مع كل السلبيات والانتهاكات والأخطاء والكوارث التي تحدثنا عنها والتي رافقت مسار التغيير منذ 11 فبراير 2011م وحتى اليوم الا أنه يجب أن ننظر الى تلك الأحداث من الجهة الأخرى حتى لا نبقى أسرى للجزء الفارغ من الكأس.
خلال السنوات الأربع الماضية حدثت إنجازات كبيرة وكبيرة جداً ليس على المستوى الاقتصادي انما على المستوى السياسي والاجتماعي والوعي العام، فقد كُسرت حالة احتكار البلد وثرواتها وقرارها خلال العقود الماضية والذي كان مختصراً في يد أشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، وأصبح الشأن العام وأهم القضايا والقرارات مطروحة للنقاش على مستوى رجل الشارع العادي أو العامل الذي ينام في احدى نوبات حراسة القات في الريف اليمني.
فالشعب الذي تحمل صالح لأكثر من 33 عاماً لم يتحمل سلطة الإخوان وحلفائهم في المشترك لأكثر من 3 سنوات ولن يتحمل سلطة أنصار الله إذا استمرت أخطائهم وخياراتهم الأحادية، وعلى التيارات السياسية أن تواكب هذا الوعي المجتمعي المتزايد بسبب الطفرة التكنلوجية الهائلة التي أشركت عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية العامل والفلاح والمقوت وبائع البطاط في الشأن العام، وأصبح يراقب أداء أي سلطة ويقارن بين وعودها أثناء معارضتها لمن قبلها في الحكم وبين السلوك العملي لها عند وصولها الى السلطة.
كما أن هذه الطفرة التكنلوجية جعلت أي سلطة تحت المجهر لحظة بلحظة، ولا تتمكن من مداراة فسادها وتجاوزاتها وانتهاكاتها حتى لدقائق معدودة، حيث تنقل تلك الانتهاكات على الهواء مباشرة أثناء وقوعها، ويكشف الفساد بعد ساعات او أيام من ممارسته، فكل مواطن يحمل جوالاً أصبح صحفي ومراسل تلفزيوني، ويمكننا تخيل سلطة تخضع لأكثر من خمسة مليون مراقب منتشرين في كل مكان وفي كل مؤسسة حكومية.
لا تزال الكثير من القوى والتيارات السياسية والدينية تراهن على أن غالبية المواطنين من البسطاء ولا يكترثون أو يتابعون ما يجري وأن ذاكرتهم ضعيفة وأنهم غير مدركين لتناقض خطابها قبل وبعد الوصول الى السلطة.
لم ترتقي تلك الأحزاب والتيارات بعد الى مستوى الوعي الذي وصل اليه المواطن بتأثير الطفرة التكنلوجية، والذي لم يعد يتأثر بخطابها الإعلامي مهما كان كثيفاً ومقنعاً وأصبح يستقي معلوماته وقناعاته من مواقع أخرى، ويقيم تلك التيارات من سلوكها على الأرض وانجازاتها لا من خلال تنظيرها الإعلامي عبر الفضائيات.
الفطنة والذكاء الذي وصل إليهم المواطن اليمني البسيط مدهشة في مجتمع ما يزال جزء كبير منه اميين بالمعنى التقليدي، أي لا يجيدون القراءة والكتابة، وجزء أكبر أميين بالمعنى المعرفي، لكنهم تمكنوا من ادراك من هو الطرف الذي كان له الدور الأكبر والتأثير الأعمق في سلطة الثلاث السنوات الماضية، ووجهوا لهم جام غضبهم وأسقطوه.
اعتقد الاخوان المسلمون أنهم وعبر اعلامهم يمكن أن يتنصلوا من تحمل مسؤولية حكومة باسندوة عبر القول ان لديهم خمسة وزراء فقط ولدى المؤتمر نصف الحقائب وأن رئيس الوزراء ليس منهم، لكن المواطن البسيط فطن الى ذلك وحملهم وحدهم أغلب المسؤولية وعاقب باقي أحزاب المشترك بدرجة أقل وكل بحسب تأثيره.
عرف المواطن البسيط قبل المثقف أن باسندوة كان "دمية" بيد حميد الأحمر، وان باقي وزراء الإخوان الممسكين بالملف المالي والأمني وسيطرتهم على القرار العسكري عبر تأثير علي محسن الأحمر هم أصاحب القرار الأول في السلطة وبالتالي يتحملون الحظ الأوفر من المسؤولية بغض النظر عن قلة عددهم إذا ما قورنوا بوزراء المؤتمر الشعبي العام.
نفس المواطن الذي فطن الى ذلك ولم يتأثر بالإعلام الذي سعى الى تمييع الوعي العام وتحميل المسؤولية للجميع بالتساوي سيحمل أنصار الله مسؤولية المرحلة اليوم مهما حاولوا التنصل منها ومهما تحالفوا شكلياً مع قوى وشخصيات من خارج تيارهم.
ولأن فرص نجاح أنصار الله في إدارة البلد أقل بكثير من فرص الإخوان والمشترك بحكم الفارق في الامتداد الوطني والدعم الإقليمي والدولي، وبالتالي فنسبة فشلهم عالية جداً إذا استمروا في تكرار نفس السياسة التي اتبعها من قبلهم، واقصد بها الاحتفالات وبيانات الدعم ومؤتمرات التصفيق.
ومن هنا لا مجال لأنصار الله للخروج من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه الا بإيجاد شراكة حقيقية لا صورية، صحيح أنهم سيخسرون جزء كبير من كعكة السلطة –التي استولوا عليها مؤخراً- لصالح بقية التيارات لكنهم كذلك لن يتحملوا المسؤولية لوحدهم في حالة الفشل.
اهم ثمار الأربع سنوات الماضية هي أنها حركت المياه الراكدة، وجعلت التغيير أمر ممكن، ونقلت الملف السياسي الى الشعب مباشرة، واختصرت العمر الافتراضي لأي نظام جديد لا يحترم تعهداته.