وسط الانشِغال العالميّ بالتوتّر المُتصاعد بين الولايات المتحدة الأمريكيّة وإيران في مِنطقة الخليج بعد نجاح الدّفاعات الجويّة الإيرانيّة في إسقاط طائرة تجسّس أمريكيّة فوق أجواء مضيق هرمز، شنّت الطائرات الإسرائيليّة غارات صاروخيّة ليل الأحد على أهداف عسكريّة ومدنيّة في ريفيّ دِمشق وحمص ممّا أدّى إلى استشهاد 15 شخصًا من بينهم أطفال ومدنيين.
الطائرات الإسرائيليّة لم تقترب من الأجواء السوريّة، وأطلقت صواريخها السّبعة من الأجواء اللبنانيّة تجنّبًا لإسقاطها مثلَما حدث مع طائرة من نوع “إف 16” أسقطتها الدفاعات الجويّة السوريّة بصواريخ “إس 200” في صيغته المُحدّثة.
هذه الغارات ستُشكّل إحراجًا للحُلفاء الروس لأنّها جاءت بعد أقل من أسبوع من اجتماع ثلاثي لمُستشاري الأمن القومي في كُل من روسيا وأمريكا ودولة الاحتلال الإسرائيلي (يوم الثلاثاء الماضي) في القدس المُحتلّة لبحث الوجود الإيراني على الأراضي السوريّة.
المعلومات الأوليّة أكّدت أنّ نيقولاي باتروشيف مستشار الأمن القومي الروسي الذي مثّل بلاده في هذا الاجتماع فاجَأ نظيريه الأمريكيّ والإسرائيليّ بقوله بأنّ “إيران دولة حليف وشريك لموسكو، وتشويه صورتها ووصفها بالخطر الكبير على المِنطقة غير مقبول لأنّها تُشارك بفاعليّة في مُحاربة الإرهاب”، في رسالةٍ واضحةٍ تُؤكّد أنّ القِيادة الروسيّة لا تلتقي معهما في وجهتيّ نظيرهما بوضع خطّة لإخراج القوّات الإيرانيّة من سورية، وما الاجتماع الثلاثي المُقترح من قِبَل الرئيس فلاديمير بوتين بمُشاركة الرئيسين التركيّ رجب طيّب أردوغان والإيرانيّ حسن روحاني لبحث الأوضاع السوريّة إلا الرّد القويّ على اجتماع القدس ونقضًا له.
***
كان لافتًا أنّ الدفاعات الجويّة السوريّة لم تستخدم صواريخ “إس 300” الروسيّة الموجودة في حوزتها، والأكثر دقّة، في التصدّي للغارة الجويّة الإسرائيليّة الأخيرة، وإنّما صواريخ “إس 200″، حسب ما تبيّن من فحص قطع الصّاروخ السوري الذي تحطّم بالقُرب من نقوسيا العاصمة القبرصيّة، ممّا يعني أنّ القِيادة الروسيّة ما زالت تفرِض “الفيتو” الذي يمنع استخدام النّسخة المُحدّثة، أيّ صواريخ “إس 300” للتصدّي لأيّ عُدوان إسرائيلي بفاعليّة.
لا نعرف طبيعة القُيود التي تفرِضها القيادة الروسيّة على استخدام هذا النّوع من الصّواريخ من قبل القيادة السوريّة في التصدّي للعُدوان الإسرائيليّ المُتكرّر، وكُل ما نعرفه أنّه جرى تسليم هذه الصّواريخ للحليف السوري كردٍّ على غارات إسرائيليّة استهدفت أهدافًا سوريّة بالقُرب من قاعدة “حميميم” الجويّة الروسيّة قُرب اللاذقيّة، ومارَست نوعًا من التّشويش المُتعمّد أدّى إلى إسقاط طائرة تجسّس روسيّة ومقتل 15 خبيرًا كانوا على متنها، وحملت القِيادة الروسيّة نظيرتها الإسرائيليّة المسؤوليّة عن هذا العُدوان.
السّؤال المطروح هو: حتى متى تستمر القيادة الروسيّة في فرض هذه القيود في ظِل تزايد “العُدوانات” الإسرائيليّة الاستفزازيّة، وهو الأمر الذي يُوحي للكثير من المُراقبين بأنّ عدم السّماح للدفاعات الجويّة السوريّة في استخدام هذا النّوع من الصّواريخ المُتقدّمة هو نوع من المُوافقة “الضمنيّة” على هذه الغارات الإسرائيليّة، أو عدم مُعارضتها بالشّكل الكافي على الأقل.
استخدام الطائرات الإسرائيليّة للأجواء اللبنانيّة لإطلاق صواريخها على أهداف سورية لم يعُد يُحتَمل، ويجب أن يتوقّف من خلال إعطاء الضّوء الأخضر لسورية لاستهداف هذه الطائرات في هذه الأجواء، خاصّةً أنّ صواريخ “إس 300” تستطيع إصابة أهدافها على بُعد 300 كم، أيّ ما هو أبعد من الأجواء اللبنانيّة بكثير.
الهدف الإسرائيلي من هذه الغارات استفزاز سورية وإيران، ودفعهما للرّد في العُمق الإسرائيلي لجرّهما إلى حربٍ مُوسّعةٍ في الزّمن الذي يُريده بنيامين نِتنياهو، لإظهار الدّولتين بمظهر الطّرف الذي أشعل فتيل الحرب في المِنطقة وتحمّل المسؤوليّة في هذا الصّدد.
الأمر المُؤكّد أنّ الرّد على هذهِ الاستفزازات الإسرائيليّة بات وشيكًا، وقد نُفاجأ به في أيّ لحظة، وبالتّنسيق مع الحليف الروسي، الذي ضاق ذرعًا من هذه الاعتِداءات الإسرائيليّة المُحرجة له، وفي دولةٍ تتواجد فيها قواعده، ويخوض حربًا فيها ضِد الإرهاب بشراسةٍ غير مَسبوقة يدفع ثمَنها من دماء قوّاته وسمعته كقُوّةٍ عُظمى في الوقت نفسه.
كانوا يلومون الجانب الإيرانيّ بأنّه يقِف صامتًا، ويبتلع الإهانات الإسرائيليّة المُتمثّلة في الهُجوم على قوّاته في سورية، ويتجنّب الرّد، وها هو يكشِف مدى سوء تقدير هؤلاء، ويرُد على الولايات المتحدة، الدولة العُظمى ودعم إسرائيل، ويسقُط طائرتها المُسيّرة العِملاقة التي اخترقت أجواءه فوق مضيق هرمز ببضعة أمتار، ودون أيّ تردّد.
***
بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيليّ، هو الذي تدخّل لدى الرئيس ترامب لوقف الرّد الانتقاميّ الأمريكيّ على إيران في اللّحظات الأخيرة مثلَما تُؤكّد تسريبات عديدة، لأنّه كان يخشى من ردٍّ من إيران وحُلفائها بعشرات الآلاف من الصّواريخ دُفعةً واحدةً ممّا سيُؤدّي إلى تدمير دولته، ومثلَما جاء الرّد الإيرانيّ حاسمًا ومُفاجئًا، وعكس كل التوقّعات، سيأتي الرّد السوري وبالطّريقة نفسها، إن لم يكُن أكثر قوّةً وحزمًا، فالمسألة مسألة وقت وتوقيت، ومثلما أخرس الرّد الإيرانيّ الكثير من الألسنة، سيفعل الرّد السّوري الشّيء نفسه، أو هكذا نأمَل.
فمن استطاع الصّمود ثماني سنوات في مُواجهة تحالف من سبعين دولة بقيادة أمريكا، وتمكّن من استعادة مُعظم أراضيه إلى سيادة الدولة السوريّة، سيستطيع حتمًا الرّد على هذه الاستِفزازات الإسرائيليّة خاصّةً أنّ المُعادلات تتغيّر بسُرعةٍ لصالح محور المُقاومة على جميع الجبَهات.. والأيّام بيننا.