جاء خروج أبناء مدينة تعز في مسيرة الجمعة الماضي تحت شعار "معا ضد العنف والاغتيالات"، بعد أن طفح الكيل وزاد تهديد هذا الخطر الوجودي على كيانات المجتمع، وبعد أن عبثت المليشيات المسلحة بحياة الناس في مناطق كثيرة في اليمن وحولت حياتهم إلى واقع مأساوي وهدفاً لجرائم العنف المدمر، ولذلك تحولت هذه المليشيات إلى أداة منتجه للعنف والعنف المضاد.
ان العنف على العموم وكما يصفه معظم الساسة والباحثون الاجتماعيون هو عبارة عن الفعل المتمثل في ممارسة الغلظة والخشونة والقوة غير المشروعة، ومن اثاره انه يترك خوفاً ورعباً عند الانسان، ويهدف في العموم الى تحقيق أغراض تتمثل في تغيير سلوك الجماعات الأخرى.
وفيما يتعلق بالعنف السياسي فانه يمارس عبر استخدام أدوات الضغط والإكراه لبلوغ المقاصد والأهداف عن طريق الإخلال بالتوازنات القائمة في العملية السياسية للحصول على مكاسب سياسية.
وفي كل الاحوال فان أخطر أنواع العنف هو ذلك الذي يكون "ملازماً للتطرف والتعصب" الديني أو السياسي او كلاهما معاً، والذي ينتهي إلى تقديس الفكرة العقائدية المتطرفة: دين أو سياسة بوصفها تحتكر الحقيقة "والحق المطلق" وتنحو نحو إلغاء الآخر.
وبالنظر إلى جرائم العنف في اليمن يلحظ المرء بجلاء ان بعض جرائم "الاغتيالات " التي لا تتبناها التنظيمات ألإرهابية، ناتجة عن اعمال العنف السياسي، وتدخل ضمن أدوات الضغط السياسي لابتزاز الحكام . اما النوع الآخر من جرائم الاغتيالات، وتدمير المؤسسات الأمنية، واستهداف الدولة فإنها تندرج ضمن أهداف تنظيم " قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية " لتدمير الدولة وارباك المجتمع وإشاعة الانفلات الأمني، وإقلاق السكينة العامة، وعدم الاستقرار ليتمكن من الظهور والتنقل بحرية بين المناطق والمحافظات اليمنية، وإبقاء وجوده أمراً واقعاً ليجد المواطن نفسه مجبراً على التعامل مع هذا الوضع ، كما انه يُمهد الطريق أمام الشباب للالتحاق به بعد أن قوضت جرائمه الأنشطة الاقتصادية وقلصت فرص الاستثمار لتزيد بذلك معدلات الفقر والبطالة في صفوفهم، ليسهل عليه استقطابهم عبر كثره من الاغراءات الجاذبه.
لقد بات واضحاً أن بعض انواع العنف في اليمن ولاسيما العنف "السياسي" والعنف "الملازم للتطرف والتعصب" اصبحا من الروافد والمنابع الاساسية لتغذية (تنظيم قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية ) وجناحه المحلي "أنصار الشريعة" بوصفه المستفيد من الآثار والنتائج السلبية التي تخلفها جرائم العنف وتوظيفه للنهج العدائي لدى الشباب لزعزعة وإرباك عمل أجهزة الدولة، وإضعاف دورها وجعل بعض التيارات السياسية تلجأ للتعامل مع هكذا وضع وفقاً ومبررات الحلول العاجلة ومقتضياتها وما تستدعيه الضرورة لفرض مليشياتها المسلحة ذات الارتباط المذهبي الديني بها، وغير المؤهلة لإملاء الفراغ الذي يخلفه وضع هشاشة الدولة أو عدم وجودها، وغير القادرة على أن تحل محل أجهزتها الأمنية والدفاعية، لتنتشر بوجود هذه المليشيات أعمال الفوضى وفرض هذا الواقع أمام المواطن كوضع لا بديل عنه للقبول به والتكيف معه، ليوفر العناء والجهد عن (تنظيم القاعدة) لجعل المجتمع مضطرباً وهز ثقته بالدولة وأجهزتها، وإغلاق الطريق أمام أية محاولات للمواطن ينوي القيام بها للتعاون مع أجهزة الأمن لفرض هيبة الدولة.
إن الوضع الأمني المتدهور الذي تشهده اليمن هو نتيجة لعوامل ودوافع متراكمة وكان العنف والعنف المضاد أبرز ادوات تشكله وأصبح المواطن البريء ضحية يكتوي بآثاره المدمره على المجتمع، وبعد ان باتت اعمال العنف الناتجة عن هذه المليشيات والجماعات المسلحة تشكل خطراً وجودياً يُهدد كياناته ومنبعاً لتغذية ورفد التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها (تنظيم قاعدة ) بالعناصر الجديدة وأساليب العنف المختلفة، خرج المواطنين في هذه المسيرات منددين بالعنف ومطالبين بإخراجها من المدن، والقبض على الجناة مرتكبي جرائم الاغتيالات، وجاءت هذه الخطوة الشجاعة تأكيداً على رفضهم لاستمرار بقاء مصدر خطر "الجماعات المسلحة" التي اصبح وجودها يهدد حياتهم، وليثبتوا بذلك استشعارهم بالمسئولية تجاه المجتمع وحرصهم على استعادة الأمن ، ودعوة الدولة للقيام بواجباتها الدستورية وفرض هيبتها وحماية المواطن.
وإزاء هذه القضية المحورية فأننا مطالبون داخل مؤسساتنا السياسية والدينية و الثقافية و التربوية بالتصدي ومواجهة مفاهيم التطرف و الانغلاق و تغليب مبدأ الاعتدال و الوسطية الذي يمثل جوهر الإسلام وحكمة نظام الدولة، وعلينا ايضاً ان نفتش عن البدائل و الحلول الممكنه باعتبار السياسة فن الممكن لتحصين المجتمع من ويلات العنف ومن هذه البدائل الوقوف صفاً واحداً ضد العنف والعنف المضاد عبر الوسائل السلمية مثل التوعية و التنوير والديمقراطية و الحوار.