهم من مؤيدين أو إعلاميين حرصا على حياتهم ويكتفون برواية الأحداث لهم بعد تنفيذ مهمتهم
وكان الإنجليز يحملون منذ أوائل سنة 1965م أنابيب النيران السائلة المشتعلة يرشونه دائماً على أشجار الشوك هي الأشجار الوحيدة في الجبال والتي كان يختبئ فيها الثوار ويصوبون منها رصاصاتهم على الإنجليز ، وكان حاملو رشاشات النيران السائلة المشتعلة يسيرون بسياراتهم دائماً في المؤخرة يفصلهم عن مقدمة القافلة مسافة لا تزيد عن اثنين كيلو متر حسب وعورة وبساطة الطريق ، ولذلك هي بمنجاة من مدافعنا الرشاشة، وإذا تركت القافلة تمر كي يصوب الثوار أسلحتهم ونيران بنادقهم على حاملي رشاشات النيران السائلة سوف يخسر الثوار معركتهم الغير متكافئة ، وإذا اشتبك الثوار مع القافلة تعرضوا لتطويق رشاشات هذه النيران وعادة لا ينجو أحد من الثوار إلا إذا تدخلت إرادة الله وحمت هؤلاء الأبطال من الموت حرقاً ، وكان هولاء الأبطال دائما يعتمدون في تقطعهم لمثل هذه القوافل بهذه الطريقة ويستدرجون القوافل الى العمق في المكان الذي تمت فيه زراعة الالغام رغم خطورتها خاصة بعد استخدام الانجليز تلك الاسلحه الحديثة في ذالك الوقت .
وعن نساء الجنوب الثائرات ومدى تعاونهم مع الثوار:-
كان الإنجليز دائما يفتشون جميع المناطق القريبة من مكان وقوع الإنفجار بيتاً بيتاً وشجرة شجرة والأغنام والمواشي ، لاعتقادهم أن بعض الانتحاريين يرتدون جلود الكباش ويختفون بين قطعان الغنم في الوقت الذي يكون فيه هؤلاء الأحرار بين إخوانهم فوق قمم الجبال وعندما يفشلون في العثور على ثائر واحد يحرقون القرى أو يقتلون إحدى النساء إرهاباً للأخريات ولكن ماذا يدفع النساء لهذه التضحية، إن أكثر نساء الجنوب اليمني المحتل فقدن رجالهن أزواجاً أو أبناءً أو أشقاً برصاص المستعمر وأكثرهن أصبحن بلا عائل ،ويعشن على الإعانات السرية التي تصل إليهن عن طريق قيادة الجبهة القومية وهي إعانات غذائية ومالية وملابس وأدوية وأحياناً بعض الأطباء يقومون بزيارة القرى سراً للقيام بواجبهم الإنساني ، وكانت هذه المساعدات تشترك فيها القاهرة بنصيب كبير يعرفه كثير من الثوار والمناضلين وكان الزعيم الراحل الرئيس جمال عبد الناصر هو الذي يحدد وزنها وكمياتها.
قصة الشهيدة الفدائية خديجة الحوشبية :-
ولنا هنا وقفة مع قصة غاية في الإبداع حيث تجسد الدور الكبير الذي لعبته المرأة في جنوب الوطن المحتل آن ذاك والتي قد لا يستطيع رجال كثيرون من القيام بدور هذه المرأة والتي بطلتها أرملة أسمها "خديجة الحواشبية" والتي كانت تقوم بدفن الألغام ثم تذهب إلى المعسكر البريطاني وترشد الإنجليز عن مكان وهمي قائلة لهم بأن أقاربها من الثوار جاءوا ليلاً ودفنوا ألغامهم بهذا المكان ، وكان لأبد من الوصول إلى الألغام التي تذكرها خديجة من المرور على المنطقة الملغمة فعلاً ، ولم يشك أحد من قوات الاستعمار في صدق معلومات الفتاة الوطنية ، وبعد تنبهت هذه البطلة إلى نقص حيلتها ، فكانت تدفن لغماً أخر في المكان الذي تحدده للإنجليز ، فإذا وصلت إليه قوات إنجليزية أخرى بحثاً عنه بعد انفجار الألغام الأولى في أول دفعة من قوات العدو ، وجدوا اللغم في مكانه كما ذكرت خديجة لهم. واستمرت الفتاة تعمل حتى أبلغ عنها أحد الخونة ، وقال لقيادة المعسكر البريطاني في منقطة جبل "بله" أن خديجة تدفن ألغامها في مكانين ولا ترشد إلا عن مكان واحد ، وأنها تعمل بذلك مع الثوار ، وعندما جاءت إلى المعسكر البريطاني صحبوها معهم وقيدوا أيديها بالحبال وشدوا الحبل إليهم وأمروها أن تسير في المقدمة خلال الطريق الذي رسمته للقوات البريطانية ، ولقد حاولت خديجة كما روى القصة أحد الجنود الوطنيين ممن هربوا من جيش الإتحاد المزيف إلى الثوار ، وشاهد خديجة وهي تعيش لحظاتها الأخيرة ، حاولت أن تضلل الإنجليز بالمشي في طريق آخر ، ولكنهم أمروها بالمشي في الطريق الذي رسمته لهم كي يصلوا إلى اللغم ، ولقد دفنت خديجة لغمها الفعلي في مكان غير متوقع بين جانبي جبل لا يتسع المرور فيه لأكثر من أربعة أشخاص ، وشاء الحظ أن تمر بجانب اللغم دون أن تمسه وهي مشدودة بالحبال إلى قوات الإنجليز ، وبعد دقيقة من مرورها كان اللغم يتفجر في القوة الاستعمارية ، وخديجة تحاول الإفلات من الحبل فأطلق عليها ضابط بريطاني الرصاص وارداها قتيلة ، وكان هو الآخر مصاباً ، وماتت البطلة شهيدة العمل الوطني ، ولكن قصة بطولتها يعرفها سكان الجنوب في الجبهات الإحدى عشرة التي رفعت السلاح في وجه المستعمر البريطاني ويتغنى بها الشعراء ويقسم الرجال في القرى بشرف خديجة الحواشبية على صدق قولهم ، وعشرات الفتيات في كل قرية كن يحاولن تقليد بطولة خديجة مما أفزع القوات الاستعمارية.
لم يكن يعرف الإنجليز أن خديجة ترملت وهي في الشهر الثالث من زواجها وكانت حاملاً ولقد وضعت طفلاً مات بعد ولادته بأيام لأنه لم يجد لبناً في ثدي أمه، وكانت خديجة مريضة بالحمى بعد الولادة هكذا رواها احد القادة آنذاك ، حيث كان زوج خديجة جندياً في جيش الملكة إليزابيث وكان يبدو مخلصاً للإنجليز وكثيراً ما كان ينقل المعلومات الهامة والحربية للثوار ليتمكنوا من مواجهة عدوهم المستعمر ويستطيعوا إحراز النصر في عدة معارك سافرة دخلها الثوار مع القوات الإنجليزية ، وكان زوج خديجة يأتي إلى الثوار ليلاً ويخلع ملابس الاستعمار البريطاني ويرتدي ملابس الثوار ، ويشترك معهم في المعارك التي يشنها الثوار على المستعمر ، وكانت خديجة تعلم بذلك وتباركه ،ثم سقط ذات يوم في إحدى المعارك الوطنية وأبلغ الإنجليز إذاعة لندن وعدن خبراً مفاده أن الثوار قتلوا هذا الجندي البريطاني وهو يؤدي واجبه مع جيش المستعمر ، وسمع هذا الخبر كل الثوار والمجاهدون فهم وحدهم يعلمون من هو هذا البطل الشهيد زوج الفدائية الشهيدة خديجة فحزن عليه جميع الثوار .
وبعد استشهاده جاءت خديجة إلى مقر الثوار وطلبت المشاركة في العمل الوطني المسلح ضد المستعمر وإكمال مشوار زوجها الشهيد ونفذت تلك البطولات ، ولم يكن يقدم لها غير الألغام فقط حتى لحقت البطلة بزوجها الشهيد.
من أعمال الثوار خلال معاركهم :-
كان يسمح للثوار بالراحة والنوم لمدة 12ساعة نهارية، يستمع خلالها بعض الثوار إلى إذاعات العالم وإلى محاضرات بعض القوات عن مضار التدخين وإلى أثر عدم تأدية فرائض الصلاة على روح الإنسان ، وفي سياسة المستعمر البريطاني بالجنوب المحتل.
وكان الثوار يشتبكون في معارك مختلفة مع القوات الاستعمارية وكانوا يحاربون بالهاونات والبلانسيت ، غير أن أكثر عملياتهم الهجومية كانت تعتمد على الظلام والمفاجأة ، ولقد شهد كثير ممن زاروا الثوار من صحفيين ومؤيدين ومندفعين كثير من المعارك في تلك الفترة ولعل ابرز تلك المعارك قي شهر أغسطس من العام 1965م وكان حاضرا أثنائها الصحفي الشهير حمدي لطفي المحرر في مجلة المصور المصرية والذي كلفته القيادة المصرية بتغطية الأحداث الواقعة في الجنوب المحتل بالتنسيق مع القيادة المصرية قي صنعاء وتعز وقد نقل كثيرا من تلك البطولات للثوار إلى العالم ولعل من ابرز تلك المعارك التي نقلها هي معارك وديان "المسك والمصراح وخزعة" ، ومعارك أخرى في جبال "ركب الجمل والمقصاب وجدد" بالحواشب الشرقية، وقعت أمام هذا الصحفي الكبير والذي كان هو الأبرز والأشهر بين الزائرين اللذين زاروا مناطق الأعمال القتالية في الحواشب وردفان الغربية في العام 1965م ،
ولقد كان للثوار أسلحة جديدة من بينها مدافع مضادة للطائرات التي تلقي قنابلها السامة على قرى الثور أربع مرات كل شهر وفي إبريل من العام 1965م ألقت الطائرات الإنجليزية قنابلها على ردفان الغربية والشرقية طوال 23 يوماً دون توقف ، وكانت قوات المظلات الإنجليزية تقفز إلى المنطقة ولكنها لا تجد ثائراً واحداً على الإطلاق وتتوغل في الجبال وعندما يحل المساء يمسك الثوار فجأة برقاب الإنجليز من الخلف ، ويهاجمونهم بأسلحتهم البيضاء، حدث هذا من منطقة "الملاح" با لحواشب الشرقية ومنطقة "العند" بالحواشب و "الحبيلين" بردفان الغربية داخل منطقة القطيبي وفي منقطة "الأزارق" بالضالع وكل الذي هبطوا من المظليين الإنجليز سقطوا برصاص الثوار وقتل الثوار قوة مظلات إنجليزية كبيرة في "صعيم" بعد معركة رهيبة إستمرت يوماً كاملاً.
أطفال الجنوب الحر ودورهم في المقاومة:-
إن الجنوب اليمني المحتل حمل بأكمله السلاح في وجه المستعمر وهو لن يخضعه إرهاباً أو عجزاً والأطفال دون العاشرة كانوا يأتون من تلقاء أنفسهم إلى مناطق الثوار يطلبون منهم التدريب على القتال وتقوم بتدربهم القيادات الوطنية على استعمال القنابل اليدوية والنساء أيضا تؤدي أدوارها المطلوبة منها بشجاعة ، تفوق شجاعة نساء حركات المقاومة الشعبية ضد النازي في الحرب العالمية الثانية والشيوخ تحولوا إلى أمناء مخازن يحمون ويحرسون الذخائر والغذاء و السلاح.
وأصبح الثوار وكأنهم رجل واحد لم تقع حركة خيانة واحدة ولم يتمرد أحد الجميع تحول إلى مزيج بشري واحد في كل دقيقة يتنفس الجرأة والصلابة وشهوة النصر وفي كل خطوة يجود للثورة بحياته ومن قبل بزوجته وأبنه وبيته وحقله وكل ماله ، وفي كل معركة كان يحمل إحساسا بالعدل والحق والأمل،هذه هي حقيقة ابناء اليمن الاحرار والذي جسدها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه في حربهم ضد المستعمر الغاشم في جنوب الوطن وحققوا الانتصار تلوا الانتصار وكانوا سهاما قاتلة في صدور جنود العدو المغتصب ، وكما كانوا هم الشوكة التي ايقضت مضاجع المحتل في الجنوب كانوا هم أيضا الرجال الذين لبوا نداء الواجب والشرف والغيرة مع إخوانهم ثوار الشمال ضد الإمامة والرجعية والتخلف وشاركوا في كل وادي وجبل جنبا الى جنب مع إخوانهم لطرد الرجعية والخونة من ارض الوطن في شماله ، هولاء هم رجالات الثورة والمخلصين الأبطال الذين وهبوا حياتهم فداء لهذا الوطن الغالي في كل شبر منه ، دون تفرقة أو تقسيم ، او تمايز ، هذه كانت سيرتهم وحياتهم وطموحاتهم ، ولم يستطيع احدا تزييف الحقائق التاريخية حتى وان تجرئوا فلم يستمروا، ولابد للحقيقة ان تنكشف وما زال الحق هو المنتصر وهو الغالب رغم انف كل من أساء للتاريخ و للأمة و للشعب ، فإرادة الشعب هي الأقوى بعد إرادة الله عز وجل ، ولقد كان للأخ العزيز يس محمد عبيد نجل ذالك الشيخ المجاهد بطل قصتنا ، دور مهم في تزويدنا بالوثائق والصور النادرة والتي استطعنا من خلالها طرح الكثير من الأحداث والوقائع التاريخية لثوار الجنوب الأحرار في معاركهم ضد المستعمر ، وكما كان لهذا المجاهد البطل دور في الثورة المجيدة 14 أكتوبر كانت له قصة عجيبة قبل وبعد وفاته في حادث في مكة المكرمة محل إقامته بعد الاستقلال .. والتي ستكون حديثنا في موضوع لاحق .. إن شاء الله .
 

اكثر خبر قراءة محلية
انتشار تعاطي المخدرات بين النساء في عدن
مواضيع مرتبطة
عمر المختار : استقلال الجنوب لا يمر عبر استعادة جمهورية اليمن الديمقراطية أو الفدرالية
وزارة النقل اليمنية: فساد واسع ونهب منظم وبعثرة للمال العام واساطيل من السيارات الفارهة وعشرات الملايين تصرف لأشخاص من خارج الوزارة ( وثائق )
الجزء الثاني من فساد وزارة النقل: إقصاء 15 مديرا واستبدالهم بمقربين من الوزير و417 ألف دولار قيمة سيارتين وأثاث منزلي وتهريب 66 ألف دولار و62 ألف يورو للخارج ( وثائق )
وزارة النقل : ممارسات تعسفية .. تعيينات غير قانونية وفساد مالي وإداري ممنهج ( الحلقة الثالثة . )
اليمن: مافيا عالمية تستهدف تاريخ بلدنا وتراثه
المناضل عبدالحميد الحدي:على المؤتمر نقد تجربته الماضية وترتيب وضعه السياسي المستقبلي
مصادر صحفية تكشف تورط على محسن والزنداني بعقد صفقات سرية مع القاعدة
حقائق مثيرة يكشفها البيت القانوني::
حزب الإصلاح وفرقة علي محسن وحميد الأحمر .. متورطون في مجزرة جمعة الكرامة
انقلاب ناعم على الرئيس::
تحديات كبيرة أمام الانتخابات الرئاسية في اليمن
قضايا ثأر وراء محاولة اغتيال وزير الإعلام اليمني

جميع الحقوق محفوظة © 2009-2024 ردفان برس
برنامج أدرلي الإصدار 7.2، أحد برمجيات منظومة رواسي لتقنية المعلومات والإعلام - خبراء البرمجيات الذكية
انشاء الصفحة: 0.064 ثانية