|
|
|
|
|
عطوان: لماذا تراجع الرئيس السيسي عن مشروع قرار ادانة الاستيطان في مجلس الامن؟ وماذا دار بينه وبين ترامب في المكالمة الهاتفية؟
بقلم/ أستاذ/عبد الباري عطوان
نشر منذ: 7 سنوات و 10 أشهر و 27 يوماً السبت 24 ديسمبر-كانون الأول 2016 09:02 ص
اثارت موافقة الحكومة المصرية على تأجيل التصويت على مشروع قرار تقدمت به الى مجلس الامن الدولي يدين الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس المحتلين، ويطالب بوقفه فورا، حالة من الاستياء في الأوساط العربية، والفلسطينية خاصة، لان هذه الموافقة جاءت بعد ضغوط إسرائيلية، ليس على الجانب المصري الذي صاغ القرار وتقدم به، وانما على الإدارة الامريكية والرئيس الأمريكي الجديد دونلد ترامب، الذي بادر بالاتصال بالرئيس عبد الفتاح السيسي لاقناعه، وربما تهديده، لا نعرف، بضرورة التأجيل.
البيان الرئاسي المصري اكد هذا الاتصال بين الرئيس الأمريكي المنتخب ونظيره المصري، وقال “ان الرئيسين اتفقا على أهمية اتاحة الفرصة للإدارة الامريكية الجديدة للتعامل بشكل متكامل مع ابعاد القضية الفلسطينية كافة بهدف تحقيق تسوية شاملة ونهائية”.
ندرك جيدا ان القيادة المصرية لا تريد استعداء الرئيس الأمريكي الجديد من خلال رفض مبادرته هذه، ولكن مخاطر تجاوبها مع طلبه هذا، الذي عجز بفرضه على إدارة الرئيس أوباما التي رفضت فيما يبدو استخدام حق “الفيتو” ضد مشروع القرار المذكور، ربما يصورها بصورة التابع للإدارة الامريكية القادمة، والقبول بأملاءاتها.
هناك في الحكومة المصرية من يجادل بأن “تفاهما” قد حصل بين القيادتين المصرية والأمريكية اثناء المكالمة الهاتفية، مضمونه، وعود من قبل الرئيس المنتخب بالمضي قدما في حل الدولتين والتوصل الى تسوية شاملة، وربما تأجيل نقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة، ولكن البيان الرسمي الرئاسي لم يتطرق مطلقا الى هذه المسائل، واتسم بالغموض.
***
لا نريد ان نستبق الاحداث ونطلق احكاما متسرعة حول انحياز ترامب لإسرائيل، ولكن المقدمات التي نرى ارهاصاتها الأولية تقود الى نتائج مخيبة للآمال، فاختيار الرئيس الأمريكي الجديد للمتشدد الأمريكي اليهودي ديفيد فريدمان لكي يكون سفيرا لبلاده في تل ابيب يؤكد ما نقول.
فريدمان معروف بتأييده الاعمى لحكومة نتنياهو العنصرية المتطرفة، ودعمه المطلق لدولة الاحتلال وسياساتها الاستيطانية الاستفزازية غير الشرعية، ويعارض أي ضغط من الولايات المتحدة الامريكية على إسرائيل لوقف أنشطتها التوسعية، ويؤيد بحماس نقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة، التي يصفها بـ”العاصمة الموحدة والابدية لدولة اسرائيل”.
تراجع مصر، الدولة العربية الأكبر، التي خاضت حروبا شرسة ضد دولة الاحتلال، واستشهد الآلاف من أبنائها انتصارا للحق العربي والإسلامي في فلسطين، يشكل خيبة امل كبرى، خاصة بعد ان كاد هذا الانتصار الدبلوماسي للعرب في المنظمة الدولية يكون وشيكا في ظل الانباء التي تواردت حول عدم رغبة إدارة الرئيس أوباما في استخدام حق النقض لاجهاضه مثلما فعلت ضد قرارات سابقة، وكأن الرئيس أوباما يريد ان ينهي فترتيه بالانتقام من رئيس الوزراء الإسرائيلي واهاناته واحتقاره له.
نتنياهو يتبع سياسة على درجة كبيرة من الخطورة والخداع، تتلخص في محاولة فك الارتباط بين الحاضنة العربية والقضية الفلسطينية، ولهذا يقدم نفسه الى بعض العرب بأنه حليفهم القوي في صراعهم مع ايران وخطرها الذي يهددهم، ويعزز من خلال هذه الوعود، خطوات التطبيع معهم، والضغوط التي مارسها على الحكومة المصرية عبر بوابة الإدارة الامريكية القادمة هي احد فصول هذه السياسة.
الرئيس عبد الفتاح السيسي يجب ان يدرك جيدا انه لولا تقدمه بمشروع القرار هذا، الذي ازعج الإسرائيليين وحكومتهم واثار قلقهم، لما اتصل به ترامب، بمعنى ان القضية الفلسطينية والانتصار لها هو مصدر قوة لمصر، وتكريس لمكانتها السياسية والدبلوماسية في المحافل الدولية، وفي العالم بأسره، هذا العالم الذي لا يعترف الا بالاقوياء الذين يملكون قيم العزة والكرامة الوطينة.
الحكومة المصرية يجب ان لا تتراجع عن قرارها المشرف بالتقدم بمشروع القرار المذكور الى مجلس الامن الدولي، وان تحدد موعدا جديدا للتصويت عليه، خاصة انها تحظى بدعم المجموعة العربية في الأمم المتحدة، والاهم من كل هذا هو دعم الشعب المصري الذي يعتبر قضية فلسطين قضيته المركزية الأولى، ومستعد للتضحية من اجل استرداد الكرامتين العربية والإسلامية المهدورتين بفعل العدوان الإسرائيلي على الأرض والمقدسات والمرابطين فيهما.
***
ختاما نقول شكرا للدول الأربع نيوزيلاند وماليزيا والسنغال وفنزويلا التي تبنت مشروع القرار وتقدمت به بإسمها الى مجلس الامن الدولي، بعد ان قررت الحكومة المصرية التراجع، ومن المتوقع ان يتم التصويت فجر الغد، وبدعم من فرنسا التي قال مندوبها في المنظمة الدولية فرانسوا دولاتر للصحافيين “الارجح سنصوت قريبا لان هدفنا هو الحفاظ على حل الدولتين”.
انه امر معيب للعرب جميعا ان تتبنى اربع دول غير عربية مشروع القرار المذكور، وتتقدم به للتصويت في المجلس، ولا ترضخ للضغوط الامريكية والإسرائيلية، وتتحدى دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتسجل سابقة بتبنيها هذه الإدانة القوية لاحتلالها الأرض الفلسطينية وسياساتها الاستيطانية.
|
|
|
|
|
|
|
|