القمة والقاعدة
دكتور/د.عمر عبد العزيز
دكتور/د.عمر عبد العزيز
ليس للإبداع قمة وقاعدة .. وليست للموهبة والإبداع أدوات بعينها .. ولكل ما تيسر له .. ولكل واحد منطلقات في تعبيره الإبداعي ، فإذا أخذنا مثلاً في الكتابات السردية المعروفة كما عند «تشيخوف» و «غوغول» في الأدب الروسي سنجد أن الميزة النسبية لتشيخوف تكمن في قدرته الكبيرة على اختزال المشاهد والشواهد والتقاط المعالم الرئيسة التي تكشف سر أعماله القصصية .. وكذا الحساسية تجاه البيئة ومعطياتها .. وبالمقابل سنجد غوغول أمْيل إلى الإبحار في العوالم الداخلية لأبطاله بما يشي بنوع من التراجيديا الإنسانية الرفيعة .. وعلى هذا المنوال يمكن أن نعقد هذه المقارنات عند «جابرييل جارسيا ماركيز» و « جوجي أمادو» في أمريكا اللاتينية.. وهكذا . 
ما أود قوله :إن الموهبة لا تتنفس خارج المعرفة والذائقة معاً .. لا يمكنها أن تفيض بمكنوناتها دونما اشتعال بجمرات الحياة والتاريخ .. هل نسمي ذلك أدوات للموهبة ؟ 
 الشعر والقصة القصيرة يشتركان في انطلاقهما من البيان .. ويتقاطعان في العديد من المشتركات كالغنائية بوصفها مسحة عامة للأجناس الأدبية .. وحسن توظيف اللغة واستنطاق مكنوناتها ومجازاتها .. وكالتصوير .. وما إلى ذلك .. غير أن للشعر طابعاً خاصاً مداه الاختزال الشديد والتجريد الغنائي وفتح فجوات للتخييل وعدم إشهار المعاني والاستنتاجات وما إلى ذلك .. أمّا القصة القصيرة فإنها تستند إلى أصل حكائي ومنطق موصول بدراما الحياة وتجلياتها مع قابلية كبيرة لاستخدام عناصر لغوية وتصويرية وبنائية إبداعية . 
وإذا وقفنا عند الموهوب شعرياً والموهوب قصصياً، فإن دربة الأول تميل إلى الاختزال والحساسية الرفيعة تجاه الكلمة، وتخليص النصوص من مألوف معانيها إلى معانٍ جديدة .. يقول أبو نواس في هذا الصدد : غيـــر أنــي قــائــل مـاأتاني      من ظنوني مكذب للعيان أخذ  نفسي بتأليـف شــيء        واحد في اللفظ شتى المعاني 
 قائم في الوهم حتى إذاما    رمته رمت معمى المكان 
أما القصة القصيرة فإن لكاتبها خيال الحكاء «بفتح الحاء وتشديد الكاف».. وهو سارد رشيق للكلام .. ناعم في انتقالاته .. قادر على نقل وقائع الحياة بطريقة فنية. 
Omaraziz105@gmail.com 


في الخميس 07 أغسطس-آب 2014 06:12:57 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=1610