مسمّيات لافتة وإغراء واضح, وبرشورات دائمة, شعارها التسجيل مستمر, تتناسل وتتوالد كماركات تجارية, بدأت تأخذ أبعاداً جديدة في التسمية, ذات بريق واضح لجذب المستهلكين ـ عفواً الدارسين ـ لم تحقّق الثقة إلى الآن إلا القليل منها, أما الأغلبية أصبحت محل التندُّر والتفكُّه حتى من الناس العاديين, كون أغلبها لا تمتلك بُنية تحتية وأنها مجرد دكاكين للربح على حساب العلم الذي أصبح آخر ما يُهتم به في هذا الوطن, يريد البعض له العودة إلى الوراء بدلاً عن التقدُّم والنهوض, وواقع تعليمي متردٍّ للغاية تعانيه جامعاتنا ومراكزنا العلمية بلا استثناء, وهو وضع أوصل إحدى الكليات في جامعة صنعاء إلى أن تغلق أبوابها مؤخراً..
فساد تعليمي واضح لن يسهم أبداً في التغيير وفي عملية نقل المعرفة وامتلاك لغة الإبداع إلا بعد القضاء عليه ورسم الخطط التعليمية التي سوف تحدّد المستقبل المنشود لوطن مازالت تتناوشه مشاريع الجهل والتبعية والتخلُّف، بالإضافة إلى أنها ـ أي الجامعات الأهلية أو بعضها ـ ليس لديها أي سقف زمني للقبول أو للمعدّل, وأخرى لا تعترف بها وزارة التعليم العالي، لذا شهاداتها غير معترف بها بتاتاً.
فالكثير من طلابها يجدون الأمرّين بعد التخرُّج بحثاً عن ختم الوزارة ومصادقتها التي تتطلّب الجهد والمال والتعب، كما أنها لم ترتقِ بالشكل المطلوب من حيث الكادر والمبنى, وتفتقر إلى مقوّمات التعليم العالي.. قضايا كثيرة تعتور مثل هذا النوع من التعليم حاولنا رصد بعضها في هذا الاستطلاع، فإليه..
مصادقة التعليم الأهلي
البداية كانت مع عبدالرحيم الأديمي, أحد متخرّجي جامعة أهلية في تعز, التقيته وهو خارج من مبنى وزارة التعليم العالي, ظلّ عامين يبحث عن شهادته التي ظلّت تتجاذبها جامعتان بعد أن تمّت تفريخ الثانية من الأولى, في ظاهرة ربما لا تحدث إلا في اليمن..!!.
يقول عن معاناته بأنها كبّدته الجهد والمال والوقت والسفريات, ناهيك عن سفرياته إلى صنعاء من أجل مصادقة التعليم العالي والتي حصل عليها بعد معاناة كبيرة في أروقة الوزارة التي تقاذفته وأخذت منه كل مأخذ، وهو الأمر الذي يعانيه أقرانه في الجامعات المختلفة.
ويقول: إن أسهل شيء لدى من يملك المال والمعرفة والعلاقات هو أن يفتح مدرسة أو جامعة أهلية أو مستشفى أهلي, فلا قانون ولا رقابة كما يبدو تنظم كل ذلك, فهي تجارة رائجة في ظل واقع لا يرحم.
إشكالية
وعن معاناته تحدّث الأديمي بأسى وسخرية مرّة؛ إذ التحق بإحدى الجامعات الأهلية بعد أن توظّف بشهادة دبلوم تجارية في أحد المصانع ووجدها فرصة لمواصلة تعليمه الجامعي والتخصُّص في علوم الكمبيوتر, لكنه اصطدم بواقع الجامعة التي لا يؤهلها أن تكون مدرسة لا جامعة ومركز بحث علمي, ورغم كل شيء واصل الدراسة حتى المستوى الرابع؛ ثم يختلف شركاء الجامعة وينفصل أحدهم مغيّراً اسم الجامعة, فوقعت الإشكالية حتى حُلّت المشكلة مؤخراً، ولحاجتي للشهادة الجامعية اضطررت إلى القدوم للوزارة من أجل المصادقة.
تعامل مزدوج
مازن الهندي تحدّث عن واقع الجامعات الأهلية من تجربة ومعايشة كما يقول: فهو يستفزّه التعامل المجحف وغير المنصف, فهناك تعامل مزدوج بين الطلاب, ففي العام الماضي كدت وزملاء أن نُطرد من قاعة الامتحان, تحت ذريعة عدم تسديد القسط كاملاً, بينما آخرون يُعاملون معاملة خاصة, فهم مثلاً لم يدفعوا ولم يتم طردهم وإخراجهم, وبعد جدل وتدخُّل بعض الطلاب حلّت المشكلة حينها؛ لكن المساواة غير موجودة، فالاستعباد المادي موجود.
وعن الكادر التعليمي يقول الهندي: مسخرة كبيرة واستغفال يتعاظم؛ إذ أكثر التخصّصات لا يهم فيها الحضور, وكل الاهتمام ينصب فقط على الامتحانات وموعد تسديد الرسوم؛ أما أكثر المدرّسين فهم من حملة البكالوريوس.
فاشلة
أغلب الجامعات الأهلية فاشلة في اليمن ولا ترتقي إلى ما هو مطلوب بنظر الهندي؛ لأن هدفها الواضح من خلال التعاملات داخل هذه الجامعات مادي بحت للأسف، وفوق هذا لا يحظى الطالب بمستوى عالٍ من الدراسة والمعلومات والبحث العلمي الذي يجب أن يكون هو المقصود من فتح هذه الجامعات ويكون فيها التنافس واضحاً وتقديم الأفضل والأجود؛ لكن لا شيء من كل ذلك، فالهم الأكبر كما يبدو لدى القائمين على هذا التعليم هو الربح، أما الدارسون فهمهم الأول والأخير هو الشهادة الكرتونية فقط.
وسيلة للربح
علي الموشكي.. إعلامي قال: التعليم الأهلي يراه بعض الأشخاص هروباً من التعليم الحكومي الذي تدهور كثيراً, معتبرين التعليم الأهلي أفضل لأولادهم, فبالفلوس سيعلّم ابنه أفضل تعليم، صحيح هناك تعليم أهلي أجود من الحكومي؛ لكن نادراً ما نرى ذلك لأن أغلب التعليم الأهلي أصبح وسيلة للربح ويُنظر إليه من منظور تجاري، فهو يكلّف كثيراً من المال؛ لذلك لا يلتحق بهذا النوع من التعليم سوى الأغنياء، أما الطبقة الدنيا فلا حول لها ولا قوة, كما أنه من وجهة نظري يتشابه مع التعليم الحكومي سواء بالمنهج أم طريقة التعليم؛ إلا القليل منه ممن ينتهج تعليماً له نوع من الخصوصية.
فساد تعليمي
أحمد الشامي, خريج جامعة خاصة"علوم مالية ومصرفية" يرى أن الفساد التعليمي داخل الجامعات اليمنية يعود السبب الأول والأخير إلى وزارة التعليم العالي, حيث لا تهتم بهذا الجانب وعدم وجود رقابة على طريقة التعليم في اليمن، فقد أصبح الطالب لا يهتم بالمنهاج الدراسي بقدر ما يهتم بأسئلة الاختبارات التي تكون محدّدة من قبل بعض الدكاترة، وكذلك أهداف بعض الجامعات الخاصة لا يكون هدفها التعليم, بل هدف الربح في الأول والأخير، وكذلك الغياب التام في الجانب النظري في القطاع الخاص, كما هو موجود في القطاع الحكومي، فلن تعبر اليمن إلى الدول المتقدمة ومجتمع المعلومات الذي يسهم في عملية نقل المعرفة وامتلاك لغة الإبداع إلا بعد القضاء على الفساد التعليمي ورسم الخطط التعليمية التي سوف تحدّد المستقبل.
نجاح مضمون
أحمد الجبيحي, طالب جامعي؛ في رأيه أن معظم الجامعات الأهلية باليمن مجرد دكاكين لبيع الشهادات الأكاديمية, والاختلاف الوحيد هو في الفترة الزمنية التي تتشابه مع التعليم الجامعي الحكومي, ناهيك عن النجاح المضمون للطالب وبدرجات عالية يعني “تنجح بزلطك مش بزلط الحكومة” وكما قال الزميل والصحافي «غمدان اليوسفي» عن التعليم الأهلي: “يبيعون لك الوهم وبفلوس كمان..!!” طبعاً هذه إحدى السلبيات وهي كثيرة, أما الإيجابيات فمن الضروري أن يكون لها إيجابيات؛ وإلا فما الفائدة من وجودها..؟!.
انتشار كبير
بدوره خليل المخلافي يقرّر أن الجامعات الأهلية غرضها الرئيس هو العائد المادي فقط ولا تؤدّي واجبها المتمثّل في رفد بلدنا بجيل متسلّح بالعلم وقادر على النهوض بوطنه, فانتشرت بشكل كبير في بلدنا مستغلة ضعف القدرة الاستيعابية للجامعات الحكومية وإقبال الشباب عليها, فهي من وجهة نظره دكاكين تصدّر الفشل ولا تنتج معرفة.
نوعية
وعلى العكس ـ عن كل ما سبق ـ نهاد محمد ترى أنها تدرس في جامعة أهلية عن حب, ولم تحاول التسجيل في جامعة حكومية؛ لأنها ترى الاهتمام بالتعليم فيها أكثر لأن جامعتها نوعية وأكثر الكادر العامل فيها أجنبي, وهناك أشياء أخرى منها قلّة الطلاب ووجود الخدمات الطلابية الممتازة.
إيجابيات وسلبيات
إبراهيم الغزالي، إعلامي يرى أن للتعليم الأهلي إيجابياته وسلبياته, ومن الإيجابيات قد يكون هناك اهتمام بالتمارين وكذا التدريبات العملية, بينما في المعامل للأسف ـ كما يقول ـ تفتقر إليها الجامعات الحكومية كثيراً, وإذا وجدت فهي مغلقة، أما في التعليم الخاص فهناك أسلوب البحث وإعطاء الفرصة, بينما في العام هناك صعوبة وضيق الزمن.
وهناك بعض السلبيات منها أن بعض الجامعات الأهلية لم ترتقِ بالشكل المطلوب من حيث الكادر والمبنى, وتفتقر إلى مقومات التعليم العالي؛ لكن بكل صراحة مشكلة التعليم هي مشكلة جذرية في الأسلوب وفي السياسيات العامة والخاصة والتي تدخّلت في طرح الأسماء لبعض الجامعات كلاً حسب سياسته, وهذا ما يعكس على استغلال الطلاب والشباب في مكاسب سياسية وشخصية وهذه الكارثة.