لليمن.. لا لعلي عبدالله صالح (1)
كاتب/احمد الحبيشي
كاتب/احمد الحبيشي
 في المقال الافتتاحي الذي كتبه الرئيس علي عبدالله صالح ونشرته صحيفة «الثورة» في صدر صفحتها الأولى يوم الجمعة 17 يوليو الجاري بمناسبة مرور 31 عاماً على توليه مسؤولية قيادة الوطن، تناول فخامته في سطور معدودة، الظروف الصعبة التي رافقت تجربته في قيادة العمل الوطني وسط أمواج متلاطمة من التحولات والمخاضات، وما تحقق فيها من إنجازات ومكاسب وطنية واسعة وعميقة في مختلف مجالات الحياة.
 كان لافتا للانتباه حرص فخامته على تجنب الإسهاب في عرض هذه المكاسب والإنجازات، حيث ترك لأبناء شعبنا وللمنصفين من المؤرخين والباحثين التأمل في واقع اليمن بشطريه قبل وبعد يوم السابع عشر من يوليو 1978م، في إشارة إلى أن الحقبة التاريخية الممتدة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، أصبحت ملكا للوطن لا لعلي عبدالله صالح، وأن الدفاع عن إنجازاتها وتحولاتها والتأكيد على ضرورة تطويرها لا يعني -بالضرورة- دفاعاً عن الرئيس علي عبدالله صالح، بقدر ما يعني دفاعاً عن اليمن وعن حقه في التجدد والتطور ومواصلة الانطلاق نحو المستقبل والعيش في قلب العصر بدلاً من الدعوة إلى الإقامة الدائمة في الماضي!!.
ولا نبالغ حين نقول إن التحولات التي شهدتها البيئة السياسية لليمن بشطريه خلال العقود الثلاثة المنصرمة, تشير إلى أن أهم ما تميز به الرصيد السياسي للرئيس علي عبدالله صالح هو ارتباطه بالمشروع الوطني التاريخي للثورة اليمنية (26سبتمبر- 14 أكتوبر) بما هو تجسيد للمبادئ والأهداف العظيمة التي ناضلت من أجلها الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة, واحتضنتها ورفعت بيارقها مدينة صنعاء ومدينة عدن الباسلتان في النصف الأول من القرن العشرين المنصرم، حيث توحد في هاتين المدينتين وسائر المناطق اليمنية الأخرى نضال القوى الوطنية والقومية بمختلف تياراتها السياسية، ومذاهبها الدينية وطبقاتها الاجتماعية ومدارسها الفكرية في مجرى الكفاح الوطني ضد استبداد الدولة الدينية الكهنوتية في شمال الوطن، والحكم الاستعماري الأنجلو سلاطيني في جنوبه، ومن أجل الحرية والاستقلال واستعادة الوجه الشرعي الواحد للوطن، وبناء الحياة العصرية لشعبنا في ظل يمن حر ديمقراطي موحد.
وبقدر ما تجسدت في نضال الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة أهداف مختلف القوى الفاعلة في المجتمع اليمني على طريق تحرير الوطن من الاستبداد والاستعمار والتجزئة، بقدر ما قدمت الثورة اليمنية (26سبتمبر- 14 أكتوبر) نفيا تاريخيا لرواسب الثقافة الكهنوتية والسياسات الاستعمارية التي سعت إلى إثارة النزعات المناطقية والطائفية والمذهبية والقبلية، وتسويق ثقافة الكراهية بين أبناء الشعب اليمني الواحد بهدف تكريس الاستبداد والاستعمار والتخلف والانقسام والتبعية في كل أجزاء الوطن، وهو ما يفسر مشاركة جماهير شعبنا اليمني من مختلف المناطق والطبقات الاجتماعية والمذاهب والطوائف الدينية في تفجير ثورة 26سبتمبر 1962م وثورة 14 أكتوبر 1963م, والدفاع عن النظام الجمهوري في الشمال وتحرير جنوب الوطن من الحكم الاستعماري الأنجلو سلاطيني، وصولاً إلى تحقيق الوحدة اليمنية في 22 من مايو 1990م التي دشنت عهداً تاريخياً جديداً في حياة شعبنا, وأطلقت حوافز جديدة لتحريك عجلة التقدم نحو آفاق التنمية الشاملة والنهضة العصرية.
وبالنظر إلى أن ما تحقق خلال فترة تولي الرئيس علي عبدالله صالح كان -وسيظل- جزءاً لا يتجزأ من المشروع الوطني التاريخي للثورة اليمنية وحركتها الوطنية المعاصرة بكل ما تنطوي عليه المشاريع الكبيرة من تحولات وإنجازات وأخطاء واختلالات، فقد حرص فخامته على التشديد على ضرورة حماية الإنجازات التي تحققت, والتجديد في انماط وطرائق التفكير والعمل الرامية الى معالجة المصاعب والاختلالات وتصحيح وتصويب الأخطاء من خلال تمسكه بمبادئ الحوار والتسامح والتصالح والانفتاح باتجاه تنشيط مفاعيل التعددية السياسية والحريات والحقوق المدنية وتوسيع المشاركة الشعبية في إدارة شؤون الحكم، واختيار الحكام عبر انتخابات حرة وديمقراطية, وتجسيد المبدأ القاضي بأن الشعب -وليس أهل الحل والعقد- هو مالك السلطة ومصدرها كأساس لبناء دولة مدنية حديثة لا مكان فيها للاستبداد والتسلط والكهانة والتمييز.
من نافل القول إن ثلاثة عقود ونيف من الزمن الثوري الذي ارتبط بالدور القيادي التاريخي للرئيس علي عبدالله صالح في قيادة سفينة الثورة اليمنية, والإبحار بها نحو مرافئ الديمقراطية والوحدة والتنمية والأمن والاستقرار، توضح بجلاء أن أهم ما تميزت به هذه الحقبة التاريخية الحافلة بالتحولات والإنجازات والتحديات، هو توافر الارادة والقدرة على الربط الوثيق بين الاسترشاد بقيم وأهداف الثورة اليمنية من جهة، وبين الفعالية والإنجاز من جهة أخرى.
وبوسعنا القول إن تحقيق الوحدة اليمنية على قاعدة الديمقراطية التعددية كان وسيظل أهم معالم وعناوين الحقبة التاريخية التي دشنها الرئيس علي عبدالله صالح في حياة شعبنا وبلادنا منذ السابع عشر من يوليو 1978م، ولئن تعرضت الوحدة والديمقراطية لمخاطر ومؤامرات داخلية وخارجية عديدة كغيرها من المكاسب الوطنية التي حققتها مسيرة الثورة اليمنية (26سبتمبر- 14 أكتوبر) منذ انطلاقتها ضد الاستبداد الإمامي في الشمال والحكم الاستعماري الأنجلو سلاطيني في الجنوب قبل 47 عاماً من الكفاح والتضحيات والبطولات، فإن مواجهة هذه المخاطر والمؤامرات الداخلية والخارجية تتطلب تفويت الفرص على تجار الحروب وبغال السلاطين، وفقهاء الحروب الطائفية المتعطشين لمشاهد الدماء, والحذر من الاستدراج الى مستنقع الذين يشتغلون بالدعوة الى الاقامة الدائمة في الماضي, والتحريض ضد الآخر المغاير، وتسويق ثقافة الكراهية المناطقية والمذهبية المسعورة،.
إن خيار الديمقراطية الذي انتهجه شعبنا منذ قيام الوحدة في 22 من مايو 1990م لا يمكن التراجع عنه وفك الارتباط به، لأنه خيار وطني يجسد حق الشعب في أن يحكم نفسه بنفسه، واختيار حكامه عبر صناديق الاقتراع، وممارسة حقوقه في التعبير عن الرأي والفكر والموقف والاحتجاج بالوسائل السلمية التي يكفلها الدستور والقانون. ومن واجبنا جميعا حكاما ومحكومين الاستفادة من تجارب ودروس الماضي، وفتح حوار جاد ومسؤول داخل خيمة الثورة اليمنية، وتحت سقف الوحدة والديمقراطية، لمعالجة كافة الاختلالات والمشاكل التي تواجه مسيرة الثورة اليمنية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
تأسيساً على ما تقدم يمكن القول بأن مصدر حيوية وفاعلية الدور القيادي للرئيس علي عبدالله صالح يكمن في حرصه على عدم الخضوع للضغوط والتحديات والرياح التي تراهن على إمكانية دفعه نحو فك ارتباطه بالمشروع الوطني الديمقراطي للثورة اليمنية بما هي أساس لشرعيته السياسية في مواجهة كافة المؤامرات الرجعية والمشاريع الصغيرة التي استهدفت -ولا زالت تستهدف- القضاء على هذا المشروع التاريخي الذي عمده شعبنا بدمائه وتضحياته الجسيمة، وإعادة عجلة التاريخ إلى عهود ما قبل الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية.
في هذا السياق يمكن القول إن التعرف على مضامين وأبعاد المقال الافتتاحي الذي كتبه الرئيس علي عبدالله صالح في صحيفة «الثورة» يوم 17يوليو الماضي، لا يحتاج إلى قارعي الدفوف وحملة المباخر ودواشين المناسبات ومقاولي الاحتفالات، بل إلى قراء ومحللين ومفكرين، لأن ما جاء في ذلك المقال يثبت- بحسب قول الزميل أحمد غراب في مقاله المنشور بصحيفة «السياسية» يوم الأحد 19 يوليو 2009 أن الرئيس علي عبدالله صالح «لا يبحث عن مناسبة شخصية يحتفل فيها بذكرى توليه السلطة، بل يفكر في غاية نبيلة هي الأهم، وتتمثل في توجيه دعوة صادقة للحوار والتسامح وتجاوز أي خلافات قد تؤثر على الوطن من قريب أو بعيد», الأمر الذي يستلزم من محبي الرئيس وكل المؤمنين بالمشروع الوطني الديمقراطي للثورة اليمنية، والأوفياء لتاريخها وتضحياتها، مزيدا من التدبر والتفكر والتحلي بالمسؤولية الوطنية إزاء المخاطر الجدية التي ألحقت -ومن شأن استمرارها أن يلحق- أضرارا مدمرة بالوطن ومصالحه العليا بحسب ما جاء في المقال الافتتاحي لرئيس الجمهورية الذي كان واضحاً وصريحاً في تناولها، ودعوته الصريحة إلى قطع الطريق على الذين يمارسون السياسة في صناعة المكايد والمؤامرات بهدف تكوين ثروات غير مشروعة على حساب قضايا الوطن والشعب, وبضمنهم بعض الذين يشتغلون في تجارة الاسلحة, ويتاجرون بالدين ليشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً!! 
يطيب للرئيس علي عبدالله صالح دائما التأكيد على أن الوطن ملك لكل أبنائه، بمعنى الاعتراف بحق المواطنين في أن يكونوا شركاء في إدارة شؤون الحكم وتقرير مصائر البلاد، بدلاً من أن يكونوا رعايا ملزمين بطاعة ولي الأمر، حتى وإن كان مستبدا يجلد ظهورهم، وظالماً يصادر حقوقهم بحسب هذيان اللاعقل السلفي الذي يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإجبارنا على الإقامة الدائمة في الماضي.
ولما كان الوطن اليمني ملكا للجميع، فمن حق كل مواطن غيور على وطنه وتاريخه الوطني الدفاع عن الوطن الذي ينتمي إليه ويحمل هويته ويعيش ويتنفس في ربوعه ولو بالكلمة الحرة، دون أن يعني ذلك دفاعا عن الرئيس علي عبدالله صالح شخصيا، حيث يخطئ من يعتقد أن الرماح التي توجه اليوم إلى صدره ستصيبه وحده فقط، بعد أن انكشف المشهد السياسي الراهن على لعبة عمياء تجسدت في مشاريع ماضوية خطيرة لتمزيق الوطن، وتزييف الوعي ومصادرة التاريخ وإعادة عجلة الزمن إلى ما قبل الثورة اليمنية ووضع البلاد بأسرها أمام مصير مأساوي لا يعلم عواقبه سوى مالك الدنيا والدين.
يقيناً أن مضامين وأبعاد المقال الافتتاحي الذي كتبه الرئيس علي عبدالله صالح في صحيفة (الثورة) تحتاج إلى مزيد من إعادة القراءة, بدلاً من تحويلها إلى عملية دعائية لايجيد الاشتغال بها سوى محترفي الدعاية والتسويق، بيد أن مهمة إعادة القراءة لا تنحصر فقط على ما يصدر عن الرئيس علي عبدالله صالح من أفعال وأقوال، بل يجب أن تتحول إلى منهج يساعدنا باستمرار على إعادة اكتشاف واقع بحاجة إلى مزيد من الكشف، ما يقتضي إعادة قراءة ما يصدر عن غيره من السياسيين الذين يشاركون في صناعة اللعبة العمياء لقوى الشارع, وبضمنهم بعض رجال الدين الذين يخفون تحت عمائمهم أجندات مستوردة ليست من صنع اليمن.
والحال أن المشهد السياسي الراهن في البلاد يثير قلقاً مشروعاً بسبب نزوع بعض القوى المحركة للمجتمع السياسي نحو تصعيد حالة التجاذبات والتناقضات والاستقطابات التي تعكس تنوع واختلاف الأهداف والبرامج والمشاريع والخيارات والمرجعيات الداخلية والخارجية في ظل نظام سياسي يقوم على أسس دستورية تضمن الديمقراطية التعددية والحريات المدنية والتداول السلمي للسلطة، عبر انتخابات حرة ومباشرة يختار فيها المواطنون -على قدم المساواة- حكامهم وممثليهم في هيئات السلطة التنفيذية والتشريعية والمحلية.
قد تبدو مفاعيل هذا المشهد طبيعية عند النظر إليها كمظهر لتنوع المصالح والإرادات التي تتبارى في سياق العلمية الديمقراطية الجارية في البلاد منذ توحيد الوطن اليمني في 22من مايو 1990م بالوسائل السلمية والديمقراطية، والتي بلغت ذروتها في إقرار دستور دولة الوحدة واتفاق إعلان الجمهورية اليمنية من خلال السلطتين التشريعيتين المنتخبتين في شطري اليمن قبل الوحدة، وصولاً إلى الاستفتاء على الدستور من قبل الشعب بعد الوحدة، لكن ما يثير القلق بروز ظواهر خطيرة في هذا المشهد لجهة الميول التي تنزع إلى دفع المجال السياسي للدولة والمجتمع المدني نحو مناطق رمادية وزوايا حادة من شأنها توليد أزمات عاصفة ومخاطر غير محسوبة العواقب.
من نافل القول إنّ ثمَّة سوابق لمثل هذه النزعات التي سعت في مراحل مضت إلى تأزيم المجال السياسي للدولة والمجتمع المدني ودفعه باتجاه مناطق رمادية تنطوي على مخاطر واحتمالات غير محسوبة، لكن أهم ما يميز تلك السوابق أنّها ارتبطت بمحطات حاسمة في مسار تطور العملية الديمقراطية التي تشهدها بلادنا، حيث تجسدت هذه النزعات في إصرار بعض القوى السياسية على إنتاج وإعادة إنتاج خطاب سياسي وإعلامي تدميري يبدأ بإثارة المكايدات والمزايدات وتوزيع الاتهامات يميناً وشمالاً، وينتهي بافتعال الأزمات بعد أن يصبح النزوع إلى تسويد كل ما هو قائم, سبيلاً إلى دق طبول المواجهات والتلويح بالمشاريع الانقلابية على الديمقراطية بما هي صنو للوحدة التي ناضل من أجلها شعبنا وحركته الوطنية المعاصرة قبل وبعد قيام الثورة اليمنية (26سبتمبر و14 أكتوبر), ثم جاء تحقيقها في الثاني والعشرين مايو 1990م تتويجاً لمسيرة كفاحية طويلة كان لمدينة عدن الباسلة شرف الريادة في رفع بيارقها العظيمة, حيث انطلق منها وعلى أيدي أبنائها الميامين شعار «نحو يمن حُر ديمقراطي موحد» في خضم الكفاح الوطني ضد النظام الإمامي الاستبدادي والحكم الاستعماري الأنجلو سلاطيني, كما ارتفع في سمائها وعلى أيدي الرئيس المناضل علي عبدالله صالح الابن البار للثورة اليمنية -إلى جانب كوكبة من المناضلين الوطنيين الغيارى- علم الوحدة الخالد.. علم الجمهورية اليمنية الموحدة, إيذاناً باستعادة الوجه الشرعي للوطن الواحد.
لا ريب في أن افتتاحية الرئيس لصحيفة "الثورة" سلطت بعض الضوء على مناطق ساخنة في المشهد السياسي الراهن من خلال دعوته لإطفاء بؤر التوتر وإعلاء قيم الحوار والانفتاح لمعالجة المشاكل المتفجرة في البلاد.. لكن الافتتاحية لم تتناول الزوايا الحادة في هذا المشهد وهو ما لم يندرج ضمن محتواها ولا يرغب الرئيس في تناولها، لأنها من مهام الباحثين والمحللين الذين تقع عليهم مهمة إعادة القراءة.
ومن حق كاتب هذه السطور أن يتناول هذا المقال لإعادة قراءة زاويتين حادتين تتصدران المشهد السياسي المتأزم في البلاد، وقد يعجب هذا التناول بعض القراء ويغضب آخرين في السلطة والمعارضة على حد سواء.. وفي الحالين لا يريد كاتب هذا المقال أجرا وشكورا من الذين سيؤيدونه في آرائه، انطلاقا من إيمانه العميق بأن الحقيقة لا يملكها أحد.. وفي الوقت نفسه لا يهم كاتب هذا المقال غضب الذين سيعارضونه -في السلطة أو المعارضة- حين يتناول بالنقد والتحليل محتوى الخطاب الانفصالي والخطاب السلفي اللذين يدفعان نحو تازيم المناخ السياسي في البلاد تنفيذا لأجندات رجعية، وهما خطابان متناقضان في الشكل ولكنهما يتحدان ويتكاملان في المضمون، ويشتركان في السعي لتحقيق هدف واحد هو إعادة عقارب الزمن إلى الخلف، وفك الارتباط بالثورة اليمنية بدلا من التقدم إلى الأمام.
في الزاوية الحادة الأولى يظهر علي سالم البيض الأمين العام الأسبق للحزب الاشتراكي اليمني بعد خمسة عشر عاماً من الغياب وهو يعتذر على رؤوس الأشهاد عن تاريخ ثورة 14 أكتوبر، ويعلن توبته وبراءته عن ذلك التاريخ المجيد, داعيا من أسماهم (سلاطين ومشايخ الجنوب العربي) للانضمام إلى ما أسماه (الحراك الجنوبي) لتحرير ما أسماه (الجنوب العربي) من ما أسماه (الاحتلال اليمني), في إشارة واضحة إلى إعلان فك ارتباطه بتاريخ ثورة 14 أكتوبر بما هو جزء أصيل من تاريخ الثورة اليمنية المعاصرة.
وفي الزاوية الحادة الثانية يظهر السلفيون في حراك مكمل للزاوية الحادة الأولى تحت مسمى (الملتقى السلفي العام) ليطلقوا مشروعهم الرامي إلى فك الارتباط بالثورة اليمنية، وتحويل المناضل علي عبدالله صالح من رئيس منتخب عبر صناديق الاقتراع, الى سلطان غشوم يزعم كهنته بأن الله قد ولاّه على الناس الذين ينبغي لهم طاعته المطلقة، حتى وإن كان مستبدا يجلد ظهورهم، و ظالما يصادر حقوقهم، بحسب ما جاء على لسان شيوخ ذلك الملتقى البائس!!؟
ولا يكتفي السلفيون في إظهار أوهامهم التي يراهنون من خلالها على إمكانية إجبار اليمن واليمنيين على الاقامة الدائمة في الماضي, وإعادة عجلة التاريخ والزمن إلى الوراء.. بل أنهم يفرطون -هذه المرة- إلى حد الهذيان, في دعوتهم لفك الارتباط بالثورة اليمنية وحركتها الوطنية المعاصرة, حيث يواصلون توسيع دائرة التكفير التي لم تعد موجهة نحو الحزب الاشتراكي اليمني حصريا مثلما فعلوا معه في فتواهم السوداء التي أطلقوها أثناء حرب 1994م المشؤومة, ويتجلى ذلك من خلال حرص سدنة الملتقى السلفي العام على طلب التوبة والبراءة من كافة الأحزاب الوطنية والقومية التي رفعت رايات الحرية والاستقلال والوحدة، وأسهمت في صياغة تاريخ اليمن الحديث بكفاح ودماء وتضحيات شهدائها وجماهيرها ومناضليها, على نحو ما سنأتي إليه في الحلقة القادمة من هذا المقال، حيث سنحاول إعادة قراءة القواسم الرجعية المشتركة بين الخطاب الانفصالي والخطاب السلفي اللذين يضغطان لدفع المشهد السياسي في البلاد نحو مزيد من الزوايا الحادة والمدمرة.  
 
في الجمعة 24 يوليو-تموز 2009 12:50:09 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=5