مرة أخرى.. ضرورة التمديد
كاتب/حسن العديني
كاتب/حسن العديني

ربما كانت هناك وجاهة للقول بمرحلة تأسيسية تتبع الانتقالية من زوايا عدة زهمها: أن المرحلة المقبلة سيتعيّن عليها إنجاز مهام تحويل مخرجات الحوار الوطني إلى وثائق قانونية في مقدمتها الدستور، وفيها تتأسّس الدولة الجديدة بشكلها وبنيانها الجديدين، وتترسّخ مؤسسات قابلة للاستمرار وضامنة للاستقرار. ويكون التأسيس هو استمرار بمهام أخرى لما بدأناه ساعة التوقيع على المبادرة الخليجية.

ومع كل الملاحظات ورغم أيّ تحفظ على المبادرة فإن الأطراف الموقعة عليها قد اعترفت بعجزها عن الاتفاق على مخارج من المأزق المركّب، حيث هناك ثورة شعبية ساندتها القوى التي تمثّل الامتداد الطبيعي للحركة الوطنية وانضمت إليها أطراف في النظام. وكان المشهد في مجمله مرتبكاً وملتبساً، ما أدى إلى أن يبقى جزءاً من الحل وطرفاً في المعادلة الفريق الآخر في النظام الذي لم يعترف بتآكل شرعيته حتى بلغت قعر البئر. لكن إعادة تفكيك المشهد تبين أن الفريق الوطني المنحاز للثورة الشعبية بالفعل وبالتجربة هو الأضعف في معادلة القوة. إنه الأقوى جماهيرياً ولكنه الأضعف بحساب القوى العسكرية والهيمنة المالية. وكان أمام هذا الفريق أن يعتمد خيار الثورة الطويلة يرفض فيه ويفضح القسم من السلطة الذي انحشر في الثورة أو أن يقبل بتسوية توفر الدماء وتختصر الدمار. وقد فضّل الخيار الأخير من شعور صادق أن القوى الأخرى ذاهبة في المغامرة إلى دكّ البلاد حتى القاع.

وجعل هذا التخوّف من انقسام قوى السلطة قائماً وأدى إلى إدراك الأطرف كلّها استحالة الحسم. ومن ثم أصبحت التسوية خيار الضرورة لكن شروطها بقيت محل قلق، فذهبت الأطراف بالعجز إلى الموافقة على المبادرة الخليجية ومن ثم وضعت البلاد تحت الوصاية الدولية.

وبدا هذا مقبولاً من القطاع الأعظم في الشارع مادام سيقود البلاد إلى مخرج يمثّل بالضرورة مساومةً تاريخية تنطوي على تنازلات متبادلة.

الآن تأكد أن قوى السلطة بأطرافها المختلفة أرادت من القبول بالمبادرة المناورة لتعظيم المكاسب أو تقليل الخسائر.اعتقد الطرف الذي انظم إلى ركب الثورة إنه يستأثر بالسلطة كلها والنفوذ كله وظن الطرف الذي بقي متمسكاً بشرعيته الوهمية أن الجناح المنشق عنه سوف يفشل مما يخلق مزاجاً شعبياً يعيده إلى الحكم مرةً أخرى.

ومن الناحية الموضوعية كان الاثنان واهمين فإن تهوّر المنشقين كشفهم بسرعة وخلق حالة تململ حقيقية، لكن أغلبية الشعب تؤمن أن البديل ليس في عودة الجناح الآخر.

أما من الناحية الواقعية فقد ظهر أن المجتمع الدولي مصمّم على تنفيذ المبادرة وإن كان يتعامل بطول نفس وعمق بصيرة. وقد تمكن من خلال عمل الفريق الأممي بقيادة جمال بن عمر وعبر أدوات ووسائل أخرى ظاهرة ومخفية أن يقف على أكثر الحقائق وضوحاً في اليمن.

لقد تأكد له أن هناك إعاقة مقصودة لنجاح العملية السياسية وأن المسئولين عنها جميع فرقاء السلطة في الماضي والقابضين عليها في الحاضر.

وتأكد كذلك من وجود أطراف أخرى تستفيد من اضطراب الأوضاع وفشل العملية السياسية.

واضح إذن أن صبر المجتمع الدولي لم ينفد وأن الشعب اليمني مستعد لأن يتحمل وينتظر، لكن الذين عملوا على إطالة أمد الحوار يستعجلون إنهاء الفترة الانتقالية بتصوّر كل منهم إنه قادر على النجاح في مناخ الفوضى. هؤلاء يستندون إلى المبادرة في حرفية نصوصها وليس في جوهرها. وعند فقهاء القانون ولدى المسئولين عن تطبيقه يكون المهم روح القانون وليس نصوصه.

إن جمال بن عمر رجل قانون، وحين يتحدث على إن المهم في المبادرة هو إنجاز مهامها وليس زمنها إنما يقصد هذا المعنى. وحتى في الكتب المقدسة يؤخذ بجوهر النصوص وروحها، كما في أن في الشريعة الاسلامية شيء اسمه فقه الضرورة، وبين مصادر الشريعة الإسلامية ثمة ما يسمى المصالح المرسلة.

وفي التجربة اليمنية جرى تمديد الفترة الانتقالية التي نصت عليها اتفاقية الوحدة، وربما كان ممكناً امتصاص الأزمات لو طال التمديد أبعد من ذلك، لأن انتخابات 1993 أدخلت البلاد في الأزمة الأعنف، رغم أن خيار الحرب كان قائماً عند قيام الوحدة بل ومن لحظة توقيع اتفاقيتها في نوفمبر 89.

من هنا تتبدّى ضرورة استمرار الفترة الانتقالية، ولا بأس من القول: إتطويرها إلى مرحلة تأسيسية ويتطلب هذا بالضرورة بقاء الرئيس هادي في موقعه باعتباره عنوان الشرعية، لكن التمسك بالجوهر دون النصوص، وفقه الضرورة يحتّم - كما قلت في حديث سابق - إنهاء مهمة الحكومة الحالية لفشلها الذريع والفاضح، ولا يجب أن تكون الحكومة المقبلة حكومة حزبية تُفرض على الرئيس وتقيّد خطواته وتُكرهه على الإبقاء على أكثر أعضائها فساداً وفشلاً.


في الثلاثاء 03 ديسمبر-كانون الأول 2013 03:45:07 م

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=772