عتبات الترقي
دكتور/د.عمر عبد العزيز
دكتور/د.عمر عبد العزيز
 

 الكتابة بعامة والكتابة للمسرح ضمناً لا تختلف جوهرياً عن الكتابة الأدبية بمعناها الواسع، لكنها تتميز بالتحرير البصري الذي يشابه الكتابة السينمائية في أفق ما ، وأقصد بالتحرير البصري تلك الطاقة الكتابية السابقة على تسطير النص فوق الورق ، مما يمكن تسميته بالنص السابق على الكتابة، وهو بهذا المعنى نص ذهني افتراضي أشبه ما يكون بالشحنة الدافعة للكتابة، ومثل هذا النص الذهني يعبر عن حالة التمثل الإدراكي المعرفي لما يريد الكاتب توصيله، وعليه لا بد لهذا الكاتب أن يمتلك جهازاً مفاهيمياً يرى بعين اليقين أهمية علمي جمال الشكل والمضمون بوصفهما روافع كبرى لإبداع كاتب النص المسرحي، ويتم ظهور هذين العاملين السابقين على الكتابة في قدرة الكاتب على التعامل مع النص المسرحي بوصفه نصاً بصرياً بامتياز، بالرغم من كونه مكتوباً بلغة الكلام، والشاهد أن هذا النص يكتسب خصوصيته من خلال عتباته أو هوامشه الظاهرة بعد الكتابة والتي تشي بصلة مؤكدة مع مآلات النص القادمة على خشبة المسرح .

اخترت الكتابة للمسرح للتدليل على شمولية الناموس الناظم لكل كتابة، وهو ناموس يتصل بالنصوص المختلفة بوصفها فصوصاً لجوهر واحد، والشاهد أن الكتابة الأدبية لا تتصل بالتشكيل والموسيقى من حيث التناص الافتراضي بين هذه المستويات فقط، بل أيضاً من حيث الحضور المباشر للتشكيل والموسيقى في ظاهر النص وباطنه ، فالكتابة بوصفها شكلاً يحدد هيئة المكتوب ليست إلا حالة من النسق والانتظام البصري الشكلاني الجمالي المصحوب بموسيقى الصمت تارة ، وموسيقى الصوت الظاهر أحايين أخرى.

من هنا يمكننا رصد كيفية الارتقاء بالكتابة بعامة والكتابة للمسرح بخاصة، وسنرصد هنا ثلاثة مستويات احتمالية للترقي بالكتابة المسرحية، أولها سابق على الكتابة فيما أسميناه بطاقة الخيال ، والثاني لاحق على الخيال فيما نسميه النص المسافر على عتبات الرؤية البصرية السابقة على مآلات النص المكتوب ، وأخيراً مصائر النص على الخشبة كتكوين للمقدمتين السابقتين.

 تلك العتبات الافتراضية للترقي بالكتابة المسرحية ليست حكراً على المسرح فقط، بل تشمل كما أسلفنا كل كتابة، ولعل استرجاعاً منهجياً لرؤية الشيخ محيي الدين ابن عربي المبثوثة في تضاعيف نصوصه الشارحة كفيلة بإظهار حيوية هذا المعنى ، وبالمقابل فإن ما ذهب إليه رولان بارت في رؤيته حول ما يسميه موت المؤلف يوصلنا إلى ذات القناعة، فالمؤلف يتداعى مع لحظة الكتابة مستبطنها طاقة الحواس المختلفة، وكأنه يعيد صياغة تلك الحواس عبر معيارية اللغة التي وإن كتبت بوصفها كلاماً، إلا أنها تتجاوز الكلام، وتلك لطيفة من لطائف الإشارات.

 

Omaraziz105@gmail.com


في الثلاثاء 04 مارس - آذار 2014 08:40:38 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=1009