" لم يترك لنا الألم كلمات كثيرة..فقط القليل منها
الحزن لا يغني عن الأحبة ؛ يمنحون البلاد زيت أرواحهم
ويموتون على قارعة الغربة
في وطن (شريف),هم أشرف ما فيه"
* * *
الحزن الذي استوطن كل بيت في اليمن (السعيد) , وكل قلب؛ لأجل يحيى علاو, أكبر من جميع الكلمات والعبارات .
هنا, تعتصم القلوب بالحزن وبالصلوات ,ترتل الوفاء بين يدي الله الرحيم : " يارب..رحمتك تسعه ".
في الأخير لا يبقى, لك , لنا , إلا الغربة في وطن أحببناه,من دون لافتات وشعارات عملاقة , وبدون (دعاية وإعلان).
لا يبقى للمرء إلا قلوب الناس. منزل لا يطالبك مالكه بالإيجار الذي لا تملكه, ولا يهددك وأطفالك بالطرد إلى الشارع ,
بينما أنك تكون مشغولاً جداً ,حينها, بإعداد مادة جديدة..حلقة أخرى..مقالة أو فكرة تقرير؛
عن اليمن .. الجديد..الحبيب..الكبير .. الذي يسع جميع أبناءه . ولا يسعك , ساعتئذ , أن تعرف أبداً ؛إن كان المؤجر الجديد يشبه هذا (اليمن الجديد) ؟!
لن يسعك عُمْرٌ واحد لتجد الإجابة على السؤال الصعب : ( كيف أنك - مثلاً - وسعت هذا الوطن الكبير, وضاق هو عنك ؟) !!
كيف ؟؟؟
* * *
أعطى يحيى علاو التلفزيون اليمني شهرة ورصيداً في كل بيت يمني,وفي كل بيت يمني في بلاد المهجر. وينتظر المشاهدون برنامج "فرسان الميدان" في ليالي رمضان, أكثر من برامج المسابقات المليونية في عشرات الفضائيات العربية.
لم يترك يحيى علاو منطقة يمنية؛لا قرية ولا مدينة ولا جبل ولا واد ولا سوق ولا معلم تأريخي أو حصن أثري أو جامع شهير , إلا وأظهره في برنامجه الشهير .
فعل ما لم تفعله وزارات ؛ السياحة والثقافة والإعلام والأوقاف والتربية والزراعة والإدارة المحلية , منذ كانت وإلى اليوم.في جانب التوعية والإشهار والتعريف وتلمس واقع المناطق النائية والسكان البعيدين عن العاصمة ووزارات العاصمة وحكومة العاصمة.
هناك مناطق ومحليات يمنية شهيرة زارها يحي علاو عشرات المرات وظهرت في برنامجه تباعاً وباستمرار.لكن وزيراً أو مسئولاً حكومياً لم يزرها , ولم تطأها أقدام أصحاب المعالي - خدام الرعية والشعب - أو من دونهم من الموظفين الحكوميين , منذ كانت الحكومة حكومة .
جبل حبشي,مثلاً- على شهرتها وقربها من حاضرة وعاصمة محافظة تعز, حزم العدين,بلاد الروس,وادي زبيد, الجعاشن - أكبر وأشهر محمية بشرية مغلقة في القرن العشرين,الجعفرية,حزم الجوف,الزيدية, اللحية,وغيرها .
بالنسبة للكثيرين من السكان والمواطنين - المنسيين - في تلك المناطق والتجمعات السكانية الكبيرة والمهملة ,فإن يحيى علاو هو الحكومة اليمنية والدولة, والحكومة والدولة هي يحيى علاو .
إنه الوحيد الذي زارهم وتلمس حاجياتهم وواقع مناطقهم وقراهم وحياتهم عن قرب.وكثيرون حملوه مطالبهم ورسائلهم ومناشداتهم إلى الرئيس وحكومته.
اعتقدوا أن صاحب "فرسان الميدان" قادر على إلزام "فرسان المؤتمر" والحكومة بالنزول إلى الأرياف والقرى والمديريات البعيدة عن عيون دولة العاصمة , من أجل الاستماع للمواطنين وحل مشاكل الناخبين الذين تعرفهم لجنة الانتخابات أكثر مما تعرفهم الوزارات الخدمية مجتمعة !!
* * *
لكن يحيى علاو فعل الكثير لأجل الناس ولأجل المواطنين الذي بادلوه الحب والتقدير. قال لي رجل من ريف تعز أنه لا يزال يحتفظ بالظرف الذي سلمه إياه يحيى علاو وكان بداخله مبلغ عشرين ألف ريال جائزة السؤال الذي أعطى نصف إجابته الصحيحة وساعده علاو على تذكر النصف الآخر ليحصل على الجائزة.تمكن - للمرة الأولى منذ أشهر طويلة - من شراء كيس دقيق وكيس بر وقطمتي سكر وأرز ودبة زيت بقيمة الجائزة , واحتفظ بالظرف محبة وكرامة ووفاءً ليحي علاو.
رجل كهذا يحب علاو أكثر من وزراء الحكومة, ويذكره بخير ويدعو له دائماً. هذا ما فعله يحيى علاو وأبقاه لأطفاله وأسرته من بعده.
الناس يحفظون الجميل والمعروف أكثر من الحكومات والمدراء الفاشلين والمسئولين المحجوبين عن الناس وعن المعروف, بالألقاب والمناصب والصفقات والأرصدة و تصفية الحسابات الصغيرة مع قامات وهامات كبيرة مثل يحيى علاو.
ربما لا يعرف الناس أن راتب يحيى علاو ,الشهري, منع عنه وقطع في أحلك الظروف التي مر بها في السنة الأخيرة. ليس أن يحيى علاو لم يحصل على منحة علاجية للسفر إلى الخارج للتداوي, وليس أنه حرم من هذا الحق ولم يجد ثمن تذكرتي سفر وقيمة الفحوصات والعلاجات وأجرة المستشفى, بل أكثر وأمر وأقهر واقتل من هذا وذاك أن يحيى علاو لم يجد حتى راتبه (الإعانة الشهرية) والمصدر الوحيد لأسرته ورزق أطفاله !!
ثم لا يتمكن من السفر للعلاج,إلا بـ "مكرمة" من ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز, وهي الرحلة العلاجية التي جاءت متأخرة جداً بحسب الأطباء الذين لم يستطيعوا شيئاً مع المرض الخبيث المستفحل.
ليس في همي الآن أن أنتقد أو أشهِّر بالتلفزيون اليمني ووزارة الإعلام أو الحكومة نفسها. لأن المقام مقام حزن وألم ولا ينفع زميلنا يحيى علاو , الآن , أن ندين ونلوم هذا الجهة وتلك الإدارة وذلك المسئول .
ولكن لم يكن ممكناً تجنب الإشارة ,ولو عرضاً ,إلى تفاصيل مزعجة وحقائق مؤلمة ؛ مثلما فعلت مع يحي علاو فقد فعلت مع زملاء آخرين من قبل , وستفعل باستمرار مع الآخرين. بل إنها تفعل ذلك..الآن ..على قدم وساق؛ مع إعلاميين وصحافيين ومبدعين يدفعون أرواحهم وحياتهم , ضريبة باهظة وثمناً مضاعفا , في ذمة البيروقراطيين..النافذين..المتنفذين,الذين لا يراعون في يمني إلَّاً ولا ذمَّةً.
يسكب الواحد عمره في الخدمة, مقابل (لاشيئ) يذهب للمؤجرين والدائنين ,بالكاد. وحين يقعده مرض أو يبغته بلاء مقدر, لا يجد يداً تأخذ بيده , عدا الخيبة والحرمان , وثمة أيادٍ بيضاء لأصدقاء ومحبين,لكن يد الحكومة والضمان الصحي الحكومي لا تجيء أبداً- إلا لتساعد الداء وتتحالف ضدك مع البلاء.
يد الحكومة مغلولة إلى عنقها, إذا تعلق الأمر بأيوب طارش أو يحيى علاو أو غيرهما من المبدعين والكتاب والأدباء والصحافيين.
ولكنها مبسوطة كل البسط ,لأبناء الذوات (أنصاف الآلهة) ,ومن شملتهم قسمة (المساواة)- الضِّيزى.
أبناء (اليمنيين) ليسوا سواء مع أبناء (المسئولين). والمواطنة المتساوية ,مجرد طلاسم, يتطير بها السياسيون السحرة ,الواقفون على دم المواطنة يخطبون عن "المواطنة المتساوية".
رحمك الله .. يا زميلنا العزيز الكبير يحيى علاو
غمرك الله بعطفه..وشملك برحمته
لك الله .. يا وطن.