عادت الاوضاع الى وضعها الطبيعي في اليمن بعد فشل مفاوضات سويسرا بين التحالف “الحوثي الصالحي”، ووفد حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ونقصد بالوضع الطبيعي، استئناف القصف والاشتباكات الدموية على مختلف الجبهات، مما يعني انهيار اتفاق وقف النار كليا، وهو الاتفاق الذي لم يتم الالتزام اساسا به من جميع الاطراف في الاصل، وجرى تسجيل اكثر من 300 اختراق له على مدى اسبوع.
الجديد في المشهد اليمني هو اطلاق التحالف “الحوثي الصالحي” خمسة صواريخ باليستية من طراز “قاهر ا” و”قاهر 2″ باتجاه المدن السعودية الجنوبية في جيزان ونجران وعسير، ومقتل ثلاثة أشخاص نتيجة اعتراض إحداها في نجران.
متحدث باسم حركة “انصار الله” الحوثية قال امس (ان اطلاق صواريخ باليستية (آخرها اليوم الاثنين) يأتي ضمن تنفيذ المرحلة الاولى من الخيارات الاستراتيجية، وردا على اختراق تحالف العدوان لوقف اطلاق النار الذي دعت اليه الامم المتحدة”.
اطلاق صواريخ تصل الى مدن سعودية كبرى مثل جيزان ونجران تطور خطير في هذه الحرب، رغم ان صواريخ “باتريوت” اعترضت بعضها، او معظمها، ودمرته، إلا أن الكلفة “النفسية” لهذه الصواريخ باهظة جدا، خاصة ان نسبة كبيرة من الشعب السعودي تتسائل عن جدوى هذه الحرب وتشكك في امكانية كسبها، سلما او حربا.
صحيح اننا لم نسمع هذه الاصوات المعارضة للحرب بشكل واضح في وسائل الإعلام السعودية الرسمية، او شبه الرسمية، والشيء نفسه يقال عن وسائط التواصل الاجتماعي أيضا، ولكن دخول هذه الحرب شهرها العاشر دون حسم من “عاصفة الحزم”، جعل الكثير من السعوديين يعبرون عن عدم رضاهم، أو بالأحرى قلقهم، في الجلسات والديوانيات الخاصة، لان عقوبة أي انتقاد لسياسة الحكومة، في حرب اليمن او حتى القضايا الداخلية، يعرض صاحبه للسجن، وما حصل للمدون السعودي رائف بدوي، والكاتب السعودي زهير الكتبي احد ابرز الأمثلة في هذا الصدد.
المتحدث باسم الحوثي اكد ان الصواريخ الخمسة هذه هي جزء من المرحلة الاولى في استراتيجية الحرب، ولا نعرف ما هي مواصفات المرحلتين الثانية والثالثة، وادواتهما، وصواريخهما، فهل هذا يعني انها ربما تتضمن اطلاق صواريخ تضرب العمق السعودي، ومدن كبرى مثل خميس مشيط وابها، وربما جدة والرياض ايضا.
ما يجعلنا نطرح هذا السؤال هو ما لمسناه من فاعلية للصواريخ التي اطلقها “حزب الله” باتجاه اسرائيل، وكذلك حركات المقاومة الفلسطينية اثناء العدوان الاسرائيلي على غزة صيف عام 2014، التي وصلت الى تل ابيب والقدس المحتلين، وفشل القبة الحديدية في تدميرها، فالمصدر واحد لكل هذه الصواريخ، وهو ايران.
العميد الركن احمد عسيري المتحدث باسم “عاصفة الحزم” قال بأن تحالفه السعودي سيتخذ اجراءات قاسية كرد على اطلاق الصواريخ، ولا نعرف ماذا بقي في جعبته من ردود، فهل هناك اكثر خطوات وردود قسوة من الحصار البري والبحري والجوي الخانق، الذي ادى الى مقتل اكثر من عشرة آلاف يمني، واصابة ثلاثين الفا آخرين؟ وهل هناك اكثر قسوة من قصف جوي متواصل على مدى تسعه اشهر من قبل طائرات حربية من طراز “اف 16″ الأحدث في الترسانة الامريكية، والمجهزة بصواريخ وقذائف على درجة عالية جدا من قدرات التدمير؟
ما لا يدركه العميد ركن عسيري وقيادته ان اليمنيين امتصوا الصدمة، او كادوا، وتعودوا على العيش في ظل هذا الوضع المأساوي، لانه ليس هناك اي خيارات اخرى امامهم، تماما مثلما فعل الافغان والعراقيون والسوريون اللبنانيون قبل الجميع اثناء الحرب الاهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما.
الفارق الرئيسي يكمن في ان الشعب السعودي لديه الكثير مما يمكن ان يخسره في هذه الحرب التي خاضتها قيادته دون ان تستشيره، بينما الشعب اليمني الفقير المعدم لم يكن، ولم يعد لديه، ما يمكن ان يخسره في هذه الحرب، طال أمدها ام قصر.