أحزاب تصنع الأزمات
كاتب/خالد حسان
كاتب/خالد حسان
• كُنا نعتقد أننا تجاوزنا مسألة تقبُّل الآخر إلى مرحلة أكثر تطوّراً مرتكزها الأساسي التعايش الإيجابي المثمر بين أبناء الوطن الواحد على مختلف توجهاتهم السياسية والفكرية، إلا أننا مازلنا ـ للأسف الشديد ـ نغرق في الاختلافات السياسية، ولا نؤمن برأي الآخر ولا نتقبّله وإن كان صائباً، بل نعشق الدخول في سجالات ومناكفات قاتلة معه، وهو أمرٌ لا يحتاج إلى الكثير من الاجتهاد لندرك مدى تعصُّب كل حزب لأفكاره وآرائه وصوابيتها دوناً عن غيرها، وهذا التعصُّب للرأي والتخندق وراء المواقف المتصلبة هما من أدخلانا في عديد الأزمات وآخرها الأزمة الراهنة التي تكاد تعصف بالبلاد. 
• يمكن القول إن كل الأزمات والمشاكل التي نعانيها وطناً ومواطنين سببها أحزابنا السياسية التي دائماً في حالة صراع وعراك فيما بينها، لم ترغب يوماً بالاتفاق والتوافق والتقارب قدر هوسها بالاختلاف والتنافر والتباعد، ورغم أن السياسة ـ كما يُقال ـ هي فن الممكن؛ أي الوصول ولو إلى حد أدنى من التفاهم والتناغم والعمل السياسي المشترك من أجل خدمة الوطن والمواطنين، ولا ضير من تقديم تنازلات من هنا ومن هناك لتسير عجلة الحياة والوصول بالوطن إلى بر الأمان، لكن أحزابنا لا تفهم السياسة إلا باعتبارها فن الاختلاف والصراع وكسر العظم ولي الذّراع. 
• تغيب الدولة كمبنى وكمعنى من توجهات معظم الأحزاب السياسية في بلادنا، ولا توجد إلا في وثائقها النظرية، أما على أرض الواقع العملي فهي أول من يسعى إلى تقويض هيبتها وسيادتها؛ بل تطرح نفسها كبديل للدولة، مع أن المفترض أن تتركز جهودها أولاً وقبل كل شيء على إعادة الاعتبار للدولة، والإسهام في تأسيس وبناء الدولة الحديثة؛ دولة المؤسسات والقانون، باعتبار ذلك مقدّمة لأية تحوّلات سياسية واجتماعية واقتصادية منشودة، لكن ما نجده أن أحزابنا السياسية تركز على مصالحها أولاً، بينما الوطن والمواطن يأتيان في آخر قائمة اهتماماتها. 
• كقوى سياسية تقول إنها تناضل من أجل بناء الوطن وتطويره وازدهاره وتحقيق وضع أفضل للشعب وانتزاع أكبر قدر من الحقوق والحريات له، لكن ما تقوم به هذه الأحزاب على أرض الواقع هو أنها تسهم بصورة أو أخرى في تفاقم المشاكل والأزمات بسبب تخلّيها عن القيام بواجبها تجاه الوطن والمواطن، وانشغالها في معارك جانبية بهدف تحقيق مكاسب حزبية صغيرة ومحدودة في تجاهل واضح لمسؤولياتها تجاه الوطن والمواطن. 
• في ظل الأوضاع الراهنة التي ابتعدت فيها أحزابنا السياسية عن التفاهم والتوافق لإيجاد حلول سياسية سلمية للأزمة الحالية إلى تأجيج الصراعات وإشعال نار الفتنة وتوزيع الخراب وتدمير السلم المجتمعي؛ هل يمكن أن نسمّيها أحزاباً سياسية..؟! قطعاً لا، لأن هذه الأحزاب ـ وإن كانت تدّعي أنها تمارس السياسة ـ لا علاقة لها بالعمل السياسي لا من قريب أو بعيد؛ إنما هي أشبه بعصابات للعراك وإثارة المشاكل وتعميق الاختلافات والتباينات والتفنُّن في صناعة الأزمات. 
• فهل فعلاً يشعر سياسيونا بما يعانيه الوطن ومواطنوه ويكابدونه جرّاء الأزمات المستمرة والمتعدّدة..؟! بالتأكيد لا؛ وإلا لكنّا وجدناهم أقرب إلى الحلول منهم إلى التصعيد وزيادة التأزيم، فما حدث ويحدث على أرض الواقع أن كل الحلول تصل إلى طرق مسدودة، وكلما لاحت في الأفق بوادر إيجابية ومشجّعة لحل أية أزمة؛ يظهر فيهم من يعمل على إفشالها بل زيادة التأزيم وتفجير الأوضاع. 
• ما نتمنّاه هو أن تثبت أحزابنا السياسية فعلياً أن الوطن والمواطن مدرجان في حساباتها ولو لمرة واحدة، كأن تتفق على قرار جماعي يستهدف المصلحة الوطنية، وتعمل بصدق لحلحلة الأزمة الراهنة بدلاً من زيادة الاحتقان وتأجيج الوضع وتوسيع دائرة العنف، فهل يستطيعون ذلك ولو من باب ذر الرماد في العيون..؟!. 
k.aboahmed@gmail.com 


في الأحد 21 سبتمبر-أيلول 2014 07:06:29 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=1810