وأخيراً سكتت المدافع وتوقف الدم النازف في صعدة حرف سفيان وأصبح السلام _وحتى الآن_ هو الخيار البديل الذي أعلن كل الفرقاء بأنهم متمسكون به.. رغم الإدراك بأن الطريق إلى السلام لن يكون سهلاً بل هو محفوف بمعوقات وتعقيدات كثيرة مستندة إلى تلك التراكمات الصعبة التي خلفتها ست جولات من المواجهات الدامية وما تركته ورائها من جروح عميقة وندوب غائرة وشكوك كثيرة وغياب ثقة وتجارب مريرة أفرزتها فترات الحرب والهدنات السابقة.. ولهذا فإن التفاؤل بالسلام والاستبشار به مازال يصطدم بما تخبئه النفوس من نوايا ومخاوف وما يستوطن العقول من رؤى متباينة حول المستقبل واستحقاقات ما بعد الحرب بالإضافة إلى وجود المستفيدين من حالة الحرب خاصة في الجانب الحوثي حيث برزت عناصر مغمورة جعلت الحرب منها قيادات ميدانية ودرت عليها الحرب تلك الأموال والسلاح والتسلط على الناس الذين وقعوا تحت إمرتها.
وما من شك فإن للسلطة والحوثيين عموماً مصلحة في السلام ليس فقط في التقاط الأنفاس او إعادة ترتيب الأوراق ولكن أيضاً في وقف ذلك النزيف المرهق في الرجال والأموال وتزايد الإدراك والقناعات بان منطق الحرب او القوة لوحدهما لا يمكن ان يحققا لأي منهما أهدافه المنشودة والخاسر الاكبر من خيار الحرب هو اليمن الذي تستنزف قواه وقدراته المتواضعة أساساً وتزداد المخاطر والتحديات المحدقة به لتهدد وجوده ووحدته ومستقبل أجياله .. ولهذا تلوح فرصة السلام امام الجميع كخيار لا يمكن رفضه أو التراجع عنه على الاقل لفترة ليست قصيرة كما حدث في الجولات السابقة على الرغم مما يواجهه السلام من صعوبات جمة لا تتمثل فقط في الخروقات والانتهاكات او المماطلة والتلكؤ والذي تبديه بعض العناصر الحوثية في تنفيذ النقاط الست وآليتها التنفيذية المزمنة ومنها التشبث بالاسلحة والمتفجرات والمنهوبات التي بحوزتها وعدم فتح الطرقات بشكل كامل وكذا عدم إزالة كافة الالغام التي قامت بزرعها ورفض تسليم ما قامت بإزالته للاجهزة المعنية لتقوم بتفجيرها والتخلص منها .. ولكن ايضاً من تلك الشكوك التي ظلت تخلفها مثل هذه التصرفات حول حقيقة النوايا التي تقف وراء كل ذلك.. وحيث يبرز جلياً ان بعض العناصر الحوثية عادت إلى نفس الممارسات التي كانت سبباً في إندلاع الحرب السادسة بعد الهدنة التي سادت بإعلان وقف الحرب في 17 يوليو 2008م ومنها عمليات الانتقام من المواطنين المتعاونين مع الدولة وخطفهم وتدمير منازلهم ونهب ممتلكاتهم الامر الذي سيؤدي إلى إشعال الفتنة من جديد وربما اندلاع الحرب مرة أخرى وبالتالي خلق مآسي وكوارث جديدة.
ويبقى السؤال.. إلى أي مدى يمكن ان يدرك الحوثي وأتباعه بأنهم بخيار السلام هم الكاسبون ومن عدة أوجه وحيث لم تمانع الدولة من أن ينخرطوا في الحياة السياسية وفي إطار أي تجمع حزبي قانوني وممارسة ما يعتقدون انه حق لهم وأسوة بما يمارسه غيرهم من المواطنين من الحقوق والواجبات التي كفلها الدستور للجميع .. كما أن للسلام إذا ما كتب له النجاح والثبات استحقاقاته الكثيرة ويحتاج إلى جهود كبيرة ودؤوبة من اجل ازالة اثار الحرب ليس فيما يتصل فقط بجانب إعادة الاعمار والتعويضات لما دمرته الحرب والدفع بجهود التنمية في صعدة ولكن ايضاً فيما يتصل بترميم النفوس وإصلاحها من كل ما لحق بها من خراب وأحزان وشوائب وإعادة الإطمئنان والسكينة للخائفين وطي صفحة الحرب بكل ما حفلت به من مآسي وآلام وقبل ذلك فتح صفحة جديدة في علاقة الناس في المحافظة بعضهم البعض أساسها التسامح والوئام وعدم الانتقام .. والاهتمام بإعادة بناء العقول وتحصينها من أي تشويه قد تلحقه بها أي أفكار منحرفة ومهووسة وهذا هو الأهم .. ولهذا يبدو من الضروري ان تكون في قائمة الأولويات الحكومية الإسراع بإنشاء جامعة في صعدة والتوسع في كليات المجتمع والمعاهد الفنية والمهنية وإعادة صياغة المناهج التعليمية وفق رؤى وطنية ومنفتحة ورحبة بعيدة عن الشطط والتطرف أو الإنشداد إلى عصور التخلف والجهل.. وذلك بما يضمن بناء جيل واعٍ قادر على التمييز بين الأشياء بصورة صحيحة وعدم الوقوع مرة أخرى ضحية الانخداع بالأفكار المتطرفة والعنصرية او بمنطق العنف والقتل والتخريب وهو ما ينبغي ان توضع له إستراتيجية واضحة المعالم والأهداف وآليات سهلة التنفيذ وبعيدة عن التنظير والشطحات والتعقيدات الروتينية أو الرؤى قصيرة النظر التي لا تستطيع استشراف الواقع الصحيح والأفضل الذي يخدم مصلحة اليمن وأبنائه.
* نقلا عن صحيفة اليمن: