|
قبل ان استرسل اريد من الجميع ان نسأل انفسنا ماذا نريد فعلا، هل نريد إسقاط النظام أم بقاء النظام أم بناء دولة ديمقراطية (بكل ما تحملة الديمقراطية من معاني)، تحارب الفساد وتصون الحقوق والحريات للجميع. سيجيب مؤيدوا النظام بالقول اننا مع بقاء النظام وعمل اصلاحات وبناء دولة ديمقراطية، وسيجيب المعارضون نحن مع إسقاط النظام لنستطيع بناء الدولة الديمقراطية العادلة، وهناك شريحة كبيرة من الناس ستقول نحن لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء ولكننا مع دولة ونظام ديمقراطي يحمي حقوققنا ويلبي مطالبنا.
بعدها يأتي السؤال التالي اذا كانت الظروف والمعطيات على ارض الواقع لا تسمح الا بتحقق مطلب واحد وعلينا الاختيار بمعنى ان على المؤيدين الاختيار بين بقاء النظام او الدولة الديمقراطية وعلى المعارضين الاختيار بين سقوط النظام او الدولة الديمقراطية أكاد اجزم أن الأغلبية العظمى ستختار بناء الدولة الديمقراطية إلا فئتين، فئة الحاقدون شخصيا على الرئيس والنظام الذين سيفضلون سقوط النظام بغض النظرعن العواقب وفئة الفاسدون المنتفعون من النظام الذين سيفضلون بقاءه لتبقى مصالحهم في أمان.
اذا ما اتفقتكم معي ان الهدف المتمثل في تحول اليمن الى بلد ديمقراطي حقيقي هو الهدف الاسمى والذي يتفق عليه معظم افراد الشعب وهو الهدف الذي يجب ان نسعى لتحقيقه دعونا ننظر إلى ما هي افضل الطرق لتحقيقه وباقل الخسائر في الأرواح والأموال.
إلى ما قبل سبوع كنت اعتقد ان النظام في ايامه الاخيرة وأن المستقبل هو لنظام جديد وليمن ديمقراطية موحدة ولكن أحداث الأسبوع الماضي خلطت الأوراق وزادت من السيناريوهات المحتملة لنهاية ثورة الشباب السلمية. الى ما قبل اسبوع كان الرئيس يقدم المبادرة تلو المبادرة وكان شباب الثورة واحزاب المعارضة يرفضوا حتى التعاطي مع هذه المبادارات ويصروا على رحيل الرئيس وبدون أي شروط أو تفاوض. وأعتقد أن الرئيس ربما لم يكن جادا في كل مباداراته وكان طرحه لمبادرة بعد اخرى وتوسيط العلماء ومن ثم التراجع دليل على عدم جديته ولكنه ايضا دليل على انه أدرك بإن نظامه راحل ويريد بمبادراته المختلفة كسب بعض الوقت أو تحسين موقفه التفاوضي. كان الرئيس وحزب الموتمر يحاولوا جمع الانصار والخروج في مظاهرات لإثبات انهم مازالوا يتمتعون بشعبية ولكن كل هذه الجهود لم تفلح وكان مؤيدوا الشباب يزدادون يوما بعد يوم وكانت مطالبهم تلقى قبولا من أعداد كبيرة من الناس وفئات كثيرة من المجتمع وكان كثيرا من الناس أو من يسمى الأغلبية الصامتة يؤيدون الشباب ويحلمون باليمن الجديد الخالي من رموز الفساد والإستبداد، اليمن الجديد الذي سيساوي بين جميع افراد المجتمع! وحدثت مجزرة الجمعة والتي راح ضحيتها اكثر من 52 شهيد وعشرات الجرحى وبدا أن النظام يدق المسمار الأخير في نعشه ولكن الأحداث التي وقعت في الاسبوع التالي لمذبحة الجمعة غيرت من مواقف الناس وخاصة مِن مَن يسمى الأغلبية الصامته وحتى من بعض مؤيدي الثورة. فدخول الجنرال علي محسن ومن تبعه في صف الثورة وتأييدهم لمطلب التغيير أحدث بلبله في صفوف الثوار وبقيه أفراد الشعب. فمن كان يريد إسقاط النظام بكل رموزه أصبح مرتبكا فكيف يصبح النصف الآخر من النظام مع الثورة، وبدا الأمر من وجهه نظر البعض وكأنه إنقلاب أو محاوله للقفز من السفينه الغارقه وسرت مخاوف بين الناس أن ما يحصل هو فقط صراع على السلطه بين قطبي العائلة وسيضيع بينهم الشباب ومطالبهم ومازاد من مخاوف الناس هو قبول الثوار والمعارضة بإنضمام علي محسن فهو ليس شخص عادي أو مجرد عمود من أعمدة النظام بل هو النظام نفسه ولمن يعلم من هو علي محسن وماذا يمثل يعلم انه يمثل كل ما نرفضه في النظام الحالي فكيف تم القبول به كجزء من الثورة! الإستقالات التي تلت وإنضمام الشيخ صادق الأحمر والزنداني إلى صف علي محسن وبث شريط الجزيرة المزور عن احداث السجن المركزي بصنعاء إضافة إلى التصريحات الرعناء والمتهورة التي اطلقها قحطان الناطق الرسمي للمشترك أحدث بلبلة بين اوساط الناس وبدا أن في الأمر مؤامرة وخيانة وليس ثورة شبابية وأن الشباب هم فقط أداة وسيتم الالتفاف عليهم بعد إزاحة الرئيس. هذا كله أدى الى تعاطف كثير من أفراد الشعب وأنا شخصيا سمعت من عدة أشخاص (وهم أشخاص ممن يمكن تسميتهم بالفئة الصامتة) في محيط العائلة والحارة والعمل أنهم ينوون الذهاب يوم الجمعة الى ميدان التحرير والسبعين لانهم يشعروا أن هناك مؤامرة ولن يكونوا متفرجين على ما يحدث. وخرجت يوم الجمعة مظاهرة حاشدة ولن أتحدث عن الارقام فهي غير مهمة ولكن المهم ان المظاهرة بينت ان الرئيس مازال يتمتع ببعض التأييد. بالطبع أعادت هذه الأحداث كثيرا من الثقة والقوة للرئيس والفئة التي تريد بقاءه واستبدل الحديث عن المبادارات السابقة بمسألة الشرعية الدستورية والصندوق ومن يملك الأغلبية.
أعلم أن البعض لديهم وجهة نظر لما حدث ولديهم تحليل آخر ولكن أعتقد أن ما يجب أن نعترف به هو أن الرئيس والمؤتمر أستطاعوا أن يظهروا أنهم ما يزالون يتمتعون بتأييد شريحة كبيرة من الشعب وأن قسم كبير من الجيش والمشائخ والقبائل لا يزالون أيضا يقفون إلى جانبه. ويبدو ان الرئيس استطاع الصمود امام العاصفة وبدأ يعيد ترتيب صفوفه وتجميع انصاره ولمن يريد أن يجادل حول هذه النقطة، دعونا نفترض جدلا أن الرئيس لم يعد يملك سوى أربعين في المائة فقط من الشعب أو الجيش وهو يهدد بأنه سيستخدم القوة إذا تم (لي ذراعه) وأن الفوضى ستعم إذا أجبر على الرحيل بغير إتفاق يرضيه. وبدأت فعليا بعض بوادر هذه الفوضى في صعدة ومأرب وابين، حتى لو كانت هذه الفوضى متعمدة للتخويف فهذا لا ينفي أن هذه السيناريوهات محتملة وإذا حدثت فسيكون من الصعب إعادة الأمور إلى ما كانت علية وسندخل في معارك أخرى ولن تكون اولويتنا بناء يمننا الديمقراطي الحديث بقدر ما سيكون تركيزنا على احتواء هذه الفوضى وإعادة الاستقرار.
فعلى ضوء هذه المعطيات سأعيد طرح سؤالي مجددا ما هي افضل الطرق لتحقيق هدفنا المتمثل في تحول اليمن الى بلد ديمقراطي حقيقي وباقل الخسائر في الارواح والاموال؟!
الحل هو التنازل من الجميع وتغليب مصلحة اليمن والاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي مرت بتحولات ديمقراطية ونحاول ان نتعلم من تجربتهم.
لاري دايموند هو أحد العلماء الرواد المعاصرين في مجال الدراسات الديمقراطية والذي يُدرس في جامعة ستانفورد ويعتبر خبير ومتخصص ومرجع في الدراسات الديمقراطية والف و شارك في تأليف اكثر من 36 كتاب حول الديمقراطية. في مقال له حول ثورة مصر ومحاولته التحذير من بعض المخاطر التي من المحتمل أن تصادف ثورة مصرعلى طريق التحول إلى الديمقراطية، قد نستطيع تلمس الطريق الأفضل والأسلم من خلال خبرته الطويلة ودراسته المتعمقة وفهمه لديناميكيات الثورات والتحولات الديمقراطية.
أنا هنا سأنقل ما قاله لاري دايموند بتصرف واستبدل مصر باليمن:
((اليمن دخلت في لعبة التحول الديمقراطي الكلاسيكية حيث ان للنظام الاستبدادي والمعارضة الديمقراطية مصالح مختلفة تماما وأسس قليلة للتعاون والثقة. المصالح الأساسية للجيش ومراكز القوى ليست الحرية والديمقراطية للشعب، ولكن الحفاظ على سلطتهم، والثروة، والامتيازات، والإفلات من المحاسبة والعقاب. الدرس الأساسي المستفاد من العديد من تجارب التحول الديمقراطي السابقة هو الحاجة إلى التفاوض وإيجاد وسيلة للخروج من هذا المأزق القاتل. الديمقراطيون يريدون الديمقراطية بدون أية ضمانات للمستبدين (النظام المستبد) والمستبدين (النظام المستبد) يريدون ضمانات بدون اي ديمقراطية حقيقية.
هناك تسوية وحل وسط واضح وعام ، وكل عملية تحول ديمقراطي ناجحة تمت عن طريق المفاوضات اخذت طريق خاص بها في هذه التسوية، من اسبانيا الى البرازيل الى بولندا الى جنوب أفريقيا إلى إندونيسيا. هذه التسويه باختصار تتضمن ان النظام القديم له ان يحتفظ بمعظم ثروته وامتيازاته، إلى جانب السيطرة على الجيش على الأقل لبعض الوقت. بعض او لا احد من افراد وانصار النظام القديم يتم ملاحقتهم على جرائمهم الماضية، ما لم تكن تلك التجاوزات والجرائم تمت خلال فترة التحول الديمقراطي والثورة. المسائلة والمحاسبه الحقيقية ستؤجل إلى وقت لاحق. الديمقراطيون يحصلون على الديمقراطية. والمستبدين (في الغالب) يحتفظون بأموالهم وبعض النفوذ ، لكنهم لا يستطيعون محاولة العودة للسلطة إلا إذا لعبوا بقواعد اللعبة الديمقراطية. (ملاحظه من الكاتب: قد تختلف ظروف اليمن وطريقة تحولها ولكن الخلاصة هو انه يجب ان تكون هناك تنازلات وصفقه).
إن التفاوض على تسوية واتفاق بين ماتبقى من النظام الاستبدادي وبين القوى الديمقراطية الناشئة يمثل الطريقة الوحيدة التي من الممكن ان توجه وتقود سفينة الانتقال الديمقراطي خلال المياة العاصفه المليئه بالغدر والخيانه الى مياه أكثر هدوءا وأكثر حرية. ولكي يحدث ذلك، يتعين على القوى الديمقراطية اليمنية المتباينة والمختلفه التوحد في جبهه تفاوضيه واسعه حيث توحد هذه الجبهة المعارضة (الخارجيه) المتمثلة في الحركات الشبابية مع المعارضة "الداخلية" من "الحكماء" والاحزاب السياسية القائمة والتي هيمنت على الحوار مع النظام في الفترة السابقه.
وحدة القوى والفئات المعارضة سوف تمنح المطالبين بالديمقراطية في اليمن القوة والنفوذ الاستراتيجي. إذا توقفت المفاوضات ولم تنفذ الاتفاقات بسبب تعنت النظام ، تستطيع المعارضة الموحدة وبمصداقية اكبر التهديد بإخراج الملايين مرة أخرى للاحتجاج والتظاهر. ولكن إذا مشت المفاوضات إلى الأمام ونفذت الإتفاقات لضمان تطبيق الشروط الأساسية للتحول إلى ديمقراطيه حقيقية مثل الغاء حالة الطوارئ ، وضمان حرية التنظيم والتعبير والتجمع، واستقلال القضاء، وتشكيل إدارة انتخابات جديدة محايدة ونزيهة وعادلة، عند ذلك يمكن للمعارضة الموحدة ضمان السلام الاجتماعي والإستقرار السياسي. توحد وتماسك المعارضة الديمقراطية ستمكن من تحديد أولويات واضحة للتفاوض لتسوية الملعب السياسي وضمان التحول الديمقراطي. كما ستعطي النظام القديم مجموعة واضحة من المحاورين الذين يمكنهم بمصداقية الالتزام بتقديم الدعم الشعبي اللازم لاتفاق تسوية صعبة مثل هذه. لايوجد شرط أكثر أهمية لنجاح عملية الانتقال الى الديمقراطية من هذة التسوية.)) انتهى ما قاله لاري دايموند عن مصر واستبدل باليمن .
اعرف مسبقا ان هذا الحل لن يعجب البعض وسيقولوا ان الثورة قاب قوسين او ادنى من إسقاط النظام أو أن القبول بأي تنازل هو خيانه لدماء الشهداء وأن الرئيس هو السبب وهو من يناور ويراوغ وغيرها من أسباب الرفض، ولكن اذا فكرنا بعقلانيه بعيدا عن اية حسابات أخرى سنجد ان التنازل من جميع الاطراف هو الحل الأسلم والأفضل وأقول لمن يقول أن النظام سيسقط لا محاله انني اتفق معهم ولكن دروس التاريخ وتجارب الدول تقول لنا ان سقوط النظام وحده لن يحقق بالضرورة الدولة الديمقراطية ما نراه الآن من تفاوض بين اقطاب النظام السابق هي حول الرحيل فقط بدون اية ضمانات لقيام يمن ديمقراطي جديد، وبالنسبة لدماء الشهداء اقول ان الخيانة هي أن لا نسعي لتحقيق الهدف الذي استشهدوا من اجله.
دعونا نتحد ضد المغامرون من اي طرف سواء الذين يريدون إزاحة الرئيس بإي ثمن وركبوا موجة الثورة أو أنضموا لها ليحققوا هذا الهدف أو الرئيس ومن يريد بقاءه لتبقى مصالحهم حتى لو زجوا باليمن في مأزق ومصير مجهول وفوضى. اننا اليوم جميعا حزب حاكم ومعارضة وشباب ثائر ومستقلون وجميع افراد الشعب علينا واجب الحفاظ على بلادنا والاستماع الى كلمة العقل واختيار الحل الأسلم والأفضل حتى ولو لم يحقق لنا جميع أهدافنا في الوقت الحالي. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم اسوة حسنه فالنتأمل في الصلح العظيم ـ صلح الحديبية ـ وكيف تصرف فيه النبي صلى الله عليه وسلم رغم مخالفة أكثر أصحابه له ومافيه من تنازل وهضم لحقوق المؤمنين في الظاهر، ولكنه في النهاية كان من اسباب فتح مكة وانتصار الاسلام. مثلما تعلمنا من ثورة تونس وشباب مصر لا ضير ان نتعلم من تجربة اسبانيا والبرازيل وجنوب أفريقيا .
في الجمعة 01 إبريل-نيسان 2011 05:02:08 م