حملت الأنباء إلى مسامعي خبرا لم أتمن سماعه, ولم يدر في خلدي أنه سيحدث, ولقد مكثتُ مصدوما من تفاصيله, إذ توفيت الطفلة إلهام مهدي شوعي (13 عاما) الجمعة 2 أبريل "نيسان" 2010, بمحافظة حجة, شمال اليمن, بسبب تمزق كامل في الأعضاء التناسلية أدى إلى نزيف مميت, حسب تقرير طبي صادر عن مستشفى الثورة بعد زفافها يوم الاثنين 29 مارس 2010, في حادثة بشعة اهتز لها ضمير الإنسانية.
وقد زُوِّجت "إلهام" عند هذه السن العمرية, لتجد ذئبا بشريا (وربما الذئب أرحم), لا يفهم إلا أن يكون بطلا على فراش الزوجية بوحشية لم تألفها حتى حيوانات الغاب, والنتيجة أن ماتت الطفلة العروس كإحدى نتائج الدعوة الخطيرة إلى الزواج المبكر, وهي الدعوة المستأنسة بزواج النبي محمد (ص) من عائشة وهي في السادسة من العمر, ودخوله عليها وهي في التاسعة, في حين أن هناك من يصحح هذه المعلومة ويثبت أن عائشة تزوجت النبي وهي ما بين 16- 18 عاما.
لقد أخرجتني حادثة وفاة "إلهام" من الصمت الذي فضلته تجاه قضية تزويج الصغيرات, حيث يدور جدل بيزنطي بين أقصى اليسار وأقصى اليمين, في ظل دولة مغيبة من المفترض أن تفصل في هذه القضية من زمن.
فلقد ذهبت "إلهام" ضحية للأصوات المنادية بالعبث بالأطفال, ولا أدري ماذا يريد أصحاب هذه الدعوة, بل لا أعلم ما الداعي لهذا الموقف المتصلب الذي يقفون خلفه, تاركين قضايا أهم وأسمى بكثير من هذه القضية التي من المفترض أن يقفوا فيها ضد تزويج الصغيرات ما دام الطبُّ وعلماؤه يبينون خطورة ذلك, وهي خطورة لا ينكرها إلا من عصب على عينيه الغباء.
ولي أن أتساءل: لمَ يصر بعض "إخواننا في الله" على تزويج الصغيرات بدلا من تنشئتهن وجعلهن ينعمن بطفولتهن كما ينبغي أن يحسسن به؟, ولمَ يفضلون أن تذهب طفلة إلى فراش "الزواج" على أن تذهب إلى المدرسة, أو إلى متنزهات الأطفال؟, ولمَ يستحسنون أن تلعب الطفلة العروس بذقن بعلها على تلعب بالدمى ولُعب الصغار؟, كما لا أدري أي إنسانية تحكم في تزويج الصغيرات لذئاب بشرية تجد في الاعتداء الوحشي على بكارات الأطفال الإناث متعة لا تجاريها متعة, وحسبنا الله.
ودعوني أتساءل أيضا: ما دامت الطفلة "إلهام" قد لقيت مصرعها مما كان يحذر منه دعاة فرض قانون يحدد سنا للزواج, فما الداعي للتعصب الأعمى الذي يصر على أن زواج الأطفال جائز؟, وما دامت "إلهام" قد ماتت في ثالث يوم من عرسها جراء اعتداء وحشي من البطل المفدى "عريسها" فلمَ لم تكن هذه الواقعة دليلا دامغا على خطورة تزويج الصغيرات؟.
ولن أسترسل بعيدا, فإن وفاة إلهام دليل قاطع وكاف لسن قانون يحدد سن الزواج بـ17 أو 18 عاما, حتى نحمي بقية الأطفال الإناث من مذابح شبيهة بالمذبحة التي أودت بـ"إلهام" ذات الـ13 ربيعا. أما استمرار التعصب في زواج الصغيرات فلا يعني إلا إشهار حرب شعواء ضد الأطفال الإناث وتعريض حياتهن للخطر في أي موقف في الزمن القريب أو البعيد, وهذا ما لا ينبغي لضمير الإنسانية, ولا لأي إنسان في هذا الوطن أن يسمح به, إذ أن الأطفال هم دعامة المستقبل, تلك الدعامة التي تريد أن تتربى وتترعرع على تنشئة صحيحة وسليمة تعرف سبل التربية القويمة, والإحساس بالطفولة, والشعور بها, وعيش حياة كريمة بعيدة عن غرف المصارعة الحرة المغلقة, ولا سرير إثبات الفحولة, ولا تحت أجساد الذئاب البشرية, ولا داخل أوعية الموت الزؤام.
فاليوم توفيت طفلة بسبب نزيف "الأعضاء التناسلية" في ليلة عرسها, وغدا ستتوفى طفلة عند الولادة, أو في منتصف الحمل, وعوضا عن هذا وذاك فإن أسر الزواج المبكر معرضة للتفكك في أي لحظة؛ نتيجة غياب الوعي والمسئولية عن الأطفال, إذ أن الزواج مسئولية كبرى في بناء أسرة صحيحة, وهي بمثابة البذرة, إن صلحت صلح المجتمع وإن فسدت فسد المجتمع أيضا.
فإلى نواب الكتلة اليمينية, نواب حزب الإصلاح الذي نتمنى أن تحذوا بقية الأحزاب حذوه في "التنظيم الحزبي", أن يكفوا عن التعصب غير المنطقي, والتصلب غير المعقول, والتّزمّت غير المبرر من معارضة القانون الذي يحدد سنا للزواج.
كما هي فرصة أن أتوجه إلى رجالات الدين في اليمن, ومشايخه الأجلاء, حفظهم الله, أن يتفهموا حادثة وفاة "إلهام" وينظروا إليها بعين البصيرة والتعقل والحكمة, وأن يؤمنوا بما توصل إليه العلم الحديث الذي يجزم بخطورة الزواج المبكر, أكانت من الناحية السيكولوجية أو غيرها من النواحي, فمن الأحسن أن نعتبر بالعلم في هذه المسائل التي تمس المجتمع مباشرة, ولا نتوق إلى علوم الفلك والبيولوجيا قبل أن نتوق إلى "علوم تنظيم المجتمع", إن صحة التسمية.
فما أبشعه مشهد, وما أعجبها سريالية, عظيم رجائي ألا تتكرر.. فـ"يا ليت قومي" يسمعون.
nashwanalothmani@hotmail.com