|
|
|
|
|
لماذا يُريدون تطبيق السّيناريو السوري في لبنان حاليًّا؟
بقلم/ أستاذ/عبد الباري عطوان
نشر منذ: 4 سنوات و 3 أشهر و 8 أيام الخميس 13 أغسطس-آب 2020 09:28 ص
لنَبدأ من الآخِر، ودون الإغراق في التّفاصيل والتّحليلات، فهُناك الكثير منها هذه الأيّام في الصّحف وبرامج التّلفزة اللبنانيّة والعربيّة، ونقول إنّ حالة الغليان الحاليّة التي بلغَت ذروتها باستقالة، أو إقالة، حُكومة حسان دياب على أرضيّة انفجار مرفأ بيروت، ستؤدّي حتمًا إلى إسقاط النّخبة الحاليّة الفاسدة الحاكمة في لبنان أو مُعظمها واتّفاق الطائف الذي أتى بها إلى الحُكم عام 1989، وكُل المُحاصصات الطائفيّة المُتفرّعة عنه.
الشّعب اللبناني يُريد الإصلاح الديمقراطي الحقيقي للنّظام، ودون المَساس بالدُولة، ولكنّ الشّعب، وللأسف لم يَعُد صاحب القرار الرئيس، والقِوى الخارجيّة، وخاصّةً الأمريكيّة والإسرائيليّة، وبعض الجِهات اللبنانيّة المُتواطئة معها، تُريد تِكرار السّيناريو السوري الذي بدأ قبل عشر سنوات، ومثلما فَشِلَت هذه القِوى في سورية ستفشل في لبنان حتمًا، والسّعيد مَن اتّعظ بغيره.
إذا كان السّيناريو السوري كان وما زال يهدف إلى إسقاط النّظام في دِمشق، فإنّ السّيناريو اللبناني القادم يُريد إسقاط “دولة” حزب الله، ونزع سِلاحها العسكريّ، حسب الأدبيّات الأمريكيّة، لطمأنة دولة الاحتلال، ونَزع الرّعب مِن قُلوب مُستوطنيها، وتأخير حُلول نهايتها لأطولِ وقتٍ مُمكنٍ، لأنّ المُقاومة اللبنانيّة باتت تُشكّل تهديدًا وجوديًّا لهذه الدّولة لا يُمكن التّعايش معه أو السّماح به.
ومثلما كانت البداية في سورية مُظاهرات غاضبة في درعا، فإنّ البداية في لبنان ستكون مُماثلة، وما شاهدناه من مُظاهرات واحتجاجات غاضبة في بيروت (قريبًا في طرابلس) وتعليق “المشانق” الافتراضيّة للسيّد حسن نصر الله، هو أحد المُؤشّرات الرئيسيّة في هذا المِضمار، فرأس السيّد نصر الله هو المطلوب، أمّا الرّؤوس الأُخرى من السّياسيين اللّبنانيين فهي مُجرّد تضليل ومُحاولة مقصودة للتّعميم، والادّعاء بتطبيق شعار “كِلُّن يعني كِلُّن”، كاملًا وبُدون استِثناء.
***
مُعظم المُظاهرات والاحتجاجات الشعبيّة التي انطلقت وتحوّلت إلى أعمال عُنف، وحروب أهليّة، بدأت سلميّة تطرح مطالب مشروعة في التّغيير الدّيمقراطي والإصلاح السّياسي، والعدالة الاجتماعيّة قبل اختِطافها، ولهذا جاءت النّهايات مُختلفةً كُلِّيًّا، لأنّ ما يُريده المُتظاهرون، ويستشهدون من أجله، يتناقض كُلِّيًّا مع ما تُريده القِوى الخارجيّة، ولنا في سورية والعِراق وليبيا بعض الأمثلة في هذا الصّدد.
نُدرك جيّدًا أنّ الظّروف في المِنطقة تغيّرت في السّنوات العشر الماضية، فالدّول التي تدخّلت عسكريًّا وسياسيًّا وماليًّا في الأزمة السوريّة، تُواجه أزمات اقتصاديّة (انخِفاض عوائد النّفط) وصحيّة (انتشار فيروس كورونا)، والتورّط في حُروبٍ إقليميّةٍ، السعوديّة والإمارات (في اليمن)، وتركيا وقطر (في ليبيا)، ولكن عندما تأتي الأوامر من واشنطن بإذكاء فتيل الفِتنة الدمويّة في لبنان، فإنّ الأموال اللّازمة لتمويل حُروبها تتوفّر فَورًا وتُعطَى الأولويّة، وكذلك الغَطاء الأيديولوجي اللّازم (الطائفيّة).
حُكومة الدكتور حسان دياب كانت مِثل الطّفل الخداج المُعَلعَل مُنذ يومها الأوّل، ولم يَكُن مسموحًا لها بالحُكم، وأُسقِطَت لأنّ رئيسها اقترح أقصر الحُلول للخُروج مِن الأزمة، أيّ إجراء انتخابات سريعة في غُضون شهرين، وإعطاء الفُرصة للشّعب اللبناني لأخذ زِمام التّغيير بنفسه وعبر صناديق الاقتراع، وليس عبر الاحتِجاجات العنيفة، والإطاحة بالتّالي بالنّخبة الفاسدة الحاكمة، ولهذا بدأت الاستِقالات في حُكومته نتيجة ضُغوط النّخبة نفسها، واضطرّ الرّجل إلى اتّخاذ خطوة استباقيّة وتقديم استقالته، قبل أن تتم إقالته، والذّريعة كانت حتميّةَ وضع قانون انتخابي جديد، وهي مَهمّة مُستحيلة في ظِل الظّروف المُتوتّرة حاليًّا.
اليوم إسقاط حُكومة دياب، وغدًا إسقاط الرئيس ميشيل عون، وبعد غد إسقاط رئيس البرلمان، ودُخول البلاد في فراغ دستوري وحُكومي يقود إلى فوضى وفتح الباب على مِصراعيه أمام التدخّلات الخارجيّة، والحرب بالإنابة وهذا البَديل جاهِزٌ ومُعَدٌّ مُنذ أشهر، إن لم يَكُن مُنذ سنوات، ولذلك تتضخّم المخاوف من احتِمالات مُستقبلٍ دمويّ.
لبنان ينزلق بسُرعةٍ إلى الوصاية الدوليّة و”إدارة” المُنظّمات” غير الحُكوميّة، بحُجّة عدم وجود حُكومة، ولا نستبعد أن يكون أوّل الواصلين مُنظّمة “أصحاب الخوذ البيضاء” وهم ليسوا بعيدين ومقرّهم في إدلب وريف حلب على أيّ حال، “مسافة السكّة” فقط.
لبنان على بعد أسبوع من قُنبلةٍ موقوتةٍ قد يكون انفجارها مُدمِّرًا أيضًا، عُنوانها إعلان قرارات محكمة الحريري الدوليّة، وهذه القرارات قد تكون المُفجّر للمُظاهرات العنيفة، والفتنة الطائفيّة، وتأجيلها لم يَكُن تعاطفًا مع ضحايا كارثة المرفأ، وإنّما لاختيار التّوقيت المُناسب، وتهيئة الأجواء المُلائمة لهذا التطوّر المُرعِب.
“حزب الله” المُستهدف، مِثل النظام السوري، سيكون عصيًّا على التّغيير وكُل مُخطّطات نزع سلاحه، لأنّه على عكس جميع خُصومه، أقوى تسليحًا من الجيش الرسمي، (وهذا ليس ذنبه أو مسؤوليّته)، وجبهته الداخليّة، أكثر تماسكًا، ولم تُواجه أيّ انقسامات ذات شأن مُنذ تأسيسه قبل 40 عامًا تقريبًا، ويستند إلى حلفٍ إقليميٍّ قويٍّ (محور المُقاومة) والأهم من ذلك نجح في بناء تحالفات داخليّة مع مُعظم ألوان الطّيف اللّبناني الطّائفي من مسيحيين وسنّة وشيعة ودروز، وسيكون مِن أكثر المُستفيدين مِن إلغاء اتّفاق الطّائف، لأنّه لا يتولّى أيّ من الرّئاسات الثّلاث المُنبَثِقَة عنه، وأثبت دائمًا أنّه لا يُريد الحُكم لوحده، وقدّم تنازلات كبيرة للحِفاظ على الدّولة اللبنانيّة.
***
في لبنان كفاءات وطنيّة عالية، وحُكماء مِن كُل الطّوائف، يُمكن أن يتحرّكوا بسُرعةٍ في مَهمّةٍ لتجنيب البِلاد هذا المُنزلق الخطير الذي تُحاول أمريكا وإسرائيل وفرنسا وبعض العرب جرّه إليه، فلماذا لا تتشكّل مِن هؤلاء حُكومة “إنقاذ وطني” انتقاليّة ولتكن بقيادة سليم الحص، أو من يختاره وتضم شخصيّات نظيفة من مُختلف الطوائف، أو أن يتولّى العماد اميل لحود رئاسة لجنة تحقيق وطنيّة تَضُم جِنرالات في الجيش لكشف مُلابسات انفجار المرفأ الكارثي؟ وكبديل عن لجنة التّحقيق الدوليّة التي تُثار حولها علامات استفهام عديدة.
نصيحةٌ لكُل المُتآمرين، والمُتطوّعين المُحتملين، للمُشاركة في المُخطّطات الأمريكيّة الإسرائيليّة الفرنسيّة بأن يتريّثوا قليلًا، وأن يُحاولوا الاستفادة من دروس السّيناريوهات السوريّة والعِراقيّة والليبيّة قبل توريط أنفسهم، وأحزابهم، وطوائفهم، ولبنان كلّه في المحرقة الجديدة المُعدّة حاليًّا في الغُرف السّوداء الأمريكيّة والإسرائيليّة، فحزب الله المُستَهدف اليوم غير “حزب الله” عام 2005.
وربّما يُفيد التّذكير بأنّ آثار الحرب الأهليّة اللبنانيّة التي استمرّت 15 عامًا ما زالت ماثِلةً على الأرض وفي الأذهان، ومُقاتلو حزب الله جزءٌ أصيلٌ من النّسيج الاجتماعي اللبناني، ولا يُمكن إخراجهم على ظُهور السّفن، بسِلاحهم أو من دونه إلى قبرص وتونس في صَفقةٍ أمريكيّةٍ مَسمومةٍ.. الزّمن تغيّر جذريًّا.. والأيّام بيننا.
Print Friendly, PDF & Email
|
|
|
|
|
|
|
|