من يحبذون رؤية الحروب والدمار والهلاك، هم عميان السلام والبناء والبصيرة. كما أن تحقير السياسة وتمجيد الحروب، من قبل كل الأطراف بدون استثناء، يعني أن الجميع لا يريدون الوفاء بالالتزامات، مفضلين المغامرات التي لا تجدي باعتبارهم مجرد غوغائيين متنصلين عن ضرورة تجنيب البلد مآزق أكبر. والحال أن البلد ملغمة بالحروب ومنطقها البربري الخاسر، بحيث لا يوجد أي طرف يؤمن بأن مابعد الحروب لابد من طاولة سياسية.
وأما بشأن المبادرة التي أطلقها الحزب الاشتراكي لإيقاف الحروب واستعادة العملية السياسية، فإن كل طرف يرى أنها تنقذ الطرف الآخر .. هكذا بكل تسطيح وأنانية واستخفاف بمعاناة اليمن ومآسي اليمنيين التي تتفاقم.
بينما الملزم مع أي مبادرة ان كل الأطراف تتوافق حولها بإحساس فائق وشفاف بمختلف المخاطر والتداعيات، وذلك وفق تنازلات ضرورية وعاجلة وملحّة ، لتنتصر اليمن وتتجاوز اللحظة المجازفة التي تتطلب العقلانية السياسية ، ولا شيء سواها.
إلا أن المخيلة الضحلة والمهووسة بالانتقامات وبالعنف للأسف ، لا يمكنها استيعاب تداعيات تلك المخاطر.
وبالطبع؛ قد يكون في مبادرة الاشتراكي ثمة نواقص واختلالات مثلاً ، غير أن الكل تجاهها يظهرون كمعاتيه فقط، إذ لا يساهمون في تعزيزها كما ينبغي ، بحيث لا يريدون شراكة ولا سياسة ولا حوار ، قدر ما يريدون البقاء في حالة التأزيم التي لا تنتهي و الاستنفار تجاه أي حل ، ليظل المستقبل هو الغامض والمعلق ، كما على هذا المنوال المكابر والبليد والمزايد بإحكامه وتصوراته وتحيزاته المسبقة والمغلقة والأحادية ، لا شيء في الأفق سيمكننا رؤيته ـ مابعد جنون العاصفة والحروب التي في الجنوب- سوى فناء الوعي الوطني ومضاعفة الهوس بتمجيد الشرور التي تعمل على تصديع اليمن أكثر ،فضلاً عن تخريب حياة اليمنيين المنهكة أصلاً ، و محق المسؤولية السياسية بالمحصلة.
عجبي !
fathi_nasr@hotmail.com