العراك الذي ينخرط فيه العراقيون هذه الأيام يتجاوز مسألة اجتثاث البعثيين، والذين يروجون لأفكارهم، فالمسألة أبعد من ذلك بكثير وقد أشار إليها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، حتى قبل إعادة انتخابه، بقوله: (إيران قادرة على ملء الفراغ بعد انسحاب أمريكا من العراق).
على الرغم من أن أمريكا لم تخرج بعد من العراق، فقواتها لا تزال في قواعدها العسكرية المنتشرة على أرض العراق، وأن إعادة انتشار هذه القوات لا يحتاج سوى (مبرر) لا يصعب على واشنطن إيجاده، ولكن معركة (ملء الفراغ) قد اندلعت بسبب الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في الشهر الثالث الميلادي، ولأن هذه الانتخابات تحمل معطيات جديدة، حيث تشير كثير من الدلائل إلى أن الناخبين العراقيين سيستغلونها للتغيير إذا ما جرت بشفافية وبنزاهة، حيث ستغير المشهد السياسي وذلك بالتخلص من الذين استقووا بالدبابة الأمريكية ومن الذين بنوا نفوذهم متمددين على السجادة الإيرانية.
إن المؤشرات أظهرت للإيرانيين أن العراقيين يتجهون لدعم الجبهة الوطنية العراقية التي تضم الوطنيين العراقيين والليبراليين البعيدين عن الأحزاب الطائفية من شخصيات عراقية شيعية وسنية ذات تاريخ وطني مشرف، وإن هؤلاء مدعومون من المتعاطفين مع البعثيين، حيث وجدوا أن أفضل طريقة لقطع الطريق عليهم اتهامهم بالعمل على إعادة حزب البعث للسلطة.
وفي العراق لا يعدم الحصول على (علاقة ما) لأي عراقي بحزب البعث، فعلى مدار الخمسة والثلاثين عاماً لا يمكن لأي عراقي أن يبقى في العراق ما لم ينتم للبعث نصيراً أو عضواً عاملاً.. حتى لو كان ذلك صورياً.
لهذا حركت إيران موضوع (اجتثاث البعث) ووجهت أوامرها لمن ينفذون تعليماتها بإحياء هيئة العدالة والمساءلة، التي وجدت قراراتها هوى وتطابقاً مع مصالح الأحزاب الطائفية الشيعية والسنية معاً، فالملاحظ أنه إلى جانب قائمة دولة القانون التي يقودها نوري المالكي، والتحالف الوطني الشيعي الذي يقوده عمار الحكيم، يقف الحزب الإسلامي السني برئاسة إياد السامرائي في تأييد قرارات الاجتثاث التي أصبحت الشغل الشاغل للعراقيين وقضاتهم الذين يحكمون اليوم شيئاً ويغيرونه غداً.
jaser@al-jazirah.com.sa