عن حريق البوعزيزي وحرائق لم «تُطفأ»
كاتب/عبدالله الدهمشي
كاتب/عبدالله الدهمشي
أشعل جسد محمد البوعزيزي المحترق في سيدي بوزيد في تونس انتفاضة شعبية عارمة في تونس مطالبة بالحرية والكرامة والخبز, وبالتغيير الذي تحقق برحيل الرئيس زين العابدين بن علي ومن تونس إلى منفاه البعيد بجدة. 
لكن الجسد المشتعل احتجاجاً على القهر والإقصاء والتهميش أشعل في محيطه العربي حرائق لم تنطفىء بعد في كل الأقطار العربية التي شهدت أحداث ما سمّي بـ “الربيع العربي” مطلع العام 2011م, ففي الجوار التونسي حرائق مدمرة في ليبيا ومصر, وإلى الشرق حرائق مستمرة في سوريا واليمن, فهل فتح حريق البوعزيزي ربيع الحرية العربية أم فتح جحيم الصراعات والعدوان الأجنبي؟. 
تقول الحقائق كما تنطق الوقائع كل يوم إن الجحيم الذي أشعله احتراق الجسد المقهور لمواطن عربي, قد تأجّج بوقود القهر والاضطهاد وبركان الغضب والانعتاق, لكنه سرعان ما وقع في قبضة القوى التي أرادته وسيلة لتحقيق أجندة مشبوهة وتنفيذ مؤامرات مُحاكة بدافع الثأر التاريخي وغايات الطمع العدواني لتحالف قديم جديد جمع بين قوى سايكس - بيكو - بلفور وقوى الرجعية الحارسة للتجزئة والتخلّف, فكانت ليبيا ثم سوريا ضحية الحريق والجحيم.. في مصر, كما في اليمن تتضاعف تعقيدات أزمة أشعلها الحريق وأبقتها الحسابات الخاطئة في رهاناتها على تمحورات إقليمية ودولية, لا تتفق حساباتها ومصالحها مع الأمن والاستقرار اللازمين لتحول ديموقراطي منشود ومطلوب لتحقيق أهداف الانتفاضة الشعبية في الأقطار العربية التي خرجت جماهيرها في حدث غير مسبوق لرفض القهر والاستبداد والمطالبة بالحرية والكرامة والخبز. 
تبدو حركة الحرائق الراهنة في ليبيا وسوريا تحديداً مدفوعة بحسابات إقليمية ودولية ظاهرها إرهاب داعش وأخواتها والحرب المفتوحة عليها, وباطنها الحرب الباردة الجديدة على المصالح والنفوذ بين القوى الكبرى على الساحة الدولية وامتداداتها عربياً وإقليمياً, على محور وحيد يخدم الكيان الصهيوني بتدمير وتمزيق ما حوله من أقطار التجزئة الأولى للوطن العربي وأمته المجيدة.
لم تخرج من رماد الحرائق دعوة فكرية واضحة للديمقراطية والدمقرطة, بل إن الذي خرج من الرماد هو مارد الطائفية والتطرّف وتمزّق الأوطان وحدّة الصراعات العنيفة وتفجير الاقتتال الأهلي والتدمير الذاتي في أقطار عربية وتنذر بتمدّده إلى أخرى, وفي كلٍّ لم يتبق من رماد البوعزيزي غير أمل خافت صنعته تونس بقدرتها على التغيير الآمن والتأسيس الممكن لانتقالة عربية وحيدة وفريدة نحو ديمقراطية ناشئة قد لا تصمد في تونس ولا تصل إلى غيرها. 

Albadeel.c@gmail.com 


في الخميس 11 ديسمبر-كانون الأول 2014 08:27:24 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2175