إجرام لا أحقر منه وانحطاط مضاعف.. هذه أبسط نتيجة لكارثة تطييف الدولة والمجتمع.. ذلك أن الصراع حين يتحول طائفياً لا سياسياً يدمر الدول ويقضي على المجتمعات. والحاصل أن صنعاء تتبغدد كما تشير الوقائع المتتالية للأسف. كذلك فإن أضاليل وأوهام عديدة تعتمد عليها الجماعات المتطرفة في محاولاتها للاستيلاء على مستقبل المجتمعات والدول والانتقام من بعضها بعضاً؛ فهي تجتهد في مناهجها التربوية الرثّة على شحذ طاقات السذاجة لدى الأفراد المغلوبين على أمرهم. وتُعد هذه الجماعات المغلقة نتيجة فهم خاطئ للذات وللآخر؛ بحيث إنها على اختلافها تتوحّد في طابع العنف واستحضار الماضي وتأجيج الكراهيات المتصارعة ، كما تلاقي رواجاً في ظل اضمحلال مشاريع الإجماع الوطني الذي يجب أن ترعاه وتعمل على تنميته الدولة الوطنية الجامعة ، ولنا أن نعزو قوتها اللا عقلانية إلى عدم البدء في مشاريع الإصلاح الديني الضروري والمهم. والشاهد هو أن تلك الجماعات تتملق وتؤجج غرائز الهياج الجماعية لدى الجماهير المتخلفة. يقول “باريتو” عالم الاجتماع الإيطالي: “إن عمل الكاهن هو إخضاع العقول كي يُتاح له أن يثني الإرادات”. فضلاً عن كل هذا فإن جماعات التطرف المهووسة ذات قدرة خصوصية في التأليب ضد قيم التمدن، بينما تتميز بقدرتها المتفوقة لإيقاظ الحقد البدائي الذي تواجه عبره ممكنات التطور والسلام. وبحسب “سيمون دي بوفوار: “فإن الأفراد المصابين بالعُصاب الفردي يجدون في الاشتراك بعُصاب جماعي تسكيناً لآلامهم”. لكن المشكلة الأكبر تكمن في عدم تحصين المجتمع برؤى الاستنارة ما يعني انتقال العدوى إلى بقية الأفراد، والثابت أنه لا يمكن الارتقاء بمجتمعات التعصب دون فضح تلك المفاتن الزائفة التي يغذيها وعي التعصب نفسه، إذ إن الجماعات الدينية المتشنجة ؛ ليست سوى جماعات من الغشاشين أو المخدوعين؛ بينما غاية ثقافة عدم الاستغلال السياسي للدين ، بناء تجانسات رائعة داخل المجتمعات تقود إلى التطلُّع دائماً نحو مجتمعات متنورة غير متجمدة تفضي إلى السعادة الوطنية. ومن البديهي أن الجماعات الدينية المتعالية على طابع الدولة والمواطنة؛ تكون مفصولة عن الإحساس المعاصر بالحضارة، ثم إن توقها للهدم أعمق من توق البناء.. وهكذا؛ بأكبر قدر من الحماسة البربرية الهوجاء والمتعجرفة تعمل ضد الجمال وضد التسامح وضد الإنسانية، كما تحتقر استحقاقات دولة التعايش والعدالة وقوانين المجتمعات والدول النهضوية والحديثة والخلاقة.
« آه يا بلدي وحزني» آه يا صنعاء التي تتبغدد.. ألا من بقية عقلاء ؟
fathi_nasr@hotmail.com