الحكومة ومفهوم الغنائم
استاذ/عباس الديلمي
استاذ/عباس الديلمي
في البداية نرحّب بالوجهين الجديدين على طاولة المشاركة ولا أقول التقاسم، وهما أنصار الله والحراك الجنوبي، وبسم الله نقدم على خطوة جديدة وبمقتضيات ما أحدثته ثورة 21 سبتمبر الشعبية من متغيرات ومستجدات. 
مرحلة جديدة تبدأ من على طاولة السلم والشراكة التي يتصدّرها الرئيس عبدربه منصور هادي ويجلس على يمينها المؤتمر وحلفاؤه «14 مكوّناً» والمشترك وشركاؤه «9 مكوّنات» ويجلس على يسارها أنصار الله وأنصارهم، والحراك الجنوبي ومن معه من المكوّنات والأنصار. 
حكومة جديدة ومرحلة جديدة ومنعطف تاريخي مهم جداً يضعها أمام مسؤوليات كبيرة لها أولوياتها التي نترك لها ترتيبها ـ مثل تثبيت وإشاعة مبدأ القبول بالآخر ـ الذي يشكّل غيابه بؤرة مشاكلنا واقتتالنا ـ وضبط موارد الدولة وترشيد نفقاتها، والقضاء على منابع الفساد وهيمنة النفوذ وسيادة القرار والحفاظ على ماء وجه اليمن مما هو مذل ويخرج عن نطاق المساعدات والتعاون وكذلك آفة الإرهاب وما أدراك ما الإرهاب. 
مرحلة مهمة ومسؤوليات جسام عليها أن تضع الحد الفاصل بيننا وبين اجترار ما دفع بالبلاد إلى ما أصابها وأضعفها وأفقرها، والأهم من ذلك هو إيجاد الثقة المطلوبة من الشارع في أحزابه ومن في السلطة؛ ولأن هذا ما أتوقّعه ـ ومعي من يشاركني الأمل ـ فقد قمت بما يشبه الاستبيان المصغّر بين عينات من بسطاء الناس وعينات من النُخب السياسية أو ما نعتبرها كذلك. 
حاولت أو كان هدفي هو تكوين مفهوم لما يدور وكيف ينظر الناس إلى حكومة جديدة في وضع مختلف عن سابقه، وجدت أن التفاؤل والأمل في أوساط البسطاء والعامة من الناس يكاد أن يحصر على الوجوه الجديدة، أو من لم يجربوهم على الواقع العملي، وهما أنصار الله والحراك الجنوبي، بعد نشر نتائج القرعة التي وزّعت الحقائب الوزارية على أساس 9 + 9 و 6 + 6 ومعرفة أن وزارات مهمّة مثل النفط والخدمة المدنية والكهرباء كانت من نصيب أنصار الله، وأن وزارات مثل التربية والتعليم والصناعة والتجارة والشؤون القانونية، كانت من نصيب الحراك؛ تجدهم ـ أي بسطاء الناس وعوامهم ـ يتساءلون قائلين: هل سيتمكن أنصار الله من القضاء على الفساد في النفط والكهرباء وإصلاح شأنهما، وهل سيتمكنون من القضاء على الاختلالات وعدم تكافؤ الفرص وتوظيف الولاءات والمحسوبيات في الخدمة المدنية وإنقاذ أبنائنا من آفة التوظيف الوهمي... إلخ..؟!. ويتساءلون بالقول: ترى هل سينجح الحراك في إصلاح وضع التعليم بالبلاد وما يعانيه من فساد متراكم وعبث حزبي وتلغيم عقائدي، وهل يمكنه تقويم الاعوجاجات في وزارتي الشؤون القانونية والتجارة والصناعة والنأي بهما عن معاول النفوذ والسلبيات المعروفة..؟!. 
هكذا يتساءل البسطاء متفائلين في الوجوه الجديدة، أو في غير المجرب، أما النُخب السياسية، فقد وجدت أن أحاديثها ومناقشاتها لما حدث وما أفرزته القرعة ـ المشار إليها ـ يكاد ينحصر على ما هو مصلحي أو معبّر عن مخاوف معيّنة كالقول إن من صالح الحزب أو التيّار المعيّن أن الوزارة الفلانية كانت من نصيبه، ومن حظ التيار أو الحزب الفلاني أنه سيستفيد بكذا وكذا من الوزارة الفلانية، وهل سيوظف أو يستغل الحزب أو التيار الفلاني تلك الوزارة لمصلحته في كذا وكذا..؟!. 
إنها رؤى تكاد لا تخرج عن نظرة الربح والاستفادة، والمخاوف من هذا التيار أو ذاك، ويستمر التحليل إلى أن يصلوا إلى ترتيب المستفيدين من توزيع قرعة الوزارات، ولا ينقصهم إلا من يأتي ليقول لهم، لكل نصيبه وإن تفاوتت الحصص، فلا تقلقوا، فكل حزب بما لديهم فرحون، فلم يخرج أحد خالي الوفاض ـ كما يقال.. إنه لأمر يستحق التأمل والنقاش، لماذا ينحصر تفاؤل عامة الناس على الوجوه الجديدة وكأنهم يائسون ممن جرّبوهم، ولماذا تنشغل النُخب بالتحليلات القائمة على تحديد المكاسب والمصالح وتفاوتها بين أطراف الشراكة، وكذلك المخاوف الناجمة عن توقُّع استغلال هذا الشريك أو ذاك لأهمية وزارة كانت من نصيبه..؟!. 
لماذا لا يضعون نصب أعينهم وتحليلاتهم المهام المطلوبة من حكومة جديدة في مرحلة مختلفة، وكيف يمكنها أن تحقّق أهداف وتطلُّعات سالت من أجلها دماء ودمّرت أحياء وذاق الناس الأمرّين، ولماذا لا يحدّدون المطلوب من حكومة ترأسها شخصية مستقلّة ومحل إجماع، حكومة تحرّرت من إملاءاتٍ ونفوذٍ وإرعاب ومراكز قوى تستطيع القول عن إسقاطها إنها ثورة شعبية بما يعنيه المصطلح..؟!. 
بقي سؤال أو تساؤل يقول: هل جاء فشل الحكومة السابقة ليعزّز لدى الناس ـ بما فيهم النُخب السياسية ـ أن تقاسم المواقع القيادية الوزارية بين الأحزاب ما هو إلا توزيع غنائم أو “فيد” بالمصطلح الشعبي..؟ 
نأمل أن تأتي هذه الحكومة بما يلغي هذا المفهوم النابع من تشاؤم ويأس. نامل ذلك.


في الإثنين 27 أكتوبر-تشرين الأول 2014 02:02:55 م

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=1959