بعد كل الدمار الذي حصل في سورية ذهبت مختلف الأطراف الى طاولة المفاوضات، وفي روسيا هذه المرة، بمن فيهم المعارضة السورية التي طالما هاجمت موسكو بسبب مواقفها، فأغلب الدول الغربية والعربية جعلت من نفسها طرفاً في الصراع الدائر في سورية وفقدت على إثر ذلك امكانية أن تكون حتى مجرد وسيط نزيه في أي تسوية سياسية.
هل ننتظر نحن كيمنيين نفس المصير السوري حتى نجلس على طاولة الحوار مجدداً؟.
أعرف أن أنصار الله "الحوثيين" أخطأوا كثيراً في حق معارضيهم وخصومهم وفي حق البلد وتماسك نسيجه الاجتماعي، وتجاوزوا كثيراً مبدأ الدفاع عن النفس الى مبدأ الانتقام، وقد كنت من أكثر المهاجمين لهم خلال الأشهر الماضية، إضافة الى أننا لا يمكننا انكار مسؤوليتهم عن إيصال البلد –بعد 21 سبتمبر الماضي- الى كل هذا الخراب والدمار والحروب، لكن في نفس الوقت يجب أن لا ننسى أن بقية الأطراف كانت مساهمة في كل ذلك، ولها النصيب الأوفر من تلك الأخطاء قبل 21 سبتمبر الماضي عندما كانوا الفاعل الرئيس في السلطة وعلى رأسهم الرئيس السابق –اللاجئ حالياً في السعودية- عبدربه منصور هادي، فكل طرف يتحمل قدراً من المسؤولية بقدر قدرته في السلطة وامساكه بأدواتها ومفاتيحها.
إضافة الى أن كل تلك الأخطاء والتجاوزات والانتهاكات التي ارتكبتها مختلف الأطراف اليمنية بمن فيهم الحوثيين لا تبرر أبداً للعدوان السعودي على اليمن، نعم هم كانوا سبباً فيه عبر انقسامهم وصراعهم وتناحرهم الذي وفر أرضية وفرصة لهذا العدوان، لكن كونهم سبباً فإن ذلك لا يشرعن للعدوان، أو يجعله أخلاقياً، فهناك فرق بين تحميل طرف ما سبب المشكلة وبين شرعية رد طرف آخر لا علاقة مباشرة له بها ولم تتضرر مصالحه المشروعة من ذلك الخطأ الذي لم يوجه اليه من الأساس، أعني أنه لم يصب السعودية أي مكروه ولم يعتدى عليها وعلى أراضيها أو على مصالحها المشروعة والقانونية من أي طرف محلي يمني بما فيهم الحوثيين، ولم يلحق بها أي أذى عدى العمليات التي تنفذها القاعدة، وبالتالي فلا يوجد أي مبرر للعدوان السعودي على اليمن ولا على الحوثيين.
الخشية من التمدد والتغلغل الإيراني المفترض في اليمن يمنح السعودية الحق في المزيد من الدعم لحلفائها في اليمن بكل ما اوتيت من قوة ووفرة من مال، لكنه لا يمنحها الحق في أي عدوان عسكري مباشر على اليمن أو على أي طرف فيه، وبالأخص أن ذلك التغلغل الإيراني المزعوم لا يزال غير مرئي حتى اللحظة، فلم تتدخل إيران عسكرياً وبشكل واضح ومعلن في اليمن لصالح أي طرف.
الدعوة التي وجهت للحوار في الرياض واشارة مجلس الأمن اليها ليست إيجابية ولا يُتوقع لها النجاح، فالسعودية أضاعت والى الأبد فرصة أن تكون وسيطاً شبه نزيه في اليمن، فمن المستحيل على الأطراف التي قتلتها الطائرات السعودية وانزلت حممها على رؤوس أطفالهم ونسائهم ومصالحهم وبناهم التحتية أن تقبل بحوار في الرياض الا إذا كانوا سيذهبون لتوقيع وثيقة الاستسلام تحت لافتة الحوار.
تلك الدعوة غير جادة وعلى الحكماء في المنطقة إيجاد مخرج معقول ومكان مقبول للحوار، كسلطنة عمان مثلاً أو الجزائر أو سويسرا أو روسيا، المهم دولة ما يمكن أن تذهب اليها مختلف الأطراف.
على الحوثيين –في أي حوار مفترض- تقديم تنازلات مؤلمة ليس للسعودية بل لشركائهم في هذا الوطن، وليس عيباً إذا ما تنازلوا حقناً لدماء اليمنيين وللمحافظة على ما تبقى من مصالح في هذا الوطن، وللمحافظة على التماسك الهش للنسيج الاجتماعي الذي بدأ في التأكل، وقد ينفرط عقده كما انفرط في الكثير من البلدان ومنها العراق على سبيل المثال.
كذلك على بقية الأطراف الأخرى –في أي حوار مفترض- أن لا يخوضوه وهم مستندين على الطائرات والبوارج السعودية، وأن لا يبالغوا في التنازلات المطلوبة من الحوثيين، وأن يكون سقف المطالب للجميع هو مخرجات مؤتمر الحوار الوطني المتوافق عليها، فالتدخل السعودي لن يستمر الى ما لا نهاية، وقد تتغير الظروف كما تغيرت في سوريا وخضعت الرياض وتركيا وقطر والولايات المتحدة والغرب بأكمله وقبلوا ببقاء الأسد وبالحوار في موسكو، وشعرت المعارضة السورية بالخذلان، ولم يجدوا الا الفنادق تستضيفهم، بعد أن انحسر الدعم لهم الى أدنى حدوده، وقد يأتي الوقت الذي تتعاجز تلك الدول عن دفع حتى أجرة الفنادق.
كلما تأخرنا عن الحوار زادت الفاتورة، لا أتحدث عن الجانب الاقتصادي فقط انما عن الجانب البشري والإنساني كذلك لأنه الأهم، فالجروح التي قد تتركها الحروب التي تخاض حالياً –تتحمل جميع الأطراف مسؤوليتها- لن تندمل بسهولة، وستكون غائرة ويصعب علاجها اذا ما استمرت أكثر.
ـ"صحيفة الأولى"
albkyty@gmail.com