|
|
|
|
|
فرصة ستة أشهر
بقلم/ جهاد الخازن
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 19 يوماً الثلاثاء 02 أغسطس-آب 2011 11:39 م
لم يعرف العرب حتى الآن حكماً ديموقراطياً، حسب التعريف الفلسفي اليوناني له أو بمفهومه الغربي الحديث، وهم لن يقيموا أنظمة ديموقراطية غداً أو بعد غد، وهذا مع أن العرب عرفوا قديماً، وفي تاريخهم الذي عايشناه، أنظمةً تتمتع بتأييد شعبي عالٍ حتى مع غياب مؤسسات الديموقراطية التقليدية.
الديموقراطية المطلوبة تحتاج الى صبر، وضغط الشارع لتحقيقها فوراً يعني قتل فرصة قيامها في هذا البلد العربي أو ذاك.
ثورات الغضب العربية بدأت في تونس، إلا أن تونس بعيدة وصغيرة، والمهم على مستوى الأمة ثورة شباب مصر، لأن نجاحها أو فشلها سيرسم طريق المستقبل لنا جميعاً، وهذا طبعاً مع أهمية المواجهات في سورية، قلب العروبة النابض، واليمن السعيد (متى؟ أين؟ كيف؟) والبحرين وعمان والمغرب وغيرها.
عندي للإخوان جميعاً التالي:
شباب الثورة في مصر أصبحوا شيعاً وأحزاباً، ولا بأس، فالتعددية جزء من الديموقراطية، إلا أن هذا يعني أن الطلبات كثيرة، وأحياناً متناقضة، ويستحيل تنفيذها كلها. ثم هناك الذين ركبوا موجة الثورة وأصبحوا يدَّعون أنهم أطلقوها، أو أنهم أمها وأبوها، وعندهم سلة طلبات أخرى.
أقترح على شباب الثورة، بدل أن يحتشدوا في ميدان التحرير كل يوم جمعة أو غيره، أن يعودوا الى العمل ويوقفوا التظاهر، وأن يراقبوا أداء الحكومة المصرية على امتداد فترة أقصاها ستة أشهر، فاذا أنجزت نصف المهمة المطلوبة تُترك لتستمر في العمل، وإذا فشلت يثورون عليها من جديد.
مصر كانت بلا ديموقراطية في السنوات الثلاثين الأخيرة، ومنذ 1952، ومنذ 1799، ورحيل نابليون عنها، ومنذ الفراعنة والهكسوس. والشباب يستطيعون أن ينتظروا ستة أشهر بعد ثلاثة آلاف سنة، لأن عمل الحكومة يحتاج الى وقت قبل أن تظهر نتائجه، سلباً أو إيجاباً.
في سورية هناك مواجهات دموية طرفاها خاسران حتى لو انكرا ذلك، ولا أرى أن المواجهة ستحسم الأسبوع المقبل أو الشهر المقبل، أو الذي بعده، ما يعني مزيداً من الخسائر لسورية كلها.
أطالب المعارضة السورية بإعطاء النظام فرصة ستة أشهر لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، فاذا نفذ تكون سورية في طريق السلامة، وان لم ينفذ يعود المعارضون الى التظاهر وتحدي السلطة.
الكل يدّعي حباً بسورية (كما الكل يدّعي وصلاً بليلى)، والكل لا يحبها اذا استمرت هذه المواجهات (وليلى لا تقرّ لهم بذاكا). وسورية مثل مصر، لم تعرف الديموقراطية عبر ألوف السنوات من تاريخها المكتوب (ربما باستثناء ثلاث سنوات في الخمسينات)، ويستطيع طلاب الديموقراطية والحرية والكرامة أن ينتظروا ستة أشهر.
ثم هناك اليمن، وأعرف كثيراً عن الرئيس علي عبدالله صالح ونظام حكمه وقليلاً عن المعارضة، أو المعارضات، لذلك لا أصدر أحكاماً «قراقوشية»، وإنما أقول ان الحل في اليمن يجب أن يكون توافقياً، أو عن طريق مفاوضات مباشرة بين أطراف النزاع على أن تنتهي ضمن فترة محددة، أو ستة أشهر مثلاً، لأن أحداث اليمن أثبتت شيئاً واحداً، هو أن لا طرف في النزاع يستطيع أن يزعم صادقاً انه يمثل غالبية الشعب.
الحل في اليمن يجب أن يكون شعاره «لا غالب ولا مغلوب»، وهو ممكن التحقيق اذا صفت النوايا، أو تُحوِّل القاعدة الارهابية المجرمة اليمن الى افغانستان أخرى.
وأختتم اليوم بالبحرين، البلد الذي عملت فيه ذات صيف صدفة في الصحافة، وبقيت فيه حتى اليوم.
البحرين بلدي، مثل لبنان وسورية ومصر وكل بلد عربي، وعندي عمى أديان، فلا أفرق بين مسلم ومسلم، ولا أريد أن أعرف الفارق.
قامت في البحرين حركة معارضة أعلنت طلبات اعترفت دائماً بأنها محقة، إلا أن المعارضة سرعان ما تحولت الى محاولة انقلاب أو مؤامرة من أقلية ولاؤها ايراني. وحتى اليوم لا أفهم كيف انساقت جماعة الوفاق فيها حتى كان ما كان، وفوَّتَ الانقلابيون فرصة الاصلاح على المعارضة وانتهوا بالسجن.
ثم قرأنا أن العقلاء عادوا الى الحوار الوطني، وفرحنا «فرحة ما تمِّت»، لان الاخوان من الوفاق عادوا سريعاً الى الانسحاب من المفاوضات بحجة أن برنامجها لا يشمل طلباتهم. وكنت أتمنى لو أعطى الإخوان الحوار فرصة ستة أشهر للنجاح أو الفشل.
لنفترض ان كلام المعارضة صحيح ثم لنسأل عن الحل؟ أرى أن الحل الوحيد هو بالتفاوض لا المقاطعة، وبطلب إدراج المواضيع التي تهم المعارضة، وأهم من ذلك ان تحقق المعارضة جزءاً من طلباتها لتضع نفسها على طريق المطالبة بمزيد في كل حوار مقبل. المقاطعة عبثية وخراب بيوت والبيت البحريني صغير أصلاً، غير ان المثل الشعبي يقول «بيت الضِّيقِ يسَع ألف صديق...» أو مليون مواطن.
khazen@alhayat.com
*نقلا عن صحيفة الحياة:
|
|
|
|
|
|
|
|