يشهد اليمن الموحد بعد 22/مايو/1990 خضماً وتسارعاً كبيرين لمحاولة القضاء على جميع ملامح الأحقاد والكراهيات والتمزق والفُرقة والتشطير للوصول إلى محاولة إعادة بناء الإنسان اليمني من تأثير أكثر من 1300 عام من الجهل والتخلف والفقر والمرض والتعسف والتشطير والتمزُق والمظالم والقهر والملاحقات والسجون والتعذيب وتكميم الأفواه من جراء أنظمة أسر حاكمة كهنوتية رجعية متخلفة فاسدة تعاقبت على حكم اليمن في القديم, والتحدي والإصرار القائم من أجل أن يُعاد للإنسان اليمني الموحد حقوقه الطبيعية وقيمته الحقيقية وحرياته وكراماته من خلال نظام شوروي ديمقراطي يكفل تكافؤ الفرص للجميع وبتكافل اجتماعي بين الحاكم والمحكوم من خلال صناديق الإقتراع بنظام مؤسساتي وبالتبادل السلمي للسلطة, بمعنى آخر إن ما يحدث اليوم في اليمن هو صراع شبه بقاء بين القديم المتخلف المدعوم بأجندات غير يمنية إقليمية تحديدا والجديد بسواعد وعقل وفكر اليمنيين أنفسهم والتواقين إلى التحرُر من العبودية والإستعمار القديم والجديد.
سأحاول تفنيد المقدمة أعلاه من خلال مراقبتي وتحليلي الشخصية في تبين ماهية القوى التي تحاول بكل الوسائل والطرق للحيلولة من دون أن تخطو وتتقدم اليمن خطوة واحدة إلى الأمام وهي تمثل قوى الرجعية والتخلُف ضد اليمن الموحد الكبير تتمثل بالآتي:
1 - قوى ما تسمى بالحراك الجنوبي:
هم عبارة عن أفراد متنفذين ويحملون الجوازات الأجنبية , وهذه قوى تتحرك وفق قوى دولية وتهدف لعودة نظام المشايخ والسلطنات والإمارات والممالك إلى اليمن ثانية, وهم بالأصل من أبناء وسلالة السلاطين والمشايخ ممن قد تم تدميرهم وسحلهم وقتلهم من خلال الحزب الإشتراكي اليمني في جنوب اليمن بعد ثورة 14 أكتوبر 1963 بعد تحرير جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني بواسطة حزب جبهة التحرير ( الجناح المُسلح ) كأئتلاف يمني وطني تحرري والذي أنشق منه ( حزب جبهة التحرير ) أنشق منه ما يُعرف حينها بالجبهة القومية التي تسلمت السلطة من المستعمر البريطاني في 30/ نوفمبر 1967 بمؤامرة مفضوحة حينها ضد حزب جبهة التحرير وإستهداف خيرة مناضليه وكوادره والذين توجهوا حينها لفك الحصار عن النظام الملكي الإمامي الكهنوتي في صنعاء في العام 1968 في خضم حركات التحرر الوطني العربي بعد دك عروش الملكية والإمامة في شمال الوطن اليمني حينها في 26/سبتمبر 1962 كحركات تحرر قادها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ومن خلال رموز الرجولة والشرف والتحرير اليمنيين حينها, وأثناء عودتهم ( رموز وقيادات حزب جبهة التحرير ) إلى جنوب اليمن بعد فك حصار صنعاء منعتهم الطائرات البريطانية بمعية الجبهة القومية وقاموا بقصفهم في منطقة ( الشريجة ) على الحدود اليمنية بين الشطرين , ما أضطر معظمهم للعودة إلى شمال الوطن اليمني.
ما تسمى بقوى ورموز الحراك الجنوبي اليوم هي نفسها التي لجأت وتحالفت مع قوى اقليمية تحديدا إبان طردهم من جنوب اليمن وضد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر, والعديد منهم من لجأ إلى بعض دول الخليج العربي ومن ضمنها الإمارات العربية المتحدة والبعض الآخر من أبناء المشايخ والسلاطين من غادر مُكرها إلى بريطانيا في المملكة المتحدة.
رموز أصحاب ما يُعرف بالحراك الجنوبي هم ممن يكنون للحزب الإشتراكي الشريك في الوحدة اليمنية, الحقد والكراهية والثأر المبيت بإسم ما يُعرف بالحراك الجنوبي للعودة إلى جنوب اليمن ولتشكيل ولإعادة نظام المشايخ والسلطنات والممالك المطمورة ويكيدون لشعب الجنوب الحقد والكراهيات لكونهم كانوا طرفا في قتل آبائهم ودك عروشهم!! وهؤلاء رموز الحراك هم من وقفوا ضد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في أثناء حركات التحرر حينها في خمسينات وستينات القرن الماضي, وممولين حاليا بالأموال الطائلة والسلاح لمحاولة زعزعة الأمن والإستقرار في اليمن والتآمر والتربص بوحدة الوطن اليمنية المباركة كجزء من هذا الحراك ولإفراز أحقادهم وكراهياتهم بأشكال الدسائس والمؤامرات التي يحيكونها ضد الوطن والإنسان اليمني الموحد,
2 - رموز الانفصاليين عن الوحدة اليمنية في الحزب الاشتراكي اليمني:
في 22/مايو/1990 دخل الحزب الاشتراكي الحاكم في جنوب الوطن اليمني كشريك مع المؤتمر الشعبي العام كحزب حاكم في شمال الوطن اليمني حينها. الملاحظ للمراقبين والمحللين دونما إستثناء, يرون إن رموز وقيادة الحزب الاشتراكي اليمني من أمثال / علي سالم البيض وحيدر أبوبكر العطاس قد كانوا طرفا وشريكا في أحداث الاقتتالات الدامية في الحرب الأهلية في يناير من العام 1986 المشؤومة في جنوب اليمن, حينما اختفى كليا علي سالم البيض وحيدر أبوبكر العطاس عن الصراع الدائر في جنوب اليمن إثر فتنة داخل الحزب الإشتراكي الحاكم في الجنوب نفسه, وحينما أصدر الحزب الاشتراكي حينها وأنزل العقوبة بعلي سالم البيض إثر زواجه بزوجته الثانية ( مُلكي ) ونصبها قيادية في الحزب الحاكم حينها, وحينما كان الدستور اليمني الجنوبي يقضي بتحريم الزواج لأكثر من واحدة.. وظل بعض قيادات الحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب يعتقدون يقينا إن علي سالم البيض قد ظهر من الخفاء والعدم في أثناء المعارك الدامية داخل إطار الحزب الاشتراكي نفسه وأعلن نفسه بعدها أمينا عاما للحزب!!! وظلت تلاحقه جحافل ممن يتربصون به ويترصدون قتله ولارتباطه بقوى خارجية ترصدت واختلقت الوقت المناسب لتنصيبه أمينا عاما للحزب دونما ترشيح أو انتخابات, وظل مُلاحقا من داخل الحزب الاشتراكي في جنوب اليمن لمحاولة قتله وتصفيته جسديا كونه بحسب رأيهم يمثل العار والخزي بالتحالف والعمالة مع أطراف وجهات خارجية تكيد العداء لليمن الموحد الكبير.
يجدر الإشارة هنا إلى إن إتفاقية الوحدة في العام 1990 كانت بالنسبة لعلي سالم البيض وحيدر أبوبكر العطاس كانت بمثابة الهروب من التصفية والقتل ليلجآ مُحتميين بالنظام المستقر في شمال اليمن حينها وكان لهما ذلك... بمعنى إن دخولهما للوحدة اليمنية كان هروبا من التصفية والقتل!! ولم يكن لهما خيار.
ظهر الوجه الحقيقي لعلي سالم البيض وحيدر أبوبكر العطاس واضحا جليا ومن بعض المتنفذين غير الوحدويين حينها ومن غير الأكفاء وعديمي الخبرات في إدارة شئون دولة الوحدة لليمن الكبير ومن المعينين الذين تم تنصيبهم وتعيينهم على أساس مناطقي وقبلي من كوادر الحزب الاشتراكي اليمني المنقولين إلى صنعاء بعد العام 1990 في مختلف الوزارات والمؤسسات في شمال اليمن وجنوبه حينها وبالفارق بين النظامين حينها, النظام الدموي غير المستقر وكنتيجة للحرب في الجنوب والنظام شبه المستقر في الشمال, ما أدى بالنتيجة إلى إن القيادات التي أنتقلت إلى صنعاء في وزارات ومرافق اليمن الموحد لم تستطع أن تواكب متطلبات دولة الوحدة الكبيرة وشعب لاً يقل تعداده عن عشرين مليون نسمة بعدما كانوا يحكمون شعب لا يزيد تعداده على المليونين في جنوب اليمن, لم تكن تحضر القيادات الجنوبية في شمال الوطن لتباشر مهامها على الوجه الأكمل في وزارات صنع القرار في صنعاء لعجزها وعدم كفاءتها وخبرتها بالمقارنة مع الالتزام لممثلي شمال اليمن, ما أوصل الوضع بالنتيجة إلى حرب صيف 1994 حينما بدأ علي سالم البيض وأمثاله في الحزب الاشتراكي الجنوبي في محاولتهم التنصل والفكاك من الوحدة اليمنية وبدأ التناوش وحياكة الدسائس والمؤامرات .
في أثناء حرب صيف عام 1994 نزلت طائرة تحمل على ظهرها الحكومة الجديدة لجنوب اليمن بعد إعلان الانفصال عن الوحدة الوطنية اليمنية, على الرغم إن علي سالم البيض قبل وصول الطائرة المحملة بقيادات الجنوب, إنهم ساوموه ووعدوه بصرف مبلغ خمسة وعشرين مليون دولار كهبة شخصية له بمقابل إعلانه للانفصال ولكنه حينها تحجج بأن الوحدة اليمنية أغلى من المبلغ المدفوع له وكانت الصفقة بأن ترتفع الجرعة له وللانفصاليين أتباعه وكان لهم أن حزموا أمرهم بإعلان انفصال جنوب اليمن عن شماله.
المفارقة الجميلة إن حرب صيف 1994 بين شمال اليمن وجنوبه ومن القيادات العسكرية والمدنية الجنوبيين والمقيمين حينها في شمال الوطن اليمني والتي تضررت من سياسات الحزب الاشتراكي القمعية البطشية في الجنوب والتي على أثرها أستقر الكثير منهم في شمال الوطن وخاصة بعد الحرب الأهلية في يناير 1986 , كان لهم الأثر الكبير حينما التحموا جنبا إلى جنب مع شمال الوطن اليمني وشكلوا صفا واحدا مدافعين عن الوحدة اليمنية وقدموا قوافل من الدماء الزكية الطاهرة والشهداء الذين سقطوا في المعارك حينها وانتصرت على أثرها إرادة الشعب اليمني الموحد الكبير في تحقيق وحدته المباركة.. وخاصة بعدما غادرت نفس الطائرة المحملة بحكومة الجنوب وعادت من حيث أدراجها وهربت قيادات الانفصال برا وبحرا كالفئران وقد تسلمت ما في البنوك الجنوبية من حقوق ورواتب ومعاشات شعب الجنوب وتركت شعب الجنوب الرافض لهم والمتمسك بوحدة الوطن المباركة يلقى مصيره لوحده.
3 - حركة الحوثيين في صعدة اليمنية:
نشبت العديد من المواجهات الأهلية المسلحة بين الحوثيين اليمنيين والجيش اليمني راح على أثرها يمنيون أولا وأخيرا... ونعتقد جازمين إنهم لم ولن يحققوا من هذه الإقتتالات الأهلية إلا الحسرة وخيبة الأمل.
4 - تنظيم القاعدة الإرهابي:
هذا التنظيم يعرف الجميع إنه صناعة أمريكية موسادية تمويلا وتنظيما وتسليحا ويتم تسخيره بحسب الأجندات للجهات الثلاث أعلاه, وهو نفس التنظيم الذي حارب الروس في أفغانستان ولتحل أمريكا محل الروس في أفغانستان في تسعينات القرن الماضي, وهو نفس التنظيم الذي يعمل في كل من مصر والعراق واليمن لتحقيق أجندات القوى المحركة الثلاث أعلاه.
هذا التنظيم يتم تحريكه في الوقت الحاضر ليجد ملاذا في اليمن لتحقيق آجندات تخريب الأمن والإستقرار والتنمية والشوروية والوحدة اليمنية تحت شعارات إسلاموية متطرفة إجرامية تقوم على سفك دماء الأبرياء باسم الدين الأصولي السلفي الإسلاموي ودين الله السماوي منهم براء.
ورأيي الشخصي إن كل محاولات القوى أعلاه والتي تراهن على ضرب اليمن من الداخل والخارج واستهداف أمنه وإستقراره ووحدته والتنمية والشورى والديمقراطية الوليدة في اليمن, هذه القوى في الحقيقة هي بالأساس مرفوضة من الداخل الشعبي اليمني ونعتقد جازمين إن هذه القوى تقبض ثمن تحركاتهم بآجندات خارجية تعيش على أحلام وأوهام عودة اليمن إلى ما قبل التأريخ وإلى القرون الوسطى من العبودية والقمع والبطش والمهانة والإذلال والملاحقات والسجون والتعذيب من خلال نظام الممالك/ السلاطين/ الأمراء/ المشايخ والأسر الحاكمة غير المنتخبة شعبويا وبالتبادل السلمي للسلطة, ونؤكد هنا إن الوحدة اليمنية كانت وستظل شامخة وراسخة رسوخ الجبال ولو كره الحاقدون والكارهون والمرتزقة المتنفذون.
* نقلا عن صحيفة 14 أكتوبر: |