المتواليات الجهنّمية للتاريخ الأسود
دكتور/د.عمر عبد العزيز
دكتور/د.عمر عبد العزيز
ليس التاريخ الإنساني المعروف سوى مزيج من الوحشية المستمرة ولحظات الاسترخاء الموقتة في أحضان الحكمة والرويّة، حتى إن المؤرّخين يجمعون على أن الشر كان ومازال يتمدّد بظلال قاتمة على التاريخ البشري. 
غير أن الله منح الإنسان القدرة على التفكير والنظر في عواقب الأمور، مما يفسّر لنا ما آلت إليه إحدى أكثر المؤسّسات وحشية في التاريخ الإنساني المعاصر وهي المؤسّسة الرأسمالية الخارجة من إضبارة الفكر المادي القائل إن النماء يتوازى مع الصراع المستديم حيث يكون الضعيف منسحقاً بالضرورة والقوي يزداد قوة. 
جاء هذا الفكر المستغرق في فلسفة القوة والانتخاب الطبيعي عطفاً على نظرات الفيلسوف نيتشه وعالم الطبيعيات داروين، كلاهما رشد لفلسفة القوة, سواء بالمعنى الإرادوي المُمعن كما فعل نيتشه أو بالمعنى الطبيعي الجبري كما قال داروين، وبهذا القدر من المتكئات مضت الرأسمالية في طورها الأول مفعمة بحيوية الاستغلال الجائر والفوارق الطبقية الكبيرة وعدم الالتفات إلى مصائر الضعفاء. 
لكن هذه الرأسمالية ذاتها وصلت في نهاية المطاف إلى قناعات محدّدة وهي ضرورة الحفاظ على توازن المجتمع والتخلّي التدريجي عن النزعة النمائية الفردية المفرطة وإلزام الدولة أن تتولّى العناية والرعاية للبشر سواء أكانوا معوقين أم متبطّلين أو صغاراً في السن أو غير قادرين على المزاحمة في البورصة العملية والمالية الجهنمية للنظام الرأسمالي. 
وتبعاً لذلك نشأت منظومات واسعة من المرجعيات والهيئات والمؤسّسات الحاضنة للفقراء والمحتاجين، وأصبحت هنالك ثوابت لا مناص منها؛ خاصة ما يتعلّق بالتعليم والعلاج والغذاء والسكن، فقد وفّرت تلك الأنظمة الخارجة من رحم الوحشية التاريخية الحد الأدنى للحفاظ على آدمية وكرامة الإنسان؛ أي أنها أخذت بمبدأ الترشيد, حفاظاً على السلم الاجتماعي واعتقاداً بأن أي احتقان في المجتمع سيطال الجميع ولن يوفر غنياً أو فقيراً. 
بمقابل هذه الصورة التاريخية التي وصلت إليها الأنظمة الرأسمالية في عقر دارها، نجد حالة من متاهة تكرار الوحشية البدائية في كثرة كاثرة من بلدان العالم ومنها البلدان العربية؛ كأننا لسنا بحاجة إلى الاستفادة من تجارب الآخرين، أو كأننا نمعن في تكرار المتواليات الجهنمية للتاريخ الأسود لأوروبا وآسيا. 
إن الاحتقانات السياسية والمجتمعية في بلداننا إنما جاءت عطفاً على المفارقات الحياتية والاجتماعية والاقتصادية؛ حيث نجد صاحب المال يتصرّف خارج الاستحقاقات المنظورة دينياً ودنيوياً، كما نجد المفتقر إلى الكفاءة والمال يهيم على وجهه باحثاً عن مخرج من الفاقة والشعور بالإحباط والظلم. 
 وحتى يكون لنا مكان لائق في هذا العالم المليء بالعواصف؛ لا مفر من دحر الوحشية في دواخلنا، ووضع الدولة في أساس دورها المجتمعي والتاريخي بوصفها الميزان الدنيوي للعدل والكفاءة. 
Omaraziz105@gmail.com 


في السبت 15 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 08:21:43 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2050