|
|
|
|
|
اغلاق رام الله وحصارها اسرائيليا هو الاذلال الاخير لعباس ورهطه
بقلم/ أستاذ/عبد الباري عطوان
نشر منذ: 8 سنوات و 10 أشهر و 14 يوماً الثلاثاء 02 فبراير-شباط 2016 08:45 ص
نحمد الله ان الجيش الاسرائيلي اغلق يوم امس واليوم جميع مداخل مدينة رام الله، عاصمة السلطة، ومخارجها، وفرض عليها حصارا مشددا في اعقاب اقدام الشهيد امجد سكري على اطلاق النار على ثلاثة جنود اسرائيليين، الحق بهم اصابات بالغة قبل ان يرتقي الى جنة الخلد باذن الله.
فهذا الحصار، ورغم تعاطفنا الكامل مع اهلنا في المدينة ومعاناتهم، يؤكد وهم السلطة و”سيادتها” المزعومة، ويفضح دورها، ويجسد الوضع البائس لمن يعتبرون انفسهم “قادة” لما يطلقون عليه المشروع الوطني الفلسطيني، ويشيدون ليل نهار بالتنسيق الامني مع الاجهزة الاسرائيلية باعتباره “انجازا”.
رام الله ظلت فقاعة كاذبة، يعيش وسطها اصحاب سلطتها في رشوة الاحتلال الجائر، وبعيدة بالكامل من عذابات الفلسطينيين في مدن وقرى اخرى، وتتباها بحالة انفصال الشخصية (شيزوفرينيا) التي تعيشها نخبتها الحاكمة، او الدائرين في فلكها، رام الله افاقت على واقع جديد طالما حاولت نسيانه، او تناسيه والتعامي عنه، ويتلخص في انها تحت الاحتلال والاذلال.
***
لعل هذا الحصار المهين صرخة ايقاظ للرئيس عباس وقياداته الامنية، ورجاله المنافقين الملتفين حوله، لكي يعودوا الى رشدهم او ما تبقى منه، ويعوا جيدا ان سلطتهم انتهت، وان اغلاق مداخل “امبراطويتهم” الوهمية هو بمثابة رصاصة الرحمة التي اعتقدوا انها لن تطلق عليهم، لقد انتهى الدرس، واسدلت الستارة، وعليكم الرحيل من مقاعد مسرح عبثكم.
الرئيس عباس لم يرد مطلقا تنفيذ تعهداته وتهديداته بحل السلطة وتسليم مفاتيحها الى بنيامين نتنياهو، وها هو الاخير يسلب منه هذا “الشرف”، لأنه في رأيه لا يستحقه، ويؤكد حقيقة يعرفها الجميع، باستثناء سكان المقاطعة، بان هذه السلطة “مهزلة” لا تستحق اسمها، ناهيك عن استمرار وجودها.
قلناها قبل ذلك، ولا مانع من ان نكررها اليوم وغدا وبعد سنة، هي ان السياسات الاذلالية الاسرائيلية، وتعايش السلطة معها، وتنفيذ احكام الاعدام ميدانيا بالشابات والشبان من ابطال الانتفاضة الاخيرة، لمجرد وضع ايديهم في جيوبهم، خوفا ورعبا من سكاكينهم، سيدفع هؤلاء او غيرهم الى اللجوء للسلاح، طالما ان الشهادة حتمية.
الشهيد امجد سكري، الحارس الامني في مكتب النائب العام الفلسطيني، لم يتحمل اذلال شعبه امام الحواجز الاسرائيلية، ولم يستطع الصمت على اعدام الشبان والشابات الثائرين على الاحتلال بسكاكينهم، فقرر التمرد على هذه السلطة التي ارادت ان تحوله حارسا للقتلة والجزارين، وان يواجه سلاحه الى جنودها الذين يهينون اهله وذويه امام الحواجز.
امجد سكري الشاب الثلاثيني هو حد رموز المرحلة القادمة، مرحلة المقاومة، التي يتحمل نتنياهو وكل المستوطنين المتطرفين من امثاله مسؤولية تفجيرها، ودفع الشباب المحبط الى الانخراط فيها دون استئذان اي احد، ودون حتى التفكير بالعواقب، فلم يبق شيء ممكن خسارته، فالكرامة وعزة النفس والشجاعة تتقدم على كل ما عداها.
لم يستمع “السكري” الى رئيسه عباس، ووعظه الاستسلامي، ولا الى قادته الامنيين الذين يرتعدون خوفا من كلمة “المقاومة” بسبب جبنهم، وعقيدتهم المنحرفة، وتواطئهم مع قوى الاحتلال، والتزامهم بتعليمات الجنرال الامريكي دايتون وعقيدته، الذي غسل ادمغتهم، ونزع جينات الوطنية والشرف من دمائهم، وحولهم، الى خدم للمشروع الاستيطاني الاسرائيلي.
الشهيد السكري هو “قمة جبل الثلج”، واستشهاده ربما يكون بداية الانطلاق، ولن افاجأ شخصيا، اذا ما رأينا “صحوة ضمير” تنفجر في دماء زملائه الآخرين، كوادر القوات الامنية، وتدفع بهم للسير على الطريق نفسه، وتحويل بنادقهم الى صدور محتليهم.
فعندما يجدد بان كي مون، امين عام الامم المتحدة انتقاداته للاحتلال الاسرائيلي “المذل” ويدعو الاسرائيليين الى الكف عن مهاجمة اي شخص “يقول الحقيقة”، ويقول في مقال نشره في صحيفة “نيويورك تايمز″ الاثنين بأن مقاومة الاحتلال هي من طبيعة البشر، فان هذه المقاومة آتية لا ريب فيها، ولن تكون مقاومة سلمية فقط على طريقة بلعين ونعلين “الفولكلورية” التي مارستها السلطة، وبعض الدائرين في فلكها، واعتبروها البديل الافضل لتغطية مسلسل التنازلات، وخداع الشعب الفلسطيني.
***
امين عام الامم المتحدة “لم يكن يشجع الارهاب” مثلما اتهمه نتنياهو، وما قاله هو ربع الحقيقة، وكان اكثر حرصا بذلك على الاسرائيليين منه على الفلسطينيين، ولكنهم تخصصوا دائما في تشويه صورة كل من يقول الحقيقة ويتهمونه بمعاداة السامية، في حملات ترهيب لم تعد تخيف احدا.
لا يهمنا ما يقوله بان كي مون، ولا كيف سيرد عليه نتنياهو.. بقدر ما يهمنا ما سيقوله الرئيس عباس، والرهط المحيط به، والمتنافسون على رئاسة سلطته “الاكذوبة” من بعده.. ما يهمنا هو ان نر انتهاء حالة الانكار التي يعيشون فيها.. واسمها سلطة رام الله.
الرجل يصّر ان يموت ذليلا.. مهمشا.. منبوذا.. هذا خياره للأسف.. ويالها من نهاية بائسة، يستحقها عن جدارة.
التسونامي الفلسطيني قادم، وسيجرف كل الجيف في طريقه.. وسيكون مختلفا قطعا عما سبقه.. ونموذج شرف وكرامة ومروءة.. والايام بيننا. |
|
|
|
|
|
|
|