|
|
|
|
|
مُؤتمر ميونخ الأمني “يُبشّرنا” بأنّ العالم باتَ على حافّةِ الهاوية
بقلم/ أستاذ/عبد الباري عطوان
نشر منذ: 6 سنوات و 9 أشهر و 14 يوماً الأحد 18 فبراير-شباط 2018 10:28 ص
كان العُنوان الأبرز للتّقرير السنوي لمُؤتمر ميونخ الأمني الذي بَدأ أعماله أمس يُؤكّد أن العالم باتَ على حافّة الهاوية، وأن الصِّراع الأمريكي مع كوريا الشماليّة.. والتوتّر الإيراني السعودي.. والحَرب في سورية كُلها عناصِر تَفجير لحُروبٍ عُظمى وَشيكة وفي أسرعِ وَقتٍ مُمكن.
الأوروبيون بَدأوا يُدرِكون خُطورة هذهِ الأزمات، ويَستعدّون لاحتمال انْعكاساتِها المُباشِرة على أمنهم، من خِلال تحديد المسؤوليّة، والاستعداد لتبنّي استقلاليّة استراتيجيّة دِفاعيّة، وتَشكيل قوّات تدخّل سَريع مُشتركة، دون انتظار الولايات المتحدة الأمريكيّة.
وزير الخارجيّة الألماني زيجمار غابرييل كان شُجاعًا في تَوجيه انتقاداتٍ غير مَسبوقةٍ إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتَحميله مَسؤوليّة تصاعد حِدّة التوتّر في العالم بسياساتِه الاستفزازيّة في أكثر من مَكان في العالم، وحالة الارتباك التي تَعيشها القُوّة العُظمى الأمريكيّة، ولَخّص كل ذلك بِقَوله “لا يُوجد ثِقة في الحُكومة الأمريكيّة تحت قِيادة ترامب.. وبِتنا لا نَعرِف كيف نُقيّم مَواقِفها.. هل بالأقوال.. أم الأفعال أم بالتَّغريدات؟”.
***
هذهِ النّزعة الاستقلاليّة الأُوروبيّة التي تَجلّت بصُورةٍ أكثر وضوحًا في مُؤتمر ميونخ تَقودها سيّدتان، الأولى هي فلورنس بارلي، وزيرة الجُيوش الفرنسيّة، (الدِّفاع)، وارسولا فون، وزيرة دِفاع ألمانيا، وكانتا دون مُبالغة أكثر “رُجولة” من الكَثير من الرِّجال الذين شاركوا في هذا المُؤتمر ومن بينهم 21 زعيم دولة ورئيس وزراء، وعدد كبير من وزراء الخارجيّة (500 مُشارك)، فقد أكّدتا في كلمتيهما أمام المُؤتمر على ضَرورة أن تكون أوروبا قادِرة على ضَمانِ أمنها بِنَفسها، وأن تُصبح أُوروبيّة أكثر استقلاليّة عن أمريكا وحِلف الناتو، وقَبلهما قالت المُستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل “إن الأيّام التي كُنّا نَعتمِد على الآخرين ولّت إلى غَير رَجعة”.
كوريا الشماليٍة تعتمد على نَفسها وتُطوّر قوّة رَدع نوويّة وباليستيّة في مُواجهة أي تهديداتٍ أمريكيّة، أمّا إيران فاتّبعت النَّهج نفسه وصَنّعت تَرسانةً صاروخيّةً مُتقدّمة عزّزتها من خِلال تَمدّد إقليمي استراتيجي في المِنطقة من خِلال سِياسةٍ مَدروسةٍ ومَدعومةٍ بأذرعةٍ عَسكريّةٍ ضارِبة، بينما نحن العَرب ما زلنا نَعتمد على الآخرين لحِماية أنفسنا، ووَصل التهوّر لدى البَعض مِنّا إلى درجة الرِّهان على دَولة الاحتلال الإسرائيلي كحامٍ وحَليف استراتيجي.
الولايات المتحدة الأمريكيّة التي باتت مَكروهةً حتى في أوروبا حليفها التقليدي، لأن سياساتِها في الشرق الأوسط خُصوصًا القَريب من القارّة الأوروبيّة جُغرافِيًّا، باتت مَصدر استفزاز وعَدم استقرار للعالم بأسْرِه، فها هي على وَشك إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وتعترف بالقُدس المُحتلّة كعاصمةٍ أبديّةٍ لدَولة الاحتلال، وتُخطّط لإبقاء قوّاتها بِشكلٍ دائِم في سورية، وإقامة كيانٍ كُرديٍّ ليكون حاضِنةً لقواعِد عَسكريّة في المِنطقة.
أمر مُؤسِف أن لا يكون للعَرب أي دور فاعِل في مُؤتمر ميونخ الأمني، وإذا كان هُناك دور فهو سَلبي على الإطلاق، أي نقل الخلافات العربيّة، والخليجيّة بالذات إلى مِنبره، وتَحويله، أي المُؤتمر، إلى حائِط مَبكى للشَّكوى من بَعضِنا البعض، وعَقد اللقاءات السريّة، وربّما العَلنيّة مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء دولة الاحتلال الذي يَتحرّك مثل الطَّاووس في القاعةِ والممرّات.
كوريا الشماليّة لا تُشكّل خَطرًا حقيقيًّا على الولايات المتحدة التي تَبعُد عنها أكثر من خمسة آلاف ميل، وإنّما على حُلفائها مِثل اليابان، وكوريا الجنوبيّة، والأهم منهما دولة الاحتلال الإسرائيلي.
التّصعيد الأمريكي ضد بيونغ يانغ سببه الأبرز هو تعاونهما مع بَعض الدول العربيّة، وسورية على وَجه التحديد، وإيران أيضًا، في مَجالاتٍ عَسكريّةٍ، مثل الصناعة الصاروخيٍة، وتَبادُل الخُبرات العلميّة والتقنية النوويّة، وهُناك أنباء شِبه مُؤكّدة أن الطَّائرة الإسرائيليّة “إف 16” أُسقطت بصاروخ روسي قديم جَرى تحديثه بِخُبرات كوريّة شماليّة.
***
الوَضع العَربي مُخجِل بكُل المقاييس، ومُعظم الأنظمة العَربيّة باتت تتصرّف بتبعيّة مُهينة للولايات المتحدة في المِنطقة والعالم، في وَقت بات حُلفاؤها التقليديون يبتعدون عنها، المُشاركون في مُؤتمر ميونخ الأمني، ومُعظَم المُؤتمرات المُماثلة، من العَرب باتوا بلا قضيّة مُوحّدة تَجمعهم مِثلما كان عليه الحال قبل عشر سنوات مَثلاً، والقاسم المُشترك بينهم، أو مُعظَمهم، هو الكَيد لبَعضهم البعض، وإنفاق عشرات بل مِئات المِليارات في هذا المِضمار.
كان مُؤلِمًا بالنَّسبة إلينا أن يُؤكّد التقرير السنوي لمُؤتمر ميونخ أن الحرب في سورية ستَستمر لسنوات، وربّما لعُقود، وأن احتمالات تَطوّرها إلى حَربٍ عالميّة بين القوّتين العُظميين وارِدة في ظِل الحَرب الباردة المُتفاقِمة، ولا نَستبعد أن يكون بعض المُشاركين العَرب قد فَركوا أياديهم فَرحًا، انْطلاقًا من قُصر نَظرِهم، ونزعاتِهم الثأريّة الشخصيّة التي تتناقض مع كُل الاعتبارات العلميّة والمَنطقيّة والمَسؤوليّات والثّوابت الوطنيّة والأخلاقيّة.
|
|
|
|
|
|
|
|