الملحمة في الكتابة التاريخية العربية تقدم اقتراحاً أساسياً يتعلق بأهمية هذا النمط من الكتابة التدوينية المقرونة بالحقيقة والأسطورة معاً، والتي كان لها أثر كبير في أفئدة الناس ومنطق تفكيرهم .. كما أنها تنطوي على دعوة ضمنية بالشروع في إحياء الدراسات (الإناسية) ذات الأهمية القصوى في إدراك مغزى الثقافة العالمة في التاريخ العربي، وإلى ذلك تومئ استعادة قراءة الملحمة التاريخية العربية إلى بعض الأقوال المخاتلة الصادرة عن سدنة العقلية المركزية الأوروبية، وخاصة في ما ذهبت إليه من مقاربات وتعاميم تقرن كامل الملاحم التاريخية العربية بالآثار الإغريقية الهلنستية، وتلك واحدة من محن العقلية المركزية الغربية التي دأبت على تجيير تاريخ الحضارة بالامبراطورية الرومانية البيزنطية، ومقدماتها الإغريقية، واعتبار المسافة الزمنية ما بين نهاية تلك الامبراطورية وبداية الثورة البرجوازية مجرد قرون للوحشية والغزو البربري، وغياب الحضارة !!.
تكمن أهمية هذه القراءة في كونها تفتح باباً واسعاً لإعادة استقراء تلك الملاحم، بوصفها قيمة فنية، وخياراً مستقبلياً لكثير من الإنتاج الفني والثقافي المتجدد.
بهذه القراءة لا نستعيد وهج الملاحم التاريخية العربية فحسب، بل إننا نستدرك ماغاب عنا، ونملأ الفجوات التي كانت وما زالت بحاجة إلى تعمير مفاهيمي، يُناجز المعنى، ويتداعى مع جماليات الملحمة العربية، بوصفها نصاً شفاهياً تدوينياً، واتصالاً متعددة الأبعاد والمرامي، وحالة من التمازج الفني بين الحقيقة والخيال، وزمناً إبداعياً ينفلت من قيد الاتصال الكلامي المباشر، ومشروعاً مسرحياً مونودرامياً، وخيارات سينمائية متقدمة، وقابليات إنتاج فني تلفزيوني رفيع.
من المحزن حقاً أن هذه الملاحم الكبيرة لم تجد مجراها في الإنتاج الدرامي التلفزيوني العربي، وخاصة المُوجَّه منه للأطفال، كما أنها تُركت في خزينة الإهمال، ضمن متوالية للتنازل الحر عن لوامع الماضي العربي الإسلامي.
Omaraziz105@gmail.com