يسود إعتقاد راسخ ان توقيع الرئيس على المبادرة الخليجية وتحقيق نقل حقيقي للسلطة التي منحها له الدستور إلى نائبه عبد ربه منصور هادي يشكل مفتاح خروج اليمن من أزمته, ومالم فأن مكونات الأزمة سوف تزداد حدة ً وتعقيداً وسوف يتجه اليمن نحو المواجهة التي يمكن ان تدفع به نحو احتراب أهلي.. مثل هذا اليقين يكاد يستولي على عقول الساسة والدبلوماسيين الغربيين وأطراف الحياة السياسية (نخبة) السلطة والمعارضة.
ولكن هل صحيح ان مغادرة الرئيس السلطة هو مخرج اليمنيين من أزمتهم؟ ما هي الضمانات على صحة مثل هذا التقدير؟ يقول أصحاب هذا الرأي وهم كُثر ويتوزعون بين قوى دولية وإقليمية وكذا يتمدد التأثير السحري لهذا الرأي جزئياً نحو المعارضة لكن المهم تداوله كمسلمة سياسية من قبل قيادات مؤتمرية هامة تتعجل لتنفيذ واختبار صحة اعتقادها بإقناع الرئيس في اجتماع الرياض في شهر أغسطس بأنه الخيار الوحيد الذي يجنبه تحمل المسؤولية التاريخية كرئيس لليمن في انزلاقه نحو التصعيد بل واحتمالات الانزلاق نحو ومواجهات عسكرية وتحول السلاح أداة التعبير الواحدة.
يبدو ان الرئيس تحت ضغط الحوافز الأخلاقية والمسؤوليات التاريخية مقتنع بقرار التنحي وهذا الاقتناع يؤكد أهمية التساؤل الذي يمكن ان يضاف إليه أسئلة أخرى أكثر عملية على افتراض ان ما يقدم كخيار يحظى بإجماع ومؤازرة دولية هو الخيار الوحيد, وبهدف اختبار تماسكه وقدرته على تلبية حاجات حلحلة الأزمة الراهنة نتساءل بعد ان ينقل الرئيس سلطته للنائب هل يستطيع النائب إدارة مكونات وتعقيدات هذا المشهد؟ وإذا افترضنا ان الاتفاق أوصلنا إلى إنشاء حكومة وحدة وطنية فهل يمكن لرئيس وزراء معارض يتمتع بالصلاحيات الكاملة لإدارة الأجهزة والملفات ان يعمل بشكل متناسق وضمن أولوية حل الأزمة وتغليب المصلحة الوطنية وبروح العمل القائم على مبدأ الوفاق طالما كانت هذه الحكومة في تركيبتها وروحها تعكس خارطة القوى الحزبية؟ وهل إغراء النائب بفكرة الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية يجعل من مبدأ الاحتكام للشعب والحفاظ على العملية الديمقراطية ذات قيمة في هذا المشهد الذي بدأ بتعطيل الانتخابات البرلمانية وإفراغ المعنى الحقيقي لمنصب الرئيس حين يأتي الى سدته من أرضية الوفاق السياسي بين الأحزاب لا العودة الى الشعب وينتهي الأمر عند فكرة أن المعارضة حققت هدف الخصومة الشخصية مع الرئيس وأزاحته من السلطة وألغت الحاجة إلى الشعب وبرهنت في ذات الوقت ان المؤتمر وقيادته يرغبون في تقديم ثمناً باهضاً كهذا دون الحصول على مقابل.. وإذا أنصتنا إلى أصحاب هذا الرأي سيقولون ان مقدمات الاستقرار وإزالة مظاهر التقطع وإقناع الشباب مغادرة الساحات وتأمين البترول والديزل والمشتقات الأخرى, وتأمين الطاقة الكهربائية بل يمكن للبعض ان يتبجح بالكرم ويضيف ان مغادرة الرئيس للسلطة سوف يتزامن مع مغادرة أولاد الأحمر وعلي محسن اليمن ليكونوا ضيوفاً لسنوات على إحدى الدول العربية والتي ترجح الترشيحات ان تكون المملكة.
تلك أطراف وعناصر هذا الاتجاه الذي يزج بكل طاقته ويتمترس في حججه وينافح عن قناعاته بأنها المخرج من الأزمة التي باتت مختزلة بنقل السلطة.
إن أمر ما بعد نقل السلطة يبقى غامضاً وما يمكن أن يحدث من مفاجآت متروكة للغيب وأمر تشارك أطراف الأزمة هذا الإيمان والاستعداد للالتزام به بعد تسليم السلطة كقول صادق الأحمر انه سوف يسلم نفسه للنائب عبدربه منصور هادي لينقل مخفوراً هو واخوانه خارج اليمن أو قول علي محسن انه سيتوقف عن تنشيط رغبة الاستيلاء على السلطة من قبل الإسلاميين والسلفيين وجميع المتطرفين الذين خرجوا من جلباب الاخوان المسلمين بعد ان صاروا قاب قوسين أو أدنى من الوصول إليها وبعد ان حشدوا في الشارع كل قوتهم ودججوا عناصرهم بالخبرات والسلاح وبعد ان ذاقوا طعم الدم في زنجبار وشقره وأرحب ونهم وتعز وكيف لعلي محسن وحميد الأحمر بعد ان تقاسما مهمة تصفية الرئيس في جامع النهدين.. هل كل ذلك يدخل من باب السريالية السياسية التي يمكن استيعابها وتمريرها لترغيب السير نحو المبادرة الخليجية العصية على الفهم والشحيحة في استجابتها لكل أسئلة الواقع السياسي والتي تستلزم إسنادها بآلية توضح خطوات تنفيذها دون ان تتوافق بالضرورة مع بنود الدستور بل مع رغبات القوى وتقديرات الساسة الذين نراهم قد حزموا أمرهم وأيقنوا ان نقل السلطة هو الحل, بيد أني أقول ان نقل السلطة ربما كان بوابة الجحيم الذي نعتقد أننا نهرب منه وإذا بنا نحث السير إليه بقوة دفع العادة وسوء اختيار الرئيس لمستشاريه, أو يجد نفسه يسأل موظفين أو منتفعين أو منافقين يفتقرون للإحساس العالي بالمسؤولية أو أنهم أدوات قوى إقليمية أو دولية قد جيرت أعمالهم داخل دار الرئاسة لمصلحتها وبالتالي هناك حالة تاريخية يمكن ان نسميها استخدام نخبة الرئيس وأدوات حكمه للانقلاب عليه ضمن سيناريو شرق أوسط جديد يلعب محيط الرئيس دور(حصان طروادة) الذي يخفي ان رغبة مغادرة علي عبدالله صالح السلطة هو قرار أمريكي بالدرجة الأولى تنفذه قيادات مؤتمرية لأنها تعبر بوضوح عن مستوى متهتك من الأداء يتمثل في التالي:
1. استعدادها قبول التخلي عن آخر معقل للشرعية وكما قبلوا مبدأ تجاهل تاريخ الرجل واسهاماته بل استمرار فكره التلويح بملاحقته وإذا كان جون رينان قد كشف رغبة أمريكا فإن قيادات مؤتمرية تعتبر تدمير علي عبدالله صالح والتسليم المهين بفكرة قبول املاءات أمريكية تنقل على لسان المعارضة بأنها عمل وطني من الدرجة الأولى وهذه النخبة التي انزلقت إلى اتفاق فبراير 2009م حول تأجيل الانتخابات البرلمانية هي ذاتها التي تدير الحوار حول مبدأ نقل السلطة بعد ان أحاطت نفسها بدائرة هشة من الاهتمام الإقليمي والضغط الدولي.
2. معرفتها الأكيدة ان نقل السلطة في إطار هذه الصفقة ليس جزءاً من تسوية للأوضاع ومعالجة لازمة اليمن بل بداية يقبل بموجبها المشترك التقدم نحو حوار بلا فضاء بلا شرعية بلا ضمانات بلا محددات تجعل من سداد المعارضة كلفة خسارة المؤتمر لرئيسة موازية أو مجزية الأمر الذي يجعل فكرة النقل مدخلاً لإعادة تأسيس تسوية مع (نائب الرئيس) باعتباره الرهينة بيد المعارضة ومن واجبه ان يلبي جميع مطالبها حتى يصبح رئيس وإذا كنا نتحدث عن مكيدة لا تحل الأزمة ليس هناك سيناريو لحل أجزاء الأزمة في صعدة وقضية الحراك الجنوبي وليس هناك أدنى تنسيق أو تعريف لموضوع القاعدة كما ان نخبة المؤتمر العليا وحدها من تندفع نحو المجهول اما لتأمين وحماية مكاسبها من عهد علي عبدالله صالح ولا تتطرق إلى فكرة إشراك الأشقاء والأصدقاء لتأمين ضمانات تنفيذ اتفاق معلوم ومحدد ولا يؤدي إلى إنهاء الأزمة طالما اختزلت بشخص الرئيس وأولاد الأحمر وعلي محسن... وكأن الجميع بدون الرئيس متفقون وكما تقول هيلاري كلينتون في تصريحاتها قبل محاولة اغتيال الرئيس بأن الرئيس هو العائق وجميعهم سيصلون إلى اتفاق بمجرد مغادرته.
3. هذه النخبة تتحين كل يوم الجمعة من كل أسبوع لتظهر قوتها وحجم الدعم الشعبي للنظام ولا تجد شخصاً ترفعه على هامتها زعيماً غير علي عبدالله صالح الذي يتهافت كل مكون شعبي لدعمه بل والتضحية من اجله هذا الحس الشعبي الذي حافظ على اتقاده رغم تعطل كل مكونات الدولة وشل فعالية الحكومة وفي الوقت الذي يستمد المؤتمر الشعبي زخماً يتمازج فيه تكوينه الحزبي بوهج التعبيرات الشعبية في الوقوف والتحدي نجد ان هذه النخبة التي تتبوأ مراكز عليا في الدولة والحكومة والمؤتمر لا تبذل الحد الأدنى من الجهد في تنظيم الحس الحزبي داخل المؤتمر ولا تلتزم بتفعيل قدرة الدولة على تأكيد سيادتها ولا نرى الحد الأدنى من النشاط الحكومي في المؤسسات الأمر الذي يؤكد توطيد عزم النخبة المؤتمرية على الإطاحة بالرئيس بعنفوان أكثر من رغبة المعارضة فهي تستمرئ تشكيل التكتل ضد النظام وتصرف ببذخ لإنشاء مكونات وهمية فقط لتحمي نفسها أكثر من كونها تصون واجبها في التعبير عن حاجات المجتمع من النظام.
4. قبلت هذه النخبة نقل التهافت على السلطة الذي كان بين المؤتمر والمشترك ليتحول إلى سباق وتهافت على السلطة داخل قيادة المؤتمر الذي باتت هي من يتبنى فكرة نقل السلطة لأنها أصبحت معنية بشكل مباشر ومستفيدة بصورة صريحة والغريب أنها لا تناقش الموضوعات والقضايا المتصلة بهذا الحدث التاريخي وكيفية الاستفادة منه أو تدقيق النظر في مستقبل مؤسس هذه التجربة بعد نقل السلطة ما يثير القلق اليوم ان المبادرة الخليجية لا تمثل مخرجاً من الأزمة بل تعميق وتعقيد يجعل انزلاق اليمن نحو الهاوية في ظل فهمين مختلفين للمبادرة: الأول يفهم ان المبادرة تنحصر في مغادرة الرئيس السلطة ليدخل البلد في فراغ دستوري بعد الإطاحة بأخر معقل للشرعية الدستورية, والثاني: يفهم المبادرة بأنها تقدم مخرج سياسي ينقل اليمن إلى دائرة الاستقرار ويعيد بالتدريج بناء المؤسسات الدستورية حسب قدرة أطراف الحياة السياسية الوصول الى وفاق.. وهو أمر مستبعد وتدل الخبرة السابقة في التحاور مع المشترك أنه لا يرتكز على تغليب المصلحة الوطنية كما انه لا يعتبر فكره الحفاظ على العملية الديمقراطية وبناء تقاليد سياسية قابلة للتطور الأمر الذي جعل جهده ينحصر في انتزاع كل مصادر الشرعية التي نشأت خلال العقدين المنصرمين وخلق تكوينات خارج الأطر وبعيدة عن إستراتيجية الثورة اليمنية بل أنه أي المشترك تحول حاضنه لأشد النزعات مناهضة للوحدة (الحراك) وللثورة (الحوثيين) وداعم كبير للقبيلة (أولاد الأحمر) وما يجعل المشترك عنصراً غير قادر على الإسهام في حل الأزمة اليمنية كونه قد فشل في تأسيس إطار سياسي يجمع أطياف ومكونات سياسية هي تعبيرات واضحة عن أطراف الأزمة التي تستهدف التسوية القائمة على نقل السلطة كون المشترك بإعلانه مجلساً وطنياً تخلت عنه قوى مهمة ومؤثرة على تركيبة الأزمة اليمنية كالحوثيين ومعارضة الخارج والرابطة كما رفضته الشخصيات الاجتماعية والمشائخ القبلية ليعود إلى مربع المحدودية في التعبير والفشل في الحصول على التفويض كما أخفق في تأكيد قدرته على قيادة المعارضة وتوحيدها الأمر الذي يجعل غير مستوفٍ لتلبية الالتزامات وتحمل الأعباء التي تفرضها عليه مبادرة الخليج كون المشترك جزء واحد من المعارضة وليس كل المعارضة وإذا ما انتزع المشترك مكسب نقل السلطة وتدمير آخر معاقل الشرعية الدستورية فان المضي قدماً نحو معالجة جوانب الأزمة السياسية والتي لا تنحصر في رفع الاعتصامات والتوقف عن قطع الطرقات بل تمتد إلى القضية الجنوبية وصعدة وانشقاق الجيش فان المؤتمر إذا ما ضحى برئيسه بدون الحصول على مكاسب ملموسة تتمثل في ان يصل إلى تسوية تجعل من بقائه في السلطة أو مغادرتها أو اقتسامها في ظل ظروف تأمن له القوة للتحرك نحو الآفاق المستقبلية وان يضمن ان يخرج الجيش والأمن موحداً في مجتمع أزال كل صور الانقسام الأفقي والرأسي, ويعزز وحدته الوطنية ويعبر عن تماسك وحدته الوطنية, ويعبر في مشاريع الاتفاق عن آفاق اليمن الموحد وإذا لم يؤمن المؤتمر الشعبي في أي صيغة اتفاق قدرة العملية الديمقراطية على تحمل ضغوط الحياة واحتياجات تطوير هذه العملية نحو آفاق تستوعب إحتياجات الأجيال القادمة وتواكب متطلبات إعادة توزيع موازين القوى وتأمن ضمانات دستورية لحياة سياسية وممارسة سوية فان نقل السلطة من قبل الرئيس في ظل الأوضاع الراهنة التي يعيشها المؤتمر الشعبي ستكون كارثة كبرى وسيكون قد سلم آخر أمنع حصن لديه دون ان يعرف انه خرج من المعادلة السياسية إلى هامش الفعل السياسي الذي ستتصدره أحزاب اللقاء المشترك بغير وجه حق باستثناء الاستثمار الذكي لأخطاء المؤتمر وتهافت نُخبة على العيش آخر لحظات نعيم السلطة.
إن من المهم في أي تسوية محتملة على أرضية المبادرة الخليجية ان يسعى التطوير لها وتركز الآلية على ان ترتبط الضمانات في نقل السلطة ببقاء الرئيس محوراً في الحياة السياسية ويمارس دوره القيادي كرئيس لحزب المؤتمر حتى قيام انتخابات حرة ونزيهة تجدد مصادر الشرعية الدستورية التي وطدها كما يجب ان تتضمن الآلية المفسرة للمبادرة الخليجية جدولاً زمنياً محدداً من قبل المعارضة لإجراء الانتخابات بالإضافة إلى البرنامج السياسي لحكومة الوحدة الوطنية والاتفاق على قائمة الهيئة الوطنية لتعديل الدستور وقائمة أعضاء الهيئة العليا للانتخابات بالإضافة إلى قائمة أعضاء الحكومة ومن المهم أيضاً حسم الخلاف حول البند الثالث الخاص بإزالة كل صور التوتر وبالأخص القضايا المتصلة بنشاط مليشيات القاعدة والتجمع اليمني للإصلاح ومجاميع على محسن الأحمر وعبد المجيد الزنداني وموعد مغادرة أولاد الأحمر وعلي محسن البلاد كضمانه حقيقية على جدية تعاون المشترك كما أن من مصلحة المؤتمر ان يشرع في الحوار مع المجاميع المعارضة في لندن والقاهرة من مجاميع الحزب الاشتراكي في الخارج وكذا فتح قنوات تواصل وحوار جاد مع الحوثيين والرابطة بهدف الوصول إلى تصور مشترك حول صيغة الدستور وقانون الانتخابات وتحديد موقع وآلية وقيادة من يمثلون صور الأزمة وتعبيراتها في المحافظات الجنوبية وصعدة.
إن خروج الرئيس دون انجاز تلك المهام يعني ان نخبة المؤتمر تتخلى عن مسؤولياتها وتسير في سيناريو الانقلاب على قيادتها التاريخية وأظن ان سلوكها هذا سيدفع البلد نحو الانهيار التام وسيصيب الشعب اليمني بموجة من اليأس قد تدفعه نحو سيناريوهات انتحارية لا تحمد عقباها.
ربما يكون التفتيت وخلق كيانات فسيفسائية وإحالة اليمن إلى وطن ملائم لأحلام القاعدة ويصبح الجنوب وشمال الشمال كيانين سياسيين بمعزل عن المكون الوطني وتصبح فكرة الدولة إحدى الأحلام التي تراود من عرفوها في عهد صالح وسيحرم منها في كل الفترات القادمة.
إن ما يخيفني ليس رحيل صالح عن السلطة ولكن الخوف في أن يرحل بهذا التوقيت ويترك الأمر لمجموعات فشلت في تأمين حق الشعب في إجراء انتخابات برلمانية في موعدها وهي ذات المجموعة التي تفاوض حول نقل السلطة وتبرع في تجاهل حقيقة ان الاتفاق يتلخص ليس في أهمية من ينقل الرئيس إليه السلطة بل في نقل السلطة لا أكثر وبالمبادرة وبالتالي هي بند واحد إزاحة الرئيس دون معرفة ماذا بعد ذلك. هل نخبة المؤتمر ونخبة اللقاء المشترك ويجمعهما خبره العمل مع الرئيس في المراحل السابقة قد اجمعوا على الإطاحة به بتشجيع أمريكي أوروبي هذا سؤال يحتاج إلى من يبحث ليجد الجواب عليه.